نبوءة «كينز» تعود للحياة، هل يمنحنا الذكاء الاصطناعي وقتًا أكثر وعملاً أقل؟

الإثنين، 01 سبتمبر 2025 08:38 م

هل يحقق الذكاء الاصطناعي نبوءة كينز القديمة؟

قبل نحو قرن من الزمان، وفي قلب أجواء الكساد الكبير عام 1930، كتب الاقتصادي البريطاني الشهير جون مينارد كينز مقالته الشهيرة «الإمكانيات الاقتصادية لأحفادنا».

في هذا النص المؤثر، رسم كينز صورة وردية للمستقبل، قائلاً إن التطور التكنولوجي سيقود إلى طفرة هائلة في الإنتاجية، وبالتالي ستختفي المشكلة الاقتصادية الأساسية المتمثلة في الندرة.

وبحسب توقعاته، فإن البشر سيعملون 15 ساعة أسبوعيًا فقط، وسيتفرغون لبناء حياة أكثر ثراءً بالثقافة والابتكار والرفاهية.

لكن وبعد مرور قرابة مئة عام، ما زالت نبوءة كينز معلقة بين الواقع والطموح، فالتكنولوجيا حققت قفزات لم يكن ليتخيلها، لكن ساعات العمل لم تتراجع بالشكل المتوقع، بل زادت الضغوط وتعقدت أنماط الحياة، فهل يكون الذكاء الاصطناعي هو الأداة التي تعيد فتح الطريق نحو تحقيق حلم كينز المؤجل؟

الذكاء الاصطناعي.. قفزة إنتاجية غير مسبوقة

اليوم يقف العالم أمام ثورة تقنية جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي، ثورة توصف بأنها ربما تعادل في تأثيرها ظهور الكهرباء أو الإنترنت.

فالذكاء الاصطناعي قادر على أتمتة طيف واسع من المهام، بدءًا من تحليل البيانات العملاقة وانتهاءً بابتكار النصوص والصور والتصاميم، هذه القدرات لا تزيد الإنتاجية فحسب، بل تعيد تعريف طبيعة العمل ذاته.

في حال استخدمت هذه الأدوات بحكمة، يمكن للشركات أن تحقق أهدافها بجهد وموارد أقل، ما قد يفتح الباب لتقليص ساعات العمل دون التضحية بالنمو الاقتصادي، وهو ما يتقاطع تمامًا مع رؤية كينز حول انتقال المجتمع من اقتصاد الكدح إلى اقتصاد وقت الفراغ.

معضلة توزيع المكاسب

لكن السؤال الجوهري لا يتعلق فقط بزيادة الإنتاجية، بل بكيفية توزيع مكاسبها، وتظهر التجربة التاريخية أن ثمار التقدم التكنولوجي لم تصل دائمًا إلى الجميع بشكل عادل.

ففي العقود الماضية، أدت الطفرات الإنتاجية إلى تراكم الثروة بيد قلة من الشركات ورجال الأعمال، بينما بقيت الطبقات العاملة تحت ضغط ساعات عمل طويلة وأجور متواضعة.

اليوم، يتكرر المشهد مع الذكاء الاصطناعي، فبينما تضخ الشركات المليارات في هذه التكنولوجيا، يظل الخطر قائمًا بأن يستأثر المستثمرون الكبار بالفوائد، بينما يترك العمال لمواجهة خطر الإحلال أو الركود الوظيفي.

وهنا يظهر البعد السياسي والاجتماعي لنبوءة كينز، هل يمكن للحكومات أن تضع سياسات تعيد توزيع الفوائد وتضمن أن الذكاء الاصطناعي يرفع مستوى رفاهية المجتمع ككل؟

هل سيطر الذكاء الاصطناعي على وول ستريت؟ الثورة القادمة في عالم المال

ثقافة العمل.. العائق الأكبر

إلى جانب التحديات الاقتصادية، هناك بعد ثقافي لا يقل خطورة، فالإنسان المعاصر أصبح مسكونًا بفكرة الاستهلاك اللامحدود والمنافسة الشرسة في سوق العمل.

ما يعرف بثقافة العمل الإضافي أو Hustle Culture رسخت قناعة أن قيمة الفرد تقاس بعدد ساعات عمله لا بجودة حياته.

وهنا يبرز سؤال صعب، حتى لو أتاح الذكاء الاصطناعي فرصة تقليل ساعات العمل، هل سيقبل الأفراد والمجتمعات التخلي عن هذه الثقافة؟ أم أننا سنستمر في مطاردة إنتاج أكبر، واستهلاك أكثر، على حساب التوازن النفسي والاجتماعي؟

بين الوعد والواقع

يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يضع البشرية أمام مفترق طرق، فمن جهة، يمتلك القدرة على تحقيق حلم كينز وتحويل الاقتصاد من نظام قائم على الاستنزاف إلى نموذج يركز على الإبداع والراحة.

ومن جهة أخرى، قد يعمق التفاوتات الطبقية ويزيد ساعات العمل إذا استخدم لتعظيم الأرباح فقط دون إعادة النظر في القيم الاقتصادية والاجتماعية.

جيل الذكاء الاصطناعي يقترب، هل الاقتصاد العالمي جاهز لاستقباله؟

التقنية وحدها لا تكفي

نبوءة كينز لم تكن مجرد توقع اقتصادي، بل كانت رؤية إنسانية تسعى لتحرير البشر من عبء العمل المرهق، والذكاء الاصطناعي يقدم اليوم فرصة ذهبية لإحياء هذه الرؤية.

لكن تحقيقها لن يعتمد على التطور التكنولوجي وحده، بل على قرارات سياسية شجاعة، وسياسات توزيع عادلة، وثقافة اجتماعية قادرة على إعادة تعريف النجاح لا بوصفه عملاً أكثر، بل حياة أرقى وأكثر توازنًا.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.