"الجميع في مرمى النار".. الحرب الباردة الجديدة، لا منتصر بل خاسرون
السبت، 27 سبتمبر 2025 11:17 ص

الحرب العالمية الثانية
في مشهد يعيد للأذهان استعراضات الحرب العالمية الثانية، تتكشف أمامنا ملامح حرب باردة جديدة، لكن هذه المرة بقواعد مختلفة ولاعبين بقدرات متنوعة وطموحات متقاطعة، فالحرب الباردة الثانية، لا تدور حول الأيديولوجيا كما في صراع الرأسمالية والشيوعية خلال القرن العشرين، بل تتمحور حول الجيوبوليتيك، والاقتصاد، والتكنولوجيا، ونفوذ القوة الصلبة والناعمة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.

التحول البنيوي.. من الأيديولوجيا إلى الجغرافيا السياسية
وفي الحرب الباردة الأولى، كان الصراع بين منظومتين أيديولوجيتين، الديمقراطية الليبرالية بقيادة واشنطن، والشيوعية السوفياتية، أما اليوم، فإن طبيعة الصراع تحولت إلى صراع جيوسياسي بين قوة أمريكية، ما زالت تسعى للحفاظ على تفوقها العالمي، وقوى صاعدة مثل الصين، والتي تسعى لتوسيع نفوذها بهدوء عبر الاقتصاد، وروسيا التي تعود إلى واجهة الصراع بالقوة العسكرية.
الصين، وإن كانت شيوعية بالاسم، إلا أن أدواتها رأسمالية بامتياز، لا تروج لنظامها السياسي كبديل عالمي، بل تبني مصالح إستراتيجية تحت مظلة الحزام والطريق، وتقيم تحالفات قائمة على المصالح الاقتصادية أكثر من الالتزام الأيديولوجي.
اقتصاد عالمي مترابط.. لكنه ممزق
في عالم اليوم، ليس من السهل تكرار تجربة إفقار الخصم التي استعملها الغرب لإسقاط الاتحاد السوفياتي، فالصين شريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأرقام تبادل تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، ومن الخطأ الاعتقاد بأن احتواء الصين ممكن، كما كان الحال مع الاتحاد السوفياتي، لأن بكين جزء بنيوي من النظام الاقتصادي العالمي، لا خارجه.
وروسيا أيضًا، رغم العقوبات الغربية القاسية، أظهرت مرونة اقتصادية غير متوقعة، فقد أعادت توجيه صادراتها نحو الشرق، خصوصًا إلى الصين والهند، حيث اعتمدت على أسطول الظل لتسويق نفطها، واستفادت من خبرات إيرانية في التهرب من العقوبات، أما الصين، فقد وجدت في العقوبات، فرصة لتوسيع نفوذها في الطاقة والبنية التحتية الروسية.

الانزلاق نحو الحروب الحارة
ومن أبرز اختلافات الحرب الباردة الجديدة، أن خطوط التماس لم تعد مقتصرة على دول العالم الثالث، بل وصلت إلى أوروبا نفسها، مع الحرب الروسية في أوكرانيا، فالصراع هناك تحول إلى اختبار حي لأشكال جديدة من الحروب، (سيبرانية، واقتصادية، وإعلامية)، وهو في آنٍ واحد حرب بالوكالة بين روسيا والغرب، وجرس إنذار بتحول النظام الأمني الأوروبي إلى ما يشبه سباق بقاء.
والتهديد باستخدام السلاح النووي، عاد ليطغى على الخطاب السياسي، ما يذكرنا بأن السلام الذي دام لعقود لم يكن نتيجة غياب الخطر، بل نتيجة توازن رعب بات اليوم أكثر هشاشة.
اقرأ أيضًا:-
«بريتون وودز» واقتصاد عالمي على أنقاض الركام، كيف فاز الدولار بمعركة لم تطلق فيها رصاصة؟
التكنولوجيا.. الجبهة الثالثة
وربما تكون الجبهة الأكثر حسمًا في الحرب الباردة الجديدة هي الجبهة الرقمية، فالشركات التكنولوجية الصينية، مثل هواوي وبايت دانس أصبحت أدوات إستراتيجية، كما أن أمريكا تدرك أن السيطرة على الذكاء الاصطناعي، وشبكات الاتصالات، والأمن السيبراني، ليست فقط مسألة تنافس اقتصادي، بل أمن قومي، لذلك، نشهد تزايدًا في التفكيك التكنولوجي Tech decoupling، ومحاولات فصل الاقتصاد الرقمي بين الغرب وخصومه.

أمريكا المتعبة والصين المنتظرة
ورغم كل الضجيج الأمريكي حول احتواء الصين، فإن التحدي الأكبر أمام واشنطن هو داخلي، فالانقسامات السياسية، والعجز المالي، والتضخم، واستقطاب المجتمع، كلها عوامل تنهك القوة الأمريكية وتضعف قدرتها على فرض أجندة موحدة خارجيًا.
كما يشير خبراء إلى أن استمرار الصراعات الداخلية، سيجعل من أي مغامرة خارجية عبئًا إضافيًا، وليس فرصة لاستعراض القوة، أما الصين، فهي تراهن على الزمن، فهي لا تستعجل المواجهة المباشرة، كما أنها تدرك أن الانهيار لا يأتي من الخارج بل من الداخل، كما حصل مع الاتحاد السوفياتي.
بينما بكين تمارس صبرًا إستراتيجيًا، حيث تبني نفوذًا بطيئًا لكن عميقًا، بدءًا من إفريقيا وأسيا الوسطى، وصولًا إلى أمريكا اللاتينية.
اقرأ أيضًا:-
أوروبا تحت ركام الحرب، كيف واجهت القارة الممزقة رماد الحرب العالمية الثانية
الكل خاسر في نهاية المطاف
المفارقة الكبرى في الحرب الباردة الجديدة، هي أنها بلا منتصر واضح، وفي ظل العولمة، الخسائر متبادلة، والعقوبات تُضعف روسيا، وفي الوقت ذاته تضرب الاقتصاد الأوروبي، أما المواجهة التكنولوجية فتضر الصين من جهة، وتربك سلاسل الإمداد العالمية من جهة أخرى، والسباق نحو التسلح يستنزف ميزانيات الدول، ولا يضمن التفوق لأي طرف.
كما أن التحدي الأكبر ليس الربح، بل تفادي الانهيار المتبادل، كما قال أحد قادة نادي فالداي الروسي، الهيمنة لم تعد ممكنة، والسعي إليها لم يعد عقلانيًا.

سيناريو الاتحاد السوفياتي من جديد
ولا يمكن تكرار سيناريو إسقاط الاتحاد السوفياتي على الصين، لأن الترابط الاقتصادي يحول العقوبات إلى سلاح مزدوج، والتنافس التكنولوجي هو العامل الحاسم في تحديد موازين القوى، كما أن الاستنزاف الاقتصادي، قد يصيب أمريكا أكثر من خصومها، وذلك بسبب اتساع التزاماتها وديونها، والحرب الباردة الجديدة، تعيد تشكيل النظام العالمي نحو نظام ثلاثي الأبعاد، أمني “تقوده أمريكا”، واقتصادي “متعدد الأقطاب”، ورقمي “قيد التنازع”.
والحرب الباردة الجديدة ليست معركة فاصلة، بل سباق طويل النفس، تتداخل فيه السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا، كما أن المنتصر الحقيقي فيها، لن يكون من يسقط الآخر، بل من ينجح في تجنب السقوط.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الصين تتنازل عن امتيازات الدول النامية.. نضج اقتصادي ومناورة سياسية
27 سبتمبر 2025 01:31 م
من الساعات إلى السيارات، ألياف الكربون مادة خارقة تتفوق على الصلب
25 سبتمبر 2025 02:00 ص
السوشيال ميديا تسرق عقلك، المعركة الخفية على انتباه الأفراد
25 سبتمبر 2025 08:25 ص
أكثر الكلمات انتشاراً