"السبلايز" والمدارس الخاصة والوزير الغائب..
الأحد، 21 سبتمبر 2025 04:07 م

محمد أحمد طنطاوي
"الإمدادات، التجهيزات، التورِيدات، الذخائز، اللوازم، الموارد، المؤن"، هذه أقرب المعاني في القاموس للكلمة الانجليزية "supplies"، التي باتت كل البيوت تعرفها، الريف قبل الحضر، القرية والمدينة، فقد أصبحت "عابرة للطبقات"، وكل أسرة تقدم للمدرسة "السبلايز" التي تطلبها، بعدما صار الأمر استهلاكيًا بامتياز، أدوات ومستلزمات تكلف المصريين مليارات الجنيهات سنويًا، وبضائع رخيصة الثمن، يتم استيرادها من الصين لإغراق السوق، فنصبح أكثر استهلاكًا يومًا بعد الآخر.
فوجئت هذا العام بأن المدرسة التي يتعلم بها أولادي تطلب أدوات وأغراض لم أعهدها من قبل، خاصةً بالنسبة لـ "عمر"، تلميذ لم يعد صغيرًا للدرجة التي يحتاج إلى أشياء من عينة "مناديل حمام" و "مطهرات" و"مناديل مبللة"، جميع هذه الأغراض تتسلمها المدرسة دفعة واحدة، وفي الغالب الأعم يتم وضعها في المخازن لتصبح "مؤن" – أحد المعاني المذكورة في القاموس بالفقرة الأولى- للمدرسة لا الطلاب، وبذلك ينجح هذا المشروع التعليمي المربح في تخفيض تكاليفه الثابتة من جيوب أولياء الأمور!!
لا أعرف لماذا يحمل طفل لم يتجاوز 10 سنوات 5 أقلام "ماركر"، من أجل سبورة المدرسة، فلو افترضنا أن الفصل يضم 25 طالبًا في كل منهم يحمل 5 أقلام، سيكون الناتج 125 قلمًا، وأظن أن هذا رقمًا يكفي 4 فصول لمدة عام دراسي كامل، وذلك دليل واضح أن ولي الأمر أصبح ينفق على المدرسة، ويدفع ثمن التعليم، والمستلزمات، وقريبًا سوف يدفع ثمن الصيانة والإصلاحات وفواتير الكهرباء والمياه.
السبلايز باتت كأنها "توريدات" سنوية – راجع المعنى الموجود عاليًا للكلمة - لكل ما تحتاج إليه، المدرسة، والمغالاة في تقدير هذه المستلزمات باتت سمة لتعليم الجيل الجديد، الذي تصعد فيه فكرة الاستهلاك فقط في بلد فقير، لا تنقصه سوى الصناعة المحلية، والتخلي عن عقدة الخواجة، والسعي والعمل، والتخلص من عقدة الأغنياء والفقراء، ولاد الناس وولاد الغلابة، أصحاب اللكنات الغربية، ومن ينطقون الإنجليزية على طريقة السادات، لذلك بات خطرًا أن تدفع المدرسة طلابها نحو الاستهلاك، وتُجذر ثقافة لا تتماشي مع دولة تشتري أغلب احتياجاتها من الخارج.
بالطبع إدارة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم لا تهتم بكل ماسبق، وكذلك الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، فالرجل يمتلك مدرسة دولية شهيرة، وهم من ابتدعوا قصة "السبلايز"، ولن يصدر توجيهات أو تعليمات تتعارض مع ثقافة يعرفها ويشجعها منذ سنوات طويلة، لذلك أتمنى أن يعي من حوله ويوجهوا له النصح والإرشاد بأن تسليع التعليم أكبر خطر يواجه المجتمع المصري في الوقت الراهن، خاصةً أن هناك فئة غير محدودة باتت غير قادرة على تحمل مصروفات الدراسة، وهذه مسئولية مباشرة للدولة التي تكفل مجانية التعليم الأساسي في دستورها، وتعتبره حقًا للجميع كالماء والهواء.
"السبلايز" أيًا كان معناها أو ما تشير إليه، ليست إلا فصل "دمه تقيل" في حالة التعليم التي لم تعد تسر عدو أو حبيب، فقد تحول الموضوع إلى مبارزة بين الأسر وأولياء الأمور أيهم أحضر أدوات ومهمات ومستلزمات أكثر من الآخر، وقد تحول الأمر إلى جزء من "برستيج" المدرسة، فكلما تطلب أكثر وكلما كانت الفاتورة أعلى كلما جاءتك الزبائن في العام المقبل، خاصةً بعدما أهملنا الجانب العلمي والتربوي في التعليم، وأصبح السائد هو الترفيه، و فكرة التماهي والتقمص مع الآخر، فالمدارس الدولية تقلد شكليًا أنظمة التعليم الغربية دون أن تلتزم بجوهرها، والمدارس اللغات الخاصة تقلد الدولية في منهجية الأفكار والأنشطة ومستوى الرفاهية، ثم تتصل الحلقات شيئًا فشيئًا حتى نصل في النهاية إلى التعليم العام الذي بات غريبًا عن كل ماسبق، لكنه مازال يحافظ على صدارته وقدرته على إفراز أوائل كل الشهادات.
أتفق تمامًا مع الفكرة التي ترى أن التعليم يتوقف دائمًا على إرادة المتعلم، حتى وإن غابت الشكليات، أو تراجع دور الأسرة ماديًا، فهناك الآلاف من أبناء المصريين الفقراء استطاعوا أن يغيروا واقعهم ويُعلموا أنفسهم، ويستفيدوا من الإمكانيات المتاحة، وقد أصبحوا نماذج مرموقة في المجتمع وتقلدوا مناصب مهمة ووظائف فنية مقدرة، لذلك أتمنى أن تخلق وزارة التربية والتعليم حالة من الوعي العام عن مستقبل التعليم في مصر، وأن نتخلى عن الشكليات المحيطة، تخفيفًا عن الطلاب وأولياء الأمور، خاصةً أن الظروف العامة خانقة، والوضع الاقتصادي لا يسمح بأن نتعامل بهذه الثقافة الاستهلاكية الفجة.
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
"بيض بالتقسيط"، كاريكاتير جديد لـ"إيجي إن"
19 سبتمبر 2025 08:15 م
دكتور محمد عسكر يكتب: نتنياهو كفى وهمًا.. هاتفي ليس قطعة من إسرائيل
19 سبتمبر 2025 02:08 م
محمود صالح يكتب: مولانا الملك "أمنمؤوبي".. السوار ساح!!
18 سبتمبر 2025 06:26 م
أكثر الكلمات انتشاراً