عقوبات تهدد أمن الطاقة في بكين، واشنطن تضرب رئة النفط الصيني
الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025 01:39 م

واشنطن تضرب رئة النفط الصيني
ميرنا البكري
لم يعد الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين مجرد حرب تجارية تقتصر على السلع والتكنولوجيا، بل تحول إلى معركة حول الطاقة نفسها، وتكشف العقوبات الأمريكية الأخيرة، التي استهدفت محطة استيراد نفط رئيسية في الصين هي محطة "ريتشاو شيوهوا"، مدى تحول ملف الطاقة إلى سلاح استراتيجي في التنافس بين القوتين العظميين، وكيف يمكن لخطوة أمريكية واحدة أن تزلزل توازن إمدادات الطاقة في السوق الصيني.

المحطة المستهدفة والعقوبات المعطِّلة
أُضيفت محطة "ريتشاو شيوهوا"، التي تستقبل نحو 9% من واردات النفط الخام الصينية، إلى القائمة السوداء الأمريكية الأسبوع الماضي، ويحمل هذا القرار تداعيات كبيرة، إذ تُعد المحطة بمثابة الرئة الحيوية لضخ البترول الخام إلى مجموعة من أهم المصافي في إقليم "شاندونج"، بما في ذلك مصافٍ تابعة لعملاق الدولة "سينوبك" (Sinopec)، وقد بدأت تداعيات العقوبات بالفعل، حيث أظهر تتبع بيانات "بلومبرج" أن السفن التي تنقل الخام بدأت تتفادى هذا الميناء، مُحولة مسارها إلى موانئ أخرى مثل "كاوفيديان" في إقليم خبي.
مصافي الدولة في مأزق
وتكمن المشكلة الكبرى في أن هذه العقوبات لا تقتصر على التأثير على النفط الإيراني فحسب، بل ستؤدي إلى تعطيل واردات الخام الطبيعي غير الخاضع للعقوبات أيضًا، كون المحطة كانت نقطة استقبال رئيسية لمختلف أنواع الخام، وتشير التقديرات إلى أن معدلات التشغيل في المصافي الحكومية قد تنخفض بنحو 250 ألف برميل يوميًا، وهو رقم مؤثر في سوق حساس كالسوق الصيني. وتُعد مصفاة "لوويانج"، بطاقة 200 ألف برميل يوميًا، الأكثر تضررًا لاعتمادها شبه الكامل على الخام الذي يصل عبر خط أنابيب من "ريتشاو"، وقد يطال الاضطراب أيضًا مصفاتي "يانجتسي" و"جينلينج" المرتبطتين بنفس الميناء.
واشنطن توسّع دائرة الاستهداف.. من "إبريق الشاي" إلى "العمالقة"
شهدت العقوبات الأمريكية تحولًا نوعيًا؛ فبعد أن كانت مركزة سابقًا على ما يُعرف بـ "مصافي إبريق الشاي" (المصافي المستقلة الصغيرة التي تشتري النفط الإيراني الأرخص)، رفعت واشنطن الآن سقف التحدي لتستهدف البنية التحتية الرئيسية لاستيراد النفط. هذا الاستهداف المباشر للمؤسسات الحكومية الكبرى يكشف أن واشنطن لا تسعى لمجرد الضغط على تجارة الصين مع إيران، بل تهدف إلى إضعاف مرونة النظام الطاقوي الصيني وقدرته على الالتفاف على العقوبات.
السوق يتأقلم.. لكن الخسائر واردة
على الرغم من قوة الضربة، يرى محللو "إنرجي أسبكتس" و"فورتيكسا" أن التأثير الكلي سيكون قصير الأمد، بالنظر إلى سرعة تكيف التجار الصينيين الذين بدأوا بالفعل في إعادة توجيه الشحنات نحو موانئ بديلة، ومع ذلك، لن يمر السوق دون تأثر؛ إذ ستزداد التكاليف اللوجستية نتيجة المسافات الجديدة، وستصبح حركة الشحن أبطأ، مما قد يتسبب في اختناقات مؤقتة بالإمداد، وقد تضطر المصافي الحكومية المتعاملة بعقود طويلة الأجل إلى تقليل التشغيل مؤقتًا ريثما تتحسن المسارات البديلة.
من الميناء إلى المخزن.. الصين تخطط سريعًا
عكست التطورات الأخيرة تأثير العقوبات، حيث أفاد تقرير لـ "رويترز" بأن شركة "يونيبيك" اضطرت إلى تحويل مسار إحدى ناقلات النفط العملاقة المتجهة إلى ميناء ريتشاو نحو موانئ بديلة مثل جبو وتشوشان، وتوضح هذه الخطوة كيف بدأت العقوبات في إعادة تشكيل حركة الشحن النفطي داخل الصين. وفي سياق تأمين إمداداتها، سارعت الصين إلى توسيع قدرات التخزين الاستراتيجي، مع خطط لبناء 11 موقع تخزين جديد بين عامي 2025 و2026، ورغم أن تقريرًا صادرًا عن شركة الطاقة الوطنية الصينية (CNPC) أشار إلى أن واردات النفط الخام في 2025 لن تزيد إلا بنسبة 1%، يظل الاعتماد الصيني على الخارج لتأمين أكثر من 70% من استهلاكها النفطي حقيقة قائمة، مما يجعلها حساسة للغاية لأي تغيير في شبكات الشحن، خاصة في ظل التصعيد الأمريكي.
التوازن بين السياسة والطاقة
تؤكد هذه العقوبات أن إدارة ترامب لا تنوي تخفيف الضغط على بكين، لا سيما في ملف التعاون النفطي مع إيراننن وفي المقابل، من المحتمل أن تعزز الصين استيرادها من روسيا أو توسع التعامل عبر "أسطول الظل" الذي ينقل النفط الإيراني بعيدًا عن الرقابة الغربية، هذا الواقع ينذر بمرحلة جديدة من "حرب الظل النفطية"، حيث لا توقف العقوبات التجارة، بل تعيد تشكيل مساراتها وطرقها.
النفط سلاح عالمي
إن العقوبات الأمريكية على "ريتشاو" ليست مجرد عقوبة على شركة صينية، بل هي إشارة قوية من واشنطن بنيتها استخدام سلاح الطاقة لعرقلة حركة الصين من الداخل، وفي المقابل، فإن الصين، التي بنت شبكة نفطية معقدة، لن تستسلم بسهولة وسترد بخطط بديلة تضمن استمرار تدفق النفط بأي ثمن، وفي النهاية، تؤكد هذه المعركة أن النفط لم يعد مجرد سلعة، بل هو سلاح سياسي واقتصادي يتحكم في موازين القوى العالمية.
اقرأ أيضًا:
الصين تحذر أمريكا من تبعات "الرسوم الـ 100%".. تفاصيل
من الرقائق إلى ناقلات الغاز، البحر ساحة الصراع الجديدة بين أمريكا والصين

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء لبالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
انتعاشة منتظرة، كيف يؤثر وقف إطلاق النار في غزة على قناة السويس؟
14 أكتوبر 2025 08:23 م
ثورة في النقل الفاخر بدبي، سيارات طائرة تحلق فوق نخلة جميرا دون طيار محترف
14 أكتوبر 2025 05:43 م
التحول الرقمي في الخدمات المالية، طريق العدالة الاقتصادية للمجتمعات المُهمشة
09 أكتوبر 2025 03:26 م
أكثر الكلمات انتشاراً