-
نائب رئيس المحطات النووية السابق: تعرضنا لضغوطات من أوروبا بسبب إنشاء «الضبعة»
-
نوفارتس السويسرية تستهدف بناء مركز تصنيع في ولاية كارولينا الشمالية بـ23 مليار دولار
-
باحث سياسي: مفاعل الضبعة النووي يوفر 15 إلى 18% من الكهرباء لمصر
-
شعبة السيارات لـ«إيجي إن»: الموديلات الجديدة لم تثبت كفاءتها و"المستهلك يقيّم العربية من شكلها"
نجلاء أحمد تكتب: من زمن الـ30 مليون إلى 108 ملايين.. ما زلنا على أرض النفاق تضاعفنا عددًا وتراجعنا خلقًا
الأربعاء، 19 نوفمبر 2025 03:16 م
نجلاء أحمد- مدير إدارة الإعلام بجهاز الإحصاء
كتب: نجلاء أحمد
في زمنٍ اختلط فيه الصدق باللباقة والحق بالمجاملة والضمير بالضرورة، ظهر يوسف السباعي، كطبيبٍ اجتماعي حادِ البصيرة؛ ليكتب وصفته الأشهر" أرض النفاق"، تلك الأرض التي لم تكن خيالًا بعيدًا، بل انعكاسًا ساخرًا لواقعٍ يزداد عبثًا كلما تظاهر بالاتزان، فمن خلال قلمٍ ساخر وضميرٍ يقظ، قدّم واحدة من أكثر القصص جرأة في نقد المجتمع المصري والعربي، بينما جاء الفيلم الذي جسّده المبدع فؤاد المهندس - ليحوّل النص إلى مرآة ناطقة، تعكس وجوهنا بضحكةٍ مؤلمةٍ لا تخلو من الحقيقة.
ويتخيل الكاتب، أن الإنسان يستطيع شراء الفضائل والرذائل كما يشتري الدواء من الصيدلية:-(قرصٌ للشجاعة، وآخر للكرم، وثالث للنفاق)، وتعد تلك فكرة عبقرية ببساطتها، تكشف أن الأخلاق في المجتمع الحديث، أصبحت سلعةً تخضع للعرض والطلب، فمن أراد أن يعيش مرتاحًا عليه أن يتناول «قرص النفاق» بانتظام، ومن أراد أن يقول الحقيقة، فليتحمّل العواقب كمن يتناول دواءً منتهي الصلاحية! وبهذا التناول الساخر لا يكتفي السباعي بوصف الأزمة، بل يُجري عمليةً جراحية في ضمير المجتمع وهو يبتسم.
أما مسعود أبو السعد، بطل القصة والفيلم، فليس بطلاً خارقًا، بل إنسانًا عاديًا جدًا ينهكه التناقض بين ما يؤمن به وما يُجبر على فعله، ويبدأ طيبًا ومثاليًا، ثم يدخل عالم الأقراص ليجرّب النفاق والشجاعة والكرم، كما يجرب أحدهم نكهات الآيس كريم، لكن مأساة محجوب تكمن في أنه حين حاول أن يكون صادقًا وسط عالمٍ منافق، اكتشف أن الصدق هو الخطيئة الكبرى، إنه صورة مكثفة للإنسان المعاصر، الذي يعيش على الحافة بين الضمير والمصلحة، بين الحلم والواقع، بين ما يقول وما يُجبر على قوله.
أما الحوار الذي صاغه سعد الدين وهبة، فجاء بذكاءٍ لافتٍ وسخريةٍ تنضح بالمرارة والوعي، كل جملة تحمل خلفها فلسفة كاملة، كقوله: «النفاق هو العملة اللي ماشية دلوقتي يا محجوب!» جملة واحدة تختصر علم الاجتماع السياسي في عصرٍ كامل، والعبقرية هنا أن الكاتب لم يستخدم الخطابة أو الوعظ، بل جعل النكتة وسيلة كشف، والضحك أداة مقاومة، فغدت الكلمات طلقاتٍ من السخرية، تصيب القلب بالوعي لا باليأس.
وإذا كانت اللغة قد جسّدت الضمير الإنساني في حواره الداخلي، فإن الموسيقى التصويرية التي وضعها علي إسماعيل، أدّت الدور نفسه بالأنغام. كل نغمة تُعبّر عن التناقض بين ظاهر المشهد وباطنه، بين ابتسامة فؤاد المهندس وحيرته الداخلية، وتسمع الموسيقى فتدرك أنها تضحك بأسى، كأنها تقول.. "ها هو الإنسان يبيع مبادئه على أنغامٍ مرحة!!!" وبهذا الوعي الموسيقي تحولت الألحان إلى تعليق ساخر على الواقع، تُشارك في النقد بدل أن تكتفي بالتزيين.
يوسف السباعي، لم يكتب رواية رمزية غامضة، بل قدّم واقعيةً ساخرة جعلت من الخيال وسيلة لتعرية الواقع في أرض النفاق، لا نجد الشرير الواضح ولا البطل المثالي، بل الإنسان العادي الذي يتحول بفعل الظروف إلى نموذج مصغّر للمجتمع، فالقصة والفيلم معًا يسخران من كل شيء.. من السلطة، من المجتمع، من المواطن، بل ومن القيم حين تتحول إلى شعارات، وهكذا يصبح الفيلم كاشفًا لا مُتهمًا، وساخرًا لا محبطًا، ومُلهمًا لا واعظًا، يوقظ فينا حسّ النقد بدلًا من أن يُملي علينا دروس الأخلاق.
ومن اللافت للنظر، أن فيلم " أرض النفاق" عُرض عام 1968م، حين كان عدد سكان مصر لا يتجاوز 33 مليون نسمة فقط، أي أقل كثيرًا من عدد السكان اليوم، والذى تجاوز الـ108 ملايينً نسمة، ذلك الفارق الهائل في الأعداد لا يعكس مجرد نموٍّ ديموغرافي، بل تحوّلًا اجتماعيًا واقتصاديًا عميقًا جعل التحديات أكثر تعقيدًا، كما أعاد إنتاج بعض مظاهر "أرض النفاق" في ثوبٍ جديد.
فإذا كان النفاق في الستينيات يُمارس كفنٍّ اجتماعي ناعم، فقد أصبح اليوم آلية بقاءٍ وسط زحام المصالح وتضخم الحاجات، إن الأرقام هنا لا تزيّن المقال، بل تُذكّرنا بأن تضاعف عدد السكان، لا يعني بالضرورة تضاعف القيم، وأن ما كان رمزيًا بالأمس، صار واقعًا رقميًا اليوم.
كما يتركنا الفيلم أمام سؤالٍ مؤلم: هل يمكن أن نعيش دون أقراص النفاق؟ الإجابة !! كما يوحي بها النص ليست سهلة، لأن من يرفض الأقراص يُنظر إليه كمريضٍ بالصدق، إنها مأساة مجتمعٍ يُكافئ المجاملة ويعاقب الصراحة، ويمتدح الذكاء الاجتماعي وهو في الحقيقة يقصد فن التلون.
وهكذا تتحول السخرية في أرض النفاق إلى أداة مقاومة فكرية، لا تسعى لتغيير العالم بقدر ما تسعى لإيقاظ الضمير، كما تظل أرض النفاق رغم مرور العقود، عملًا معاصرًا بشكلٍ مؤلم، فكلما حاولنا أن نبرّر الكذب بالظروف، أو التناقض بالمصالح، أو المجاملة بالذوق، نتذكّر أن يوسف السباعي، قد سبقنا جميعًا إلى الحقيقة المرة: "إن أخطر أنواع النفاق.. هو الذي نمارسه مع أنفسنا"، وهكذا تبقى أرض النفاق عملًا خالدًا، لأنه لا ينتقد مرحلة بعينها، بل طبيعة بشرية أزلية، ما زالت تبحث عن الشجاعة لتتخلّص من أقراصها اليومية.. قبل أن تنفد الجرعة الأخيرة من الضمير.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
أحمد كامل يكتب: توجيهات الرئيس تنهي أسطورة المال السياسي
18 نوفمبر 2025 12:58 م
نجلاء أحمد تكتب: المتحف المصري الكبير.. ميلاد جديد لحضارة لا تموت
17 نوفمبر 2025 04:53 م
أكثر الكلمات انتشاراً