بين الفحم والطاقة النظيفة، معادلة الصين المتضادة!
الأحد، 19 أكتوبر 2025 01:52 م

93% من مشروعات الفحم العالمية في الصين
ميرنا البكري
تسير الصين في طريق مزدوج يمكن وصفه بـ «مفارقة الطاقة الصينية»؛ إذ تقود العالم نحو التحول للطاقة المتجددة من جهة، بينما تتوسع في مشاريع الفحم من جهة أخرى، في مشهد يبدو متناقضًا ظاهريًا لكنه في جوهره يعكس استراتيجية أمان مدروسة.
فبحسب مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA)، وصلت مشروعات الفحم الجديدة والمعاد تشغيلها في منتصف عام 2024 إلى أعلى مستوى لها منذ عقد كامل، حيث استحوذت الصين بمفردها على 93% من إجمالي المشاريع الجديدة عالميًا، في وقت تباطأت فيه بقية دول العالم عن الاستثمار في هذا القطاع، لتبدو بكين وكأنها تسير عكس الاتجاه العالمي.
الصين بين التحول الأخضر وضمان الإمدادات
تؤكد الحكومة الصينية أن هذا المسار ليس تناقضًا بقدر ما هو «حسابات أمان»، وشبّهت الخبيرة الصينية مو يي يانغ هذا الوضع بطفل يتعلم المشي: قد يتعثر قليلًا لكنه ينهض ليمضي بثبات، فالصين لا ترغب في التخلي السريع عن الفحم قبل التأكد من أن منظومة الطاقة المتجددة أصبحت جاهزة، مستقرة، ومضمونة.
التجربة السابقة كانت قاسية؛ ففي عامي 2021 و2022 واجهت البلاد أزمات طاقة واسعة بسبب خلل في التسعير وزيادة الطلب وضعف الشبكات، إلى جانب عوامل الطقس القاسية، مما تسبب في انقطاعات كهرباء شلت المصانع والمنازل. ومنذ ذلك الوقت، قررت بكين ألا تسمح بتكرار هذا السيناريو.
منطق الاقتصاد، الفحم ما زال مربحًا
من المنظور الاقتصادي، يظل الفحم مصدر طاقة مربحًا وسريع الاستجابة، فالطلب على الكهرباء في الصين ينمو بوتيرة تفوق قدرة مشروعات الطاقة المتجددة على اللحاق به.
كما أن الاعتماد على الطاقة النظيفة ما زال مرتبطًا بالظروف الجوية، فالرياح قد تهدأ والشمس قد تغيب، بينما لا يمكن لمصانع بكين وشنغهاي أن تتوقف عن الإنتاج.
وتبرز كذلك مشكلة البنية التحتية، إذ يصعب نقل الكهرباء المولّدة من مناطق الرياح والشمس في الغرب والشمال إلى المدن الصناعية في الشرق، بسبب ضعف شبكات النقل، مما يجعل الفحم بمثابة «زر الطوارئ السريع» لتوليد الطاقة عند الحاجة.
الصين تربح سباق الطاقة النظيفة
ورغم تمسكها بالفحم كضمان، فإن الصين تقود العالم فعليًا في مجالات التحول الأخضر. فهي لا تبني محطات للطاقة الشمسية والرياح فحسب، بل أصبحت رائدة في السيارات الكهربائية، والطاقة النووية، وأنظمة التخزين الكهربائي.
ووفقًا لتقارير اقتصادية، أسهم قطاع الطاقة النظيفة بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني في عام 2024، كما كان مسؤولًا عن ربع النمو الاقتصادي خلال العام نفسه. أي أن هذا القطاع لم يعد مجرد بديل للطاقة، بل أصبح محركًا اقتصاديًا حقيقيًا يخلق الوظائف ويزيد الصادرات ويضع الصين في صدارة السباق التكنولوجي العالمي.
سياسة الخطوتين، الأمان أولًا ثم التحول الكامل
يعتمد النهج الصيني على ما يمكن تسميته بـ «سياسة الخطوتين»؛ خطوة نحو الاستدامة، وأخرى نحو الأمان، فبدلًا من إلغاء الفحم، تعتبره الصين احتياطيًا استراتيجيًا، حيث تبني محطات جديدة قد لا تعمل الآن، لكنها جاهزة للتشغيل وقت الأزمات، تمامًا كشبكة أمان للطاقة.
وفي الوقت نفسه، تستثمر بكين مليارات الدولارات في تطوير شبكات الكهرباء وتكنولوجيا تخزين الطاقة، لتكون قادرة في المستقبل على التحول السريع والكامل للطاقة المتجددة بمجرد جاهزيتها التقنية.

التحول الذكي، نظام هجين محسوب
تسير الصين اليوم وفق نموذج هجين ومحسوب يجمع بين الاعتماد المتزايد على الطاقة المتجددة والإبقاء على الفحم كخطة طوارئ دائمة، هذا النموذج يضمن أمن الطاقة واستقرار الصناعة، ويمنح الحكومة الوقت الكافي لبناء بنية تحتية قوية ومستقرة.
كل المؤشرات تشير إلى أن التحول الصيني لن يتوقف بل سيتعمق تدريجيًا، فالدولة تخفف انبعاثاتها بخطوات محسوبة دون أن تغامر باستقرارها الكهربائي أو صناعتها الثقيلة.
بين ضرورات الحاضر وسباق المستقبل
بهذا التوازن، تحافظ الصين على استقرار اقتصادها في الحاضر، وتستعد لقيادة العالم في المستقبل. إنها دولة تحرق الفحم اليوم لتتمكن من إطفائه غدًا بثقة، وتثبت أن التحول الأخضر ليس قفزة مفاجئة، بل رحلة واعية بين الأمان والطموح.
اقــرأ أيــضًا:
الصين تحقق طفرة في مجال توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة
صادرات بمليارات الدولارات.. هكذا يواصل الفحم السيطرة على سوق الطاقة العالمي
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
شراكة جديدة بين طلعت مصطفى وقطاع الأعمال في مشروعات سياحية وفنادق تراثية (تفاصيل)
19 أكتوبر 2025 02:17 م
لماذا يفشل الذكاء الاصطناعي في تلبية أوامر المستخدمين؟ "الخبراء يكشفون"
19 أكتوبر 2025 09:15 ص
طفرة عمالية غير مسبوقة، السعودية توفر ربع مليون وظيفة خلال 3 أشهر
18 أكتوبر 2025 11:50 م
أكثر الكلمات انتشاراً