السبت، 08 نوفمبر 2025

02:15 ص

تصدعات الائتمان.. أزمة مالية جديدة تتشكل بهدوء في وول ستريت

السبت، 08 نوفمبر 2025 12:09 ص

شركة تراي كولور Tricolor Holdings

شركة تراي كولور Tricolor Holdings

تعيش وول ستريت في الأشهر الأخيرة، حالة من التناقض الغريب، مؤشرات الأسهم عند مستويات قياسية، وشهية المخاطرة تتجدد مع التفاؤل بتراجع الفائدة، بينما في الخلفية، تتوالى إشارات التحذير من تصدعات آخذة في الاتساع داخل نظام الائتمان الأمريكي.

ما حدث مع شركة "تراي كولور هولدينجز" Tricolor Holdings، لم يكن حادثًا عابرًا في قطاع تمويل السيارات، بل كشف من خلاله جانب مظلم من عالم التمويل الموازي، الذي نما في الظل بعيدًا عن أعين الجهات التنظيمية.

 

الصدع الأول.. إفلاس من الهامش إلى المركز

وتخصصت تراي كولور في تقديم قروض سيارات للأفراد ذوي التصنيف الائتماني المنخفض، مستهدفة فئة من المقترضين، الذين لا يتعامل معهم النظام المصرفي التقليدي، وظاهريًا، كانت تخدم شريحة محرومة من التمويل، لكنها في العمق بَنَتْ نموذجًا عالي المخاطر، يقوم على ضمانات هشة وسلوك مالي عدواني، وعندما بدأت تتعثر في السداد، تبين أن الشركة استخدمت الأصول ذاتها كرهان لأكثر من قرض واحد، فيما يعرف بـ"الرهن المزدوج"، ما أدى لوجود خللٍ جوهري في الرقابة على الضمانات داخل سوق الائتمان الخاص.

ولم يكن الانهيار في ذاته مفاجئًا، لكن المفاجأة الكبرى تمثلت في انكشاف مؤسسات مالية ضخمة، مثل جيه بي مورجان، وباركليز على هذه الشركة الصغيرة، وهذا الارتباط المباشر بين بنك عالمي وشركة محلية محدودة الحجم، أوضح إلى أي مدى أصبحت الحدود بين التمويل الرسمي والموازي ضبابية.

الأزمة المالية العالمية عام 2008

 

التمويل الموازي.. توسع بلا رقابة

وتزايد نفوذ المؤسسات المالية غير الإيداعية بشكل غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، فالتشريعات التي فرضت قيودًا على البنوك الكبرى، دفعتها إلى الانسحاب التدريجي من بعض أنواع الإقراض عالي المخاطر، تاركة فراغًا ملأته شركات تمويل خاصة وصناديق ائتمان غير خاضعة للرقابة التنظيمية الكاملة.

كما تشير تقديرات وكالات التصنيف، إلى أن هذه السوق أصبحت تمثل اليوم، أحد أكبر مصادر الائتمان في الولايات المتحدة، بقيمة تتجاوز التريليونات من الدولارات، لكنها تعمل خارج النظام المحاسبي والرقابي المعتاد، فيما تكمن المشكلة الحقيقية في أن هذه القروض غير متداولة في الأسواق الثانوية، ولا تخضع لتقييم دوري شفاف.

فكل جهة مالية تعتمد على نماذجها الخاصة، لتحديد قيمة الأصول التي تحتفظ بها، ما يخلق فجوات واسعة في التقييمات، ويبقي الصورة الحقيقية لمستوى المخاطر غامضة، وبعبارة أخرى، لا أحد يعرف تمامًا كم تبلغ القيمة الحقيقية لهذه القروض، ولا ما إذا كانت قابلة للاسترداد في حال حدوث أزمة سيولة مفاجئة.

 

اقرأ أيضًا:-

شركة أمريكية متخصصة في تمويل تجار السيارات مهددة بالإفلاس لهذا السبب

عدوى الخلل.. من شركة سيارات إلى شبكة تمويل معقدة

انهيار تراي كولور لم يكن سوى البداية، وبعده بأسابيع قليلة، أعلنت شركات أخرى في مجالات التمويل وقطع الغيار إفلاسها، واتضح أن أنماط الاحتيال والتعثر تتكرر بصيغ مختلفة، كما تعددت الحالات التي كشفت عن ضعف في إدارة الضمانات، وتهاون في الرقابة الداخلية، وعمليات إقراض متداخلة، عبر مؤسسات غير مصرفية تستخدم أصولًا متكررة لتأمين القروض، وهذه الممارسات تشير إلى خلل منهجي في إدارة المخاطر، لا إلى حالات فردية معزولة.

وفي الوقت نفسه، بدأت بعض البنوك الإقليمية الأمريكية، تتكبد خسائر غير متوقعة بسبب قروض تم تمريرها عبر وسطاء ائتمان من القطاع الخاص، ما يشير إلى أن التشابك بين الجانبين، أعمق مما كان يعتقد، فالنظام المالي أصبح متشابكًا إلى درجة يصعب فيها تحديد مكان بداية الخطر أو نهايته.

شركة Tricolor 

 

تغير في سلوك الإقراض

أحد التطورات اللافتة هو الانتشار المتزايد لما يعرف بـ"الدفع العيني"، أي تأجيل سداد الفوائد عبر إضافتها إلى أصل القرض، وهذا الأسلوب، الذي يستخدم عادة في فترات التباطؤ الاقتصادي، أصبح ظاهرة شائعة في الائتمان الخاص خلال العام الأخير، ما يعكس ضغوطًا مالية حقيقية على المقترضين.

ومن الناحية المحاسبية، تبدو هذه القروض في حالة جيدة، لكن واقعيًا هي مؤجلة الانهيار، إنها طريقة لتأجيل الإفلاس وليس لتفاديه، ومع مرور الوقت تتضخم الفجوة بين القيمة المسجلة للأصول، وقدرتها الفعلية على توليد السيولة.

اقرأ أيضًا:-

بين التفاؤل والحذر، الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يثير انقسامًا في "وول ستريت"

التشابك البنكي والازدواج المالي

ورغم الانتقادات العلنية التي توجهها البنوك الكبرى لهذا النوع من الائتمان، فإنها نفسها من أكبر الممولين له، وتشير البيانات إلى أن مؤسسات مثل جيه بي مورجان، وسيتي جروبن تضخ مئات المليارات سنويًا في تمويل شركات ائتمان خاصة، سواءً عبر خطوط تمويل مباشرة أو من خلال شراء ديون ثانوية.

وهذا التناقض يخلق ما يمكن تسميته بـ"الازدواج المالي"، حيث تعمل البنوك كمراقب وكممول في آن واحد، ما يجعلها عرضة لمخاطر ذاتها التي تحذر منها، والنتيجة هي شبكة مالية معقدة تتقاطع فيها المصالح وتختفي فيها الشفافية، في مشهد يعيد إلى الأذهان، أجواء ما قبل أزمة الرهن العقاري، وإن بصيغة أكثر تطورًا وأقل وضوحًا.

وول ستريت

 

سوق مضغوطة وشفافية مفقودة

في الوقت الذي ما زالت فيه معدلات التعثر ضمن المتوسطات التاريخية، فإن مؤشرات القلق تتصاعد، فالقيمة السوقية لبعض القروض الخاصة بدأت تتراجع في التداولات الثانوية المحدودة، وهناك فروق شاسعة بين تقييمات الجهات المقرضة والمستثمرين، ما يوحي بأن الأسعار المسجلة لا تعكس واقع المخاطر الحقيقي.

إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع حالات الإفلاس الصغيرة والمتوسطة في قطاعات التمويل والسيارات والتجزئة، يشير إلى أن الضغوط بدأت تتسرب من الأطراف إلى المركز.

اقرأ أيضًا:-

وول ستريت تحت المجهر، صعود غير مسبوق وسط مخاوف من فقاعة اقتصادية جديدة

مقارنة تاريخية ومؤشرات مستقبلية

ولاتزال الأوضاع الحالية بعيدة عن الانفجار الكامل، لكنها تشبه كثيرًا المراحل الأولى لأي أزمة مالية كبيرة، حوادث فردية متفرقة، وإنكار مؤسسي، وتوسع في الائتمان وسط تباطؤ اقتصادي محتمل، ويعيش الاقتصاد الأمريكي حاليًا، حالة توازن هش بين وفرة السيولة، وتآكل جودة الديون، ومع انخفاض أسعار الفائدة المتوقع، قد يدفع ذلك المزيد من المستثمرين إلى الدخول في أصول عالية المخاطر بحثًا عن عائد، وهو ما يفاقم الفقاعة الائتمانية.

ما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا أن النظام المصرفي الموازي، لم يعد محصورًا في أطراف السوق، بل أصبح مدمجًا في البنية المالية الأساسية من خلال شراكات، وضمانات متبادلة، وتمويل متقاطع، وأي خلل في أحد الأطراف، قد يمتد بسرعة عبر هذه الشبكة، مهددًا استقرار القطاع المالي بأكمله.

الاقتصاد الأمريكي

 

الأزمة التي تنمو بصمت

ما يجري اليوم في وول ستريت، لا يمكن اعتباره أزمة قائمة، لكنه بالتأكيد يمثل تراكمًا من المؤشرات المقلقة، فكل إفلاس جديد يكشف عن روابط مالية غير متوقعة، وكل خلل صغير في شركة تمويل خاصة، يفتح نافذة على هشاشة أوسع مما يعتقد، أما النظام المالي الأمريكي، فيبدو في حالة ازدهار سطحي، لكنه يحمل في عمقه طبقة من المخاطر المؤجلة، التي تتراكم بعيدًا عن الضوء، ومع اتساع نطاق التمويل الموازي وتداخل مصالحه مع البنوك الكبرى، فإن أي هزة مفاجئة قد تتحول إلى دوامة يصعب احتواؤها.

ولقد تحولت وول ستريت مرة أخرى، إلى مسرح للثقة المفرطة والشفافية المفقودة، حيث تتكدس المخاطر في الظل، بينما يواصل السطح إرسال إشارات استقرار مضللة، وإذا استمرت هذه الديناميكية دون تدخل تنظيمي أو مراجعة هيكلية، فإن تراي كولور، قد تسجل في كتب التاريخ ليس كحادث عرضي، بل كأول صدع واضح في جدار ائتمان بدأ يتشقق فعلًا من الداخل.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search