السبت، 04 أكتوبر 2025

12:51 ص

بعد الضغوط الأوروبية على روسيا.. هل نشهد عسكرة كاملة لاقتصادها؟

الجمعة، 03 أكتوبر 2025 11:41 م

عسكرة الاقتصاد الروسي

عسكرة الاقتصاد الروسي

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، اتخذ الاقتصاد الروسي، منعطفًا جذريًا من الاعتماد على الطاقة والزراعة والمعادن، إلى التوجه نحو عسكرة الاقتصاد بشكل شبه كامل، وهذه التحولات العميقة، التي يصفها الخبراء بأنها بنيوية لا ظرفية، وضعت روسيا في قلب تجربة فريدة من نوعها، حيث باتت الصناعات الدفاعية قاطرة للنمو، وركيزة للاستقرار السياسي والاقتصادي في آن واحد.

الاقتصاد الروسي

عقوبات غير مسبوقة.. لكنها لم تكسر ظهر الاقتصاد الروسي

تجاوز عدد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، أكثر من 24,387 عقوبة، وهو رقم قياسي في التاريخ الحديث، استهدفت قطاعات مختلفة من الاقتصاد، أبرزها:-

  • سعر صرف الروبل، الذي تعرّض لتقلبات عنيفة أثرت مباشرة على القوة الشرائية للمواطن.
  • سلاسل الإمداد الصناعية، والتي تأثرت نتيجة الاعتماد على التكنولوجيا وقطع الغيار الغربية.
  • القطاع المالي الذي واجه عزلة بنكية وتأمينية خانقة، قلصت إمكانية الوصول إلى التمويل الخارجي.

ومع ذلك، تمكنت موسكو من تطوير آليات مقاومة، بالاستفادة من خبرات بلدان خاضعة لعقوبات مماثلة كإيران وكوريا الشمالية، لتأمين حاجاتها وإعادة هيكلة الاقتصاد بعيدًا عن الأنظمة الغربية.

 

عسكرة الاقتصاد.. خيار تكتيكي أم إستراتيجية طويلة المدى؟

إن توجه روسيا نحو عسكرة الاقتصاد، لا يعد رد فعل لحظي، بل هو خيار إستراتيجي مدروس، يستند إلى رؤية أمنية ترى في الناتو تهديدًا طويل الأمد. 

تصريحات الرئيس بوتين، تؤكد السعي لما أسماه توازنًا دقيقًا بين الإنفاق الدفاعي والاهتمام بالخدمات الاجتماعية، إلا أن الواقع الميداني، يظهر تغولًا واضحًا للصناعات الحربية على حساب القطاعات المدنية.

إفلاس أكثر من 25 ألف شركة غير عسكرية منذ بداية الحرب حتى نهاية 2024، يعكس هذا التآكل التدريجي في التنوع الاقتصادي، ويثير تساؤلات حول القدرة المستقبلية على الحفاظ على توازن مستدام بين النمو العسكري والمدني.

 الصناعات الدفاعية الروسية

 

صعود الصناعات الدفاعية.. القوة المحركة الجديدة للاقتصاد الروسي

الأرقام التي تم كشفها، تعكس طفرة غير مسبوقة في الإنتاج العسكري الروسي:-

  • زيادة 60% في إنتاج الصناعات الحربية خلال عامين فقط (2022 – 2024).
  • إنتاج 2,500 صاروخ كروز شهريًا، و1.5 مليون طائرة مسيّرة سنويًا.
  • تخطيط لإنتاج دبابة كل ثلاث ساعات، ما يفوق قدرة أي دولة من دول الناتو.
  • تخصيص 6% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري.

كل هذه المؤشرات، توضح أن الاقتصاد الروسي دخل مرحلة ما يمكن تسميته بـ"الاقتصاد التعبوي"، أي اقتصاد موجه لخدمة المجهود الحربي، بغض النظر عن تكاليفه المدنية والمالية.

اقرأ أيضًا:-

مناقشات بين أمريكا وأوروبا حول شراء المجر لنفط روسيا

مختبر أوكرانيا.. السلاح الروسي يخضع لاختبار السوق

وتعتبر الحرب في أوكرانيا بالنسبة لروسيا مختبرًا ميدانيًا لاختبار منظوماتها القتالية، ما انعكس مباشرة على ارتفاع صادراتها من الأسلحة، شركة "روس أوبورون إكسبورت" وحدها سجلت عقود تصدير بأكثر من 60 مليار دولار في عام 2025.

وبينما يعاني حلف الناتو من بطء في التصنيع وتشتت صناعاته الدفاعية عبر عدة دول، تمتلك روسيا قاعدة صناعية عسكرية متكاملة داخل حدودها، بفضل وفرة الموارد المحلية، والكوادر المؤهلة، وسرعة اتخاذ القرار، ما يجعلها أكثر مرونة واستجابة في زمن الحرب.

عسكرة الاقتصاد الروسي

 

نحو سيادة صناعية تكنولوجية.. الطموح يصطدم بالواقع

ومع انقطاع الإمدادات التكنولوجية الغربية، بدأت روسيا مشروعًا طموحًا لبناء سيادة صناعية تكنولوجية، خاصة في مجال:-

  • أشباه الموصلات.
  • الإلكترونيات الدقيقة.
  • ماكينات تصنيع الرقائق والمعالجات.

لكن هذه المساعي تواجه تحديات حقيقية، أبرزها نقص اليد العاملة المتخصصة، بسبب تحويل أغلب الكفاءات والطاقات نحو الصناعات العسكرية، ما أدى إلى تباطؤ الإنتاج في القطاعات المدنية الحساسة، مثل الإلكتروميكانيكا والإلكترونيات الاستهلاكية.

اقرأ أيضًا:-

روسيا تتوقع المزيد من القيود على صادرات الوقود

عجز نفطي.. والعين على جيب المواطن

تراجعت عائدات النفط والغاز بنحو 60 مليار دولار بسبب العقوبات الغربية وتذبذب الأسعار، ما خلق فجوة تمويلية كبيرة في الميزانية الروسية، والرد الحكومي جاء في شكل خطط لرفع ضريبة القيمة المضافة، وخفض النفقات العامة، يأتي لتوفير ما يقارب 15.5 مليار دولار، لكن هذه الإجراءات، لن تعالج الفجوة بالكامل، بل قد تزيد من الأعباء على المواطن الروسي، الذي بات يعاني من تراجع في الاستهلاك والأسعار المتصاعدة.

النفط الروسي

 

الاقتصاد الروسي في حالة استنفار إستراتيجي دائم

وتحولت العقيدة الاقتصادية الروسية، من إدارة نمو إلى إدارة مواجهة طويلة الأمد مع الغرب، وتشير تقديرات ملحم إلى أن موسكو، تتهيأ لصراع مزمن مع الناتو، وربما لا تتوقع نهاية قريبة للحرب في أوكرانيا أو لتأثير العقوبات، وهذه المقاربة، تعني أن روسيا ستظل في حالة تعبئة اقتصادية وعسكرية متواصلة، ما يشكل عبئًا على المدى الطويل، لكنه من وجهة نظر القيادة الروسية، الضمان الوحيد للبقاء الجيوسياسي في بيئة عدائية.

 

ضغط اجتماعي متصاعد.. ولكن دون انفجار

ورغم عدم وجود احتجاجات جماهيرية أو شعور بأزمة كارثية، إلا أن تآكل القدرة الشرائية، أصبح ملموسًا لدى المواطن الروسي، فأسعار السلع والخدمات ترتفع، في ظل نمو اقتصادي 4.3% في 2024، لا ينعكس بالضرورة على الحياة اليومية، خاصة مع معدل تضخم بلغ 10.2% في إبريل 2024، أما التوازن الحالي فهش، والإنفاق العسكري ينعش الاقتصاد من جهة، لكنه يضغط على معيشة المواطن من جهة أخرى.

اقرأ أيضًا:-

إرث الحرب العالمية الثانية، الاقتصاد العالمي يدفع ثمن نزاع عمره 80 عامًا؟

مستقبل الصناعات العسكرية.. ورقة رابحة أم رهان محفوف بالمخاطر؟

وتشير مراكز تحليل تجارة السلاح، إلى أن روسيا قد تحقق ما بين 17 إلى 19 مليار دولار سنويًا من صادرات السلاح خلال الأربع سنوات التالية لانتهاء الحرب، لكن الحذر من الوقوع في فخ اقتصاد السلاح، إذ أن الاعتماد على الصناعات الدفاعية، لا ينتج اقتصادًا مستدامًا، بل اقتصادًا حساسًا للتقلبات السياسية والجيوسياسية، وقد يعاني من انكماش حاد إذا ما انتهت الحرب أو تراجعت الطلبيات العسكرية.

اقتصاد روسيا 

 

اقتصاد روسيا على مفترق طرق

وتعيش روسيا لحظة اقتصادية فارقة، فالحرب أطلقت طفرة صناعية عسكرية غير مسبوقة، وأعادت هيكلة الاقتصاد نحو الإنتاج التعبوي والاستقلال الإستراتيجي، لكن هذا المسار لا يخلو من المخاطر:- فالضغط الاجتماعي، وتراجع التنوع الاقتصادي، وتحديات التمويل، وتآكل القطاع المدني.

وفيما يبدو أن موسكو، تراهن على اقتصاد الحرب كأداة بقاء ونفوذ دولي، ويبقى السؤال مفتوحًا:- هل يمكن لهذا النموذج أن يتحول إلى منصة لاستعادة روسيا دورها العالمي؟ أم أنه سيكون طريقًا طويلًا نحو الاستنزاف الداخلي والانغلاق الاقتصادي؟ الإجابة تتوقف على ما إذا كانت الحرب مؤقتة.. أم أصبحت عقيدة دائمة في السياسة الروسية.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search