"تكتل بريكس".. كيف يتحول الحلم إلى واقع ثقيل يعيد تشكيل النظام العالمي؟
الأحد، 04 مايو 2025 08:30 م

تكتل بريكس
كتب/ كريم قنديل
منذ تأسيسه عام 2006م، انطلق تجمع بريكس كمبادرة طموحة لدول ناشئة أرادت كسر قبضة القوى التقليدية على مفاصل الاقتصاد والسياسة الدوليين، حيث نما هذا التكتل بهدوء لكن بثقة على مدار ما يقرب من عقدين، مدعومًا بنمو اقتصادي متسارع ورغبة سياسية مشتركة في إعادة تشكيل موازين القوى العالمية.
ومع انضمام مصر والإمارات وإثيوبيا وإيران، لم يعد حلم بريكس مجرد فكرة طموحة، بل تحول إلى واقع ثقيل الوطأة، يفرض نفسه على الساحة الدولية بأرقام ضخمة، وتحركات استراتيجية تتجاوز الاقتصاد إلى الجغرافيا السياسية.

ثقل اقتصادي بحجم قارة
الأهمية الحقيقية لبريكس لا تقف عند حجمها السكاني أو الجغرافي، وإن كان ذلك بحد ذاته ضخمًا، إذ تضم المجموعة نحو 42% من سكان العالم، وتمتد على 40% من مساحته، فالثقل الأكبر يتمثل في القوة الاقتصادية المتصاعدة، والتي باتت تمثل 31% من الاقتصاد العالمي، متفوقة للمرة الأولى على مجموعة السبع التقليدية، والتي طالما احتكرت قيادة الاقتصاد الدولي.
والناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس، بلغ نحو 25,9 تريليون دولار في 2023م، ليقفز إلى 32 تريليون دولار عام 2025م، وهو تطور يحمل دلالات عميقة تتجاوز مجرد الأرقام، ليعبر عن تحولات حقيقية في موازين القوى الاقتصادية العالمية.

ديناميات تجارية واستثمارية متسارعة
وفي موازاة النمو الاقتصادي، شهدت دول بريكس طفرة تجارية لافتة، حيث تضاعفت صادراتها السلعية والخدمية لتصل إلى ربع إجمالي الصادرات العالمية، مقارنةً بنسبة متواضعة لم تتجاوز 6.7% مطلع الألفية الجديدة، والتبادل التجاري البيني، قفز بنسبة 95% بين عامي 2010م و2022م، متجاوزًا 10,5 تريليونات دولار، ما يعزز الترابط الاقتصادي، داخل المجموعة ويقلل من انكشافها على التقلبات العالمية.
أما على صعيد الاستثمار، فقد تحولت دول بريكس إلى، وجهة مفضلة لرؤوس الأموال الأجنبية، حيث ارتفعت تدفقات الاستثمار المباشر أربعة أضعاف بين عامي 2001م و2021م، لتصل إلى 355 مليار دولار، وهو ما يعادل 22% من مجمل الاستثمارات العالمية.
توسع استراتيجي يغير قواعد اللعبة
وجاء الإعلان عن انضمام أربع دول جديدة إلى بريكس في قمة جوهانسبرغ 2023م، فلم تكن خطوة توسعية عابرة، بل جزءً من رؤية استراتيجية طويلة المدى تحت شعار "بريكس بلس"، تهدف إلى تحويل التكتل إلى منصة أوسع تضم قوى إقليمية صاعدة من إفريقيا والشرق الأوسط وأسيا.
فانضمام مصر والإمارات وإثيوبيا وإيران، أضاف إلى المجموعة قوة بشرية وموقعًا جغرافيًا واستراتيجيات اقتصادية جديدة، فضلًا عن نحو 1.5 تريليون دولار للناتج المحلي الجماعي، ما رفع سقف طموحات بريكس، إلى آفاقٍ غير مسبوقة.

قمة قازان، إعلان بداية مرحلة جديدة
وجاءت قمة بريكس+ الـ16 في قازان، لتؤكد أن التجمع عازم على لعب دورٍ أكبرَ في صياغة النظام العالمي الجديد، وخرجت القمة بمبادرات عملية، مثل تأسيس منصة "بريكس كلير" لمعالجة التضخم، وإنشاء بورصة حبوب لدعم الأمن الغذائي، إضافة إلى تعزيز استخدام العملات المحلية، بدلًا من الاعتماد التقليدي على الدولار.
وهذه المبادرات، ليست مجرد طموحات، بل خطوات عملية مدروسة، تهدف إلى بناء بنية مالية جديدة موازية للنظام الغربي السائد، وخلق منظومة قادرة على تقليل مخاطر تقلبات الدولار، والأزمات المالية العالمية.
فرصة ذهبية أمام مصر
بالنسبة لمصر، يشكل الانضمام إلى بريكس، فرصة استراتيجية غير مسبوقة لزيادة انخراطها في التجارة العالمية وجذب الاستثمارات النوعية، فالأسواق العملاقة لدول بريكس، وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل، تفتح أمام الصادرات المصرية آفاقًا رحبة، خصوصًا في قطاعات الأغذية والزراعة والمنتجات الصناعية.
كما تتيح عضوية بريكس لمصر، نافذة لتعزيز أمنها الغذائي والطاقي عبر شراكات مع دول تمتلك موارد ضخمة وخبرات واسعة، والأهم أن عضوية بريكس تمنح مصر، مكانة تفاوضية أفضل في المنتديات الاقتصادية والمالية الدولية، في وقت تزداد فيه المنافسة العالمية على النفوذ والموارد.

آفاقٌ واعدة وتحديات حقيقية
ورغم الفرص الكبيرة، فإن الطريق أمام بريكس ليس مفروشًا بالورود، من غياب الهياكل الإدارية المنظمة، إلى الخلافات بين بعض الأعضاء، مرورًا بالتفاوتات الاقتصادية الضخمة بينهم، حيث تبقى التحديات حاضرة، كما أن التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي، رغم كونه هدفًا مشتركًا، يبدو معركة طويلة وصعبة.
وفي عالم تتغير ملامحه بسرعة، باتت بريكس أكثر من مجرد تجمع اقتصادي، إنها مشروع لنظام عالمي جديد، أكثر تعددية وإنصافًا، إذا استطاعت دول بريكس استثمار الفرص الهائلة أمامها، ومعالجة التحديات بروح التعاون والابتكار، فإن السنوات القادمة قد تشهد بزوغًا قويًا جديدةً، تقود العالم بطريقة مغايرة لما اعتدناه لعقود.
نحو عالم جديد، أم سراب آخر؟
في عالم يتغير بسرعة، لم تعد بريكس مجرد تكتل اقتصادي، بل مشروع لإعادة هندسة النظام الدولي على أسس أكثر تعددية وعدالة، ومع أن الأفق يبدو واعدًا، إلا أن تحقيق الطموحات يتطلب التزامًا حقيقيًا بالتكامل الاقتصادي، وتجاوز الحسابات القُطرية الضيقة، وتطوير آليات عمل مرنة لكنها فعالة.
وحدها السنوات المقبلة، ستحدد ما إذا كان تجمع بريكس، ستنجح في التحول إلى قطب عالمي دائم ومؤثر، أم أنها ستظل مجرد ظاهرة عابرة في تاريخ التحولات الكبرى.
ويبقى السؤال: هل سينجح بريكس في تحويل الحلم إلى واقع دائم، أم سيظل مجرد نمر من ورق؟ الأيام وحدها تحمل الإجابة.
Short Url
شبكات الاتصالات بين الوعود والواقع، هل خذل الجيل الخامس العالم؟
04 مايو 2025 07:12 م
مصر والمغرب، آفاق جديدة للتجارة في الصناعات الغذائية واللوجستية
04 مايو 2025 04:02 م
من التضخم إلى التغير المناخي، استطلاعات عالمية تكشف مخاوف 75% من سكان العالم
04 مايو 2025 03:16 م


أكثر الكلمات انتشاراً