تفكك العولمة وولادة الكتل التجارية.. واقع جديد يتطلب استراتيجية عربية ذكية

الثلاثاء، 09 سبتمبر 2025 08:33 ص

العولمة وولادة الكتل التجارية

في العقدين الأخيرين، شهد العالم تحولًا جذريًا في ملامح الاقتصاد الدولي، حيث بدأ نظام العولمة الذي ساد بعد الحرب الباردة يتفكك تدريجيًا، وحلت محله ظاهرة الكتل التجارية الإقليمية.

هذا التحول ليس مجرد تقلب اقتصادي، بل يعكس تحولات جيوسياسية عميقة ناتجة عن صراعات القوة والتوترات بين الدول الكبرى، بجانب صدمات صحية مثل جائحة كورونا وتأثيراتها على سلاسل الإمداد العالمية.

من العولمة إلى الاقتصاد الإقليمي المتعدد الأقطاب

كانت العولمة تمثل لعقود النظام الاقتصادي الطبيعي، حيث كانت حركة السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود بلا قيود تعتبر مفتاح الازدهار العالمي المشترك.

لكن الأحداث الأخيرة مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، و«بريكست»، والعقوبات الاقتصادية على روسيا، كشفت هشاشة هذا النظام، ودفع العالم نحو تكوين تحالفات اقتصادية إقليمية تستهدف حماية المصالح الوطنية وتعزيز النفوذ الجيوسياسي.

الاتحاد الأوروبي بقيادة قوته التجارية، والولايات المتحدة التي تعيد صياغة تحالفاتها عبر اتفاقيات مثل USMCA، إلى جانب الصين وشبكة اتفاقياتها الضخمة مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP، كلها أمثلة على ولادة أقطاب اقتصادية متعددة تتنافس داخل نظام عالمي جديد قائم على الكتل التجارية.

"تكتل بريكس".. كيف يتحول الحلم إلى واقع ثقيل يعيد تشكيل النظام العالمي؟

الكتل التجارية.. ساحة صراع وفرص للدول العربية

تبرز أهمية هذا التحول بالنسبة للدول العربية والخليجية التي تقع جغرافيًا في موقع استراتيجي بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، حيث يمكنها أن تتحول من مجرد نقاط عبور إلى محاور رئيسية في النظام التجاري الجديد.

الإمارات، على سبيل المثال، لم تكتفي بدور الممر التجاري بل أبرمت أكثر من 27 اتفاقية شراكة اقتصادية تستهدف رفع قيمة تجارتها غير النفطية إلى 4 تريليونات درهم بحلول 2031.

السعودية تستثمر بشكل مكثف في موانئ البحر الأحمر والخليج لتكون نقطة محورية في مبادرة الحزام والطريق، وقطر تعزز بنيتها التحتية الجوية والبحرية، فيما تراهن مصر والمغرب على قربهما من أوروبا لتوفير بدائل صناعية تقلل الاعتماد على الصين.

التجارة كسلاح.. السياسة تتداخل مع الاقتصاد

لم تعد التجارة مجرد تبادل سلع وخدمات، بل أصبحت أداة نفوذ وسيطرة في صراعات geopolitics الاقتصادية، توضح العقوبات، والحظر على تقنيات حيوية، والسيطرة على الموارد الاستراتيجية مثل المعادن النادرة، كيف باتت التجارة مسلحة تستخدم لتحقيق أهداف سياسية وأمنية.

هذا الواقع يفرض على الدول العربية موازنة دقيقة بين علاقاتها المختلفة، مع ضرورة تنويع شركائها وبناء قدرات محلية في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة واللوجستيات لتجنب الوقوع في فخ التبعية أو الانحياز لطرف دون آخر.

التكامل الاقتصادي الخليجي.. حين يتحول الحلم إلى بنية تحتية للنفوذ الإقليمي

الاقتصاد العربي في مواجهة الواقع الجديد

تمتلك الدول العربية والخليجية ميزات مالية وجغرافية وديموغرافية مهمة، من ثقل مالي ناتج عن عوائد الطاقة، إلى موقع جغرافي استراتيجي، وقاعدة سكانية شابة تمثل وقود نمو في التجارة الرقمية والخدمات العابرة للحدود.

لكن تحقيق دور فاعل لا يقتصر على مجرد الاستفادة من هذه الميزات، بل يتطلب تعزيز التكامل الإقليمي وتنسيق السياسات.

التعاون بين الدول العربية في مجالات مثل إنشاء ممرات تجارية إقليمية، تطوير مناطق صناعية مشتركة، والتنسيق في المفاوضات التجارية الدولية، يمكن أن يعزز من قوة التفاوض ويقلل من هشاشة الدول المنفردة في وجه الكتل الكبرى.

الطريق إلى المستقبل

لا يمكن تجاهل أن بناء كتلة اقتصادية عربية موحدة هو مشروع طويل ومعقد، لكنه ضروري لتجاوز التحديات الحالية وتحويل المنطقة من مسرح صراعات إلى لاعب مؤثر في الاقتصاد العالمي.

التنسيق الخليجي العربي في مجالات حقوق الملكية الفكرية، والمعايير البيئية، والتجارة، يمكن أن يشكل خطوة أولى على هذا الطريق.

إن تفكك العولمة وولادة الكتل التجارية يشكلان تحديًا وفرصة في آنٍ واحد، الدول العربية، بخبرتها المالية وموقعها الجغرافي وقوتها البشرية الشابة، أمامها فرصة ذهبية لإعادة تموضعها في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، لتنتقل من دور الممر إلى دور المحرك الاقتصادي، شرط أن تدمج استراتيجياتها الوطنية ضمن رؤية إقليمية مشتركة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.