الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

10:05 ص

الاقتصاد الأسترالي بين أمجاد الماضي وتحديات الحاضر.. هل تشهد البلاد عصرًا ذهبيًا ثالثًا؟

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025 07:42 ص

الاقتصاد الأسترالي

الاقتصاد الأسترالي

في وقت تبحث فيه كبرى الاقتصادات العالمية عن موطئ قدم في عالم متغير يزداد تعقيدًا، تعيد أستراليا النظر في تاريخها الاقتصادي، متسائلة، هل يمكنها أن تصنع عصرًا ذهبيًا ثالثًا؟ 

الاقتصاد الأسترالي

من دروس الكساد الكبير، مرورًا بثورة الثمانينيات والتسعينيات، إلى تفكير ناضج في مؤتمر حديث احتضنته كانبيرا، تبدو البلاد وكأنها تقف عند مفترق طرق جديد.

من كينز وهيوز إلى الكساد الكبير.. البدايات الصعبة

ترجع جذور التحول الاقتصادي الأسترالي إلى قرن مضى، حينما اصطدم فكر جون مينارد كينز الليبرالي الاقتصادي برؤية بيلي هيوز الصدامية بعد الحرب العالمية الأولى، عارض كينز تشديد العقوبات على ألمانيا، محذرًا من الأثر الاقتصادي الكارثي لذلك وهو تحذير ثبتت صحته لاحقًا.

لكن التحولات الكبرى جاءت في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما واجهت أستراليا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية، وهو الكساد الكبير. 

في تلك المرحلة، ظهرت محاولات جادة للتعامل مع الأزمة من خلال الفكر الاقتصادي والقرارات السياسية، مما شكل أساسًا لأجيال لاحقة.

إصلاحات الثمانينيات والتسعينيات.. عصر التحول الكبير

بحسب أندرو هاوزر، نائب محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي، فإن الفترتين الذهبيتين في تاريخ الاقتصاد الأسترالي هما الثلاثينيات، ثم الثمانينيات والتسعينيات، وقد شهدت الحقبة الأخيرة سلسلة من الإصلاحات التي أعادت هيكلة الاقتصاد من جذوره:

  • تحرير سعر صرف الدولار الأسترالي.
  • السماح بدخول البنوك الأجنبية.
  • إصلاحات ضريبية لتقليص التهرب وجعل الاقتصاد أكثر تنافسية.
  • تقليص الاضطرابات الصناعية باتفاقات مع النقابات.
  • تمهيد الطريق لاستقلالية البنك المركزي.

وقد وصف تقرير الإيكونوميست تلك الفترة بأنها نهضة اقتصادية مدهشة جعلت أستراليا تتفوق على معظم الدول المتقدمة، وتمكنها من تسجيل أطول فترة نمو اقتصادي دون ركود قبل أن تنهيها جائحة كورونا.

الاقتصاد الأسترالي

تحديات الحاضر.. إنتاجية متباطئة وعالم أكثر تقلبًا

لكن في 2025، تجد أستراليا نفسها أمام معضلات مختلفة، فالتباطؤ في الإنتاجية بات أحد أبرز التحديات، إلى جانب عالم تتراجع فيه العولمة وتنكمش فيه حركة رؤوس الأموال والتجارة الحرة.

تساءل هاوزر، هل يمكن للبلاد أن تصنع عصرًا ذهبيًا ثالثًا؟ وهل تستطيع التكيف مع عالم تتحكم فيه الحمائية والقيود الجيوسياسية، بعد عقود من الاعتماد على اقتصاد مفتوح ومتصل بالخارج؟

الاجتماع الأخير في كانبيرا، الذي جمع قادة الأعمال والنقابات ومراكز الأبحاث، هدف إلى وضع خريطة طريق جديدة لكن النتائج، حتى الآن، لا ترقى إلى حجم التحدي.

 

اقرأ أيضًا:

من الدفاع للردع، أستراليا تدخل عصر الغواصات النووية في سباق التسليح الآسيوي

دروس الماضي.. الإصلاحات الجريئة لا تتكرر بسهولة

من المؤكد أن إصلاحات الثمانينيات لم تكن سهلة ولا خالية من المعارضة، فقد كانت هناك مقاومة شديدة من قطاعات عديدة، كما واجه وزير المالية الشهير بول كيتنج نقدًا واسعًا وصل إلى حد المقاطعة الشعبية، مع ظهور لافتات تقول "لا تدع كيتنج يمنعك من الأكل" اعتراضًا على ضرائب جديدة.

لكن هذه القرارات الصعبة كانت ضرورية، فقد سئم صانعو السياسات من التدخل اليومي في أسعار الصرف وتقييد تدفقات رأس المال. 

ومن خلال تعويم العملة، حرر كيتنج الأسواق وأجبرها على مواجهة الواقع بما في ذلك المستثمرين والمضاربين، الذين وجهت مضاربتهم أخيرًا نحو بعضهم البعض، لا نحو الحكومة.

كانت تلك لحظة جريئة من الريادة السياسية، على حد تعبير كيتنج، الذي قال لاحقًا: "إذا حصلت على هذه الوظائف ولم تخاطر، فما جدوى وجودك؟ لا جدوى من أن تكون فأرًا".

أستراليا

التفكير الجديد مطلوب ولكن

رئيسة لجنة الإنتاجية، دانييل وود، عبرت عن خيبة أملها من تراجع أولوية النمو الاقتصادي، وقالت إن هناك حاجة إلى عقلية جديدة تحرك عجلة الإنتاجية والتحديث.

لكن الواقع يقول إن التحدي ليس في الأفكار بل في التنفيذ، والاجتماع الأخير توصل إلى نوايا حسنة وأفكار جيدة، كما قال وزير الخزانة الحالي جيم تشالمرز، لكن تلك الأفكار تحتاج إلى تحويلها إلى سياسات عملية تقنع الناخب الأسترالي المتشكك والمتحفظ بطبعه.

الحنين إلى الماضي جميل، لكنه لا ينتج حلولاً، الإصلاحات اليوم تحتاج إلى ما هو أكثر من الإجماع الفكري، تحتاج إلى شجاعة سياسية، ودعم شعبي، وجرأة في التنفيذ، كما حدث في زمن كيتنج وهوك.

اقرأ أيضًا:

لتعزيز قوتها الدفاعية، أستراليا تستثمر 8 مليارات دولار في حوض بناء الغواصات النووية

البيئة العالمية تغيرت.. فهل أستراليا جاهزة؟

ينبغي ألا نغفل أن الإصلاحات الكبرى التي حدثت في الماضي جرت في مناخ عالمي مهيأ للتغيير في ظل صعود الليبرالية الاقتصادية على يد تاتشر وريجان، وبيئة اقتصادية دولية داعمة.

اليوم، المشهد مختلف، فالعالم يتجه إلى إغلاق الأسواق، وحماية الصناعات، وتقييد العولمة، وهذا يضع تحديًا مضاعفًا أمام أستراليا، فهي بحاجة إلى إصلاحات داخلية، لكن دون الدعم الدولي الذي حظيت به في السابق.

العملة الأسترالية

إلى أين تمضي أستراليا؟

قد لا تحتاج أستراليا إلى ثورة اقتصادية بحجم ما حدث في الثمانينيات، لكنها بحاجة إلى تحريك الكرة إلى الأمام، فالنموذج الذي يستند إلى الاستقرار وحده لم يعد كافيًا. 

والمطلوب اليوم هو نهج ذكي ومتنوع يعيد تفعيل الإنتاجية، ويهيئ البلاد للتعامل مع عالم أكثر اضطرابًا ومنافسة.

على صناع القرار أن يدركوا أن الفرص لن تنتظر طويلاً، وأن العبرة ليست فقط في التاريخ، بل في القدرة على تكييف الدروس مع الحاضر واستشراف المستقبل.

لا جدوى من الحنين.. والمستقبل ليس أسودًا

كما يقول بيلي جويل في أغنيته الشهيرة من حقبة كيتنج: "الأيام الخوالي لم تكن دائمًا جميلة، والغد قد لا يكون بالسوء الذي تظنه".

ربما لا تستطيع أستراليا إعادة إنتاج ثمانينياتها المجيدة، لكنها بالتأكيد قادرة على رسم مسار جديد مختلف، لكنه واعد، وكل ما يتطلبه الأمر هو الإرادة، والواقعية، وبعض من الجرأة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search