النائب طارق رضوان يكتب: من فكرة إلى أيقونة عالمية… المتحف المصري الكبير شاهد على عبقرية المصريين
الخميس، 30 أكتوبر 2025 11:13 ص
النائب طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب
طارق رضوان
حين نتحدث عن المتحف المصري الكبير، فإننا لا نتحدث فقط عن صرح معماري أو مشروع ثقافي ضخم، بل عن حلم وطني تجسد على أرض مصر ليحمل للعالم رسالة حضارة تمتد جذورها لآلاف السنين.
ولأنني كنت أحد كوادر هذا المشروع العظيم، أجد من واجبي أن أستعيد تلك التجربة الفريدة التي شكلت جزءًا مهمًا من مسيرتي العملية والوطنية.
بداية الحلم ورؤية المتحف
ولا يمكن أن نذكر بدايات هذا المشروع دون أن نُشير بكل تقدير إلى الدكتور فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، الذي كان صاحب الرؤية والحلم في أن يكون لمصر متحف يليق بعظمة حضارتها ويُجسّد دورها التاريخي في صنع الثقافة الإنسانية.
فقد آمن بأن مصر، بما تمتلكه من كنوز أثرية لا نظير لها، تستحق أن يكون لها متحف عالمي يليق بها أمام العالم، ومن هنا وُلدت الفكرة الأولى للمتحف المصري الكبير، لتتحول من حلم إلى مشروع قومي تتضافر فيه الجهود على مدى سنوات طويلة.
مرحلة التخطيط والرؤية الإستراتيجية
لقد كان لي الشرف أن أعمل منسقًا عامًا للمشروع في مرحلة وضع الرؤية والاستراتيجية الخاصة بالمتحف، وهى مرحلة دقيقة ومفصلية سبقت التنفيذ الفعلي بسنوات.
كنا أمام مسؤولية ضخمة: كيف نُقدّم للعالم متحفًا يليق بعظمة مصر القديمة، وفي الوقت نفسه يكون نموذجًا حديثًا لإدارة التراث والثقافة.
بدأت رحلتنا من دراسة الجدوى الشاملة للمشروع، والتي تناولت الأبعاد الاقتصادية والثقافية والتعليمية والسياحية، واضعين نصب أعيننا أن المتحف لا يجب أن يكون مجرد مكان لعرض الآثار، بل مركزًا عالميًا للتعلم والبحث والتفاعل الحضاري.
المسابقة المعمارية الدولية واختيار التصميم الفائز
ثم انتقلنا إلى مرحلة الإعداد للمسابقة المعمارية الدولية، حيث توليت مع فريق العمل مهمة وضع المعايير الفنية والتنظيمية التي تحكم هذه المسابقة.
كانت معايير دقيقة توازن بين الأصالة والمعاصرة، وتحفّز المبدعين من أنحاء العالم على تقديم أفضل ما لديهم لتصميم هذا الصرح الثقافي.
وبعد طرح المسابقة وتلقي المشاركات، شرفت أن أكون عضوًا في فريق التقييم الذي قام بدراسة المقترحات المعمارية وتحليلها بعناية وفق أسس علمية وفنية دقيقة، إلى أن تم اختيار التصميم الفائز الذي جسّد روح المشروع وطموحه.
بناء الكوادر الوطنية المؤهلة لإدارة الصرح
ولأن أي مشروع عظيم لا يكتمل إلا بعقول وسواعد قادرة على إدارته، توليت أيضًا مهمة وضع الشروط والمعايير الخاصة باختيار وتدريب وتأهيل الكوادر البشرية التي ستتولى إدارة وتشغيل المتحف. كان الهدف هو بناء جيل جديد من المتخصصين القادرين على التعامل مع أحدث النظم الإدارية والتقنية في مجال المتاحف، بما يضمن استدامة هذا الإنجاز لعقود قادمة.
انعكاس المتحف على الحضارة الإنسانية والثقافة العالمية
إن المتحف المصري الكبير لا يمثل فقط إنجازًا مصريًا خالصًا، بل هو إضافة نوعية للحضارة الإنسانية كلها. فهو يفتح أمام العالم نافذة جديدة لفهم التاريخ الإنساني من منظور مصري أصيل، يروي قصة الإنسان المصري منذ فجر الحضارة حتى اليوم.
وبفضل ما يحتويه من كنوز أثرية وعرض متحفي حديث، أصبح المتحف أحد أهم المراكز الثقافية العالمية التي تُعيد تعريف العلاقة بين الماضي والحاضر، وتُسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات.
كما أنه يُعد منصة للبحث العلمي والتبادل الثقافي بين المتخصصين من مختلف دول العالم، ما يجعله نقطة إشعاع حضاري تعزز الدور الريادي لمصر في حماية التراث الإنساني وصناعة الثقافة المعاصرة.
ومن المتوقع أن يتحول المتحف إلى مركز إقليمي للتعاون في مجالات الآثار والترميم والتعليم الثقافي، بما يعيد لمصر مكانتها كمركز حضاري للعالم بأسره.
أثر المتحف على الاقتصاد الوطني والسياحة الثقافية
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن المتحف المصري الكبير يُمثل رافدًا رئيسيًا من روافد تنشيط السياحة المصرية، خاصة السياحة الثقافية ذات القيمة المضافة العالية.
فافتتاح هذا الصرح سيؤدي إلى زيادة عدد الليالي السياحية في القاهرة الكبرى، ويرفع من متوسط الإنفاق للسائح، لا سيما أن زوار المتحف ينتمون إلى فئة نوعية من السائحين الأكثر اهتمامًا بالثقافة والتاريخ، وهم بطبيعتهم أكثر إنفاقًا مقارنةً بسياحة الشواطئ التي تتركز في المدن الساحلية.
كما أن موقع المتحف المتميز بجوار أهرامات الجيزة يُحوّله إلى نقطة جذب سياحي متكاملة، تُسهم في إعادة توزيع الحركة السياحية داخليًا، وتفتح آفاقًا جديدة للاستثمار في قطاعات الفنادق والخدمات والمنتجات الثقافية. وبذلك يصبح المتحف المصري الكبير ليس فقط مشروعًا ثقافيًا، بل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، ومحركًا حقيقيًا لتعظيم العائد من السياحة المصرية.
اليوم، وأنا أتابع المتحف المصري الكبير وهو يوشك على الافتتاح الكامل، أشعر بفخر وامتنان لكل من شارك في هذا الحلم منذ بدايته. لقد كان العمل في هذا المشروع تجربة مهنية وإنسانية فريدة، جمعت بين العلم والإدارة والوطنية، وأسهمت في تقديم نموذج يحتذى به في التخطيط لمشروعات الدولة الكبرى. إن هذا الصرح ليس فقط تتويجًا لجهد جماعي امتد عبر السنين، بل هو شاهد على تلاحم الإرادة المصرية في حماية تراثها وصناعة مستقبلها بثقة وفخر.
Short Url
The Grand Egyptian Museum: Egypt’s Never-Ending Story.. By Dr. Aly El Dakroury
30 أكتوبر 2025 02:49 م
تكنولوجيا الاتصالات وعنف الأطفال والمسئولية المجتمعية
27 أكتوبر 2025 02:18 م
أكثر الكلمات انتشاراً