قوة اقتصادية عظمى بجسد سياسي هش، كيف ضيعت أوروبا فرصتها التاريخية؟
الخميس، 28 أغسطس 2025 11:43 م

صراع بين أوروبا وأمريكا
عندما سقط جدار برلين عام 1989، بدا أن أوروبا أمام لحظة تاريخية لصياغة مستقبلها، انهار الاتحاد السوفيتي، وألمانيا أُعيد توحيدها، فيما كانت الولايات المتحدة منشغلة بالاحتفال بنهاية الحرب الباردة.

لكن ما بدا بدايةً لعصر القوة الأوروبية، تحول مع مرور الزمن إلى عقد من الفرص الضائعة، وبدلاً من الاستثمار في بناء منظومة دفاعية وسياسية مستقلة، اختارت العواصم الأوروبية الاعتماد على المظلة الأمريكية، بينما سمحت للانقسامات الداخلية أن تحد من قدرتها على اتخاذ مواقف موحدة.
اعتماد اقتصادي بلا غطاء سياسي
على مدار العقود الثلاثة الماضية، بنت أوروبا اقتصادًا يعد من الأقوى في العالم، لكنه افتقر إلى عمق سياسي يوازي قوته المالية والتجارية، وفي الوقت الذي كانت فيه بروكسل تفخر بأنها أكبر كتلة اقتصادية، ظل أمنها مرتبطًا بالناتو وواشنطن.
هذه المفارقة جعلت القارة العجوز عملاقًا اقتصاديًا بجسد سياسي هش، وهو ما ظهر جليًا مع بروز روسيا كقوة تهدد الحدود الشرقية، ومع تقلب المزاج السياسي الأمريكي بين رئيس يلتزم بالدفاع عن أوروبا وآخر يهدد بتركها لمصيرها.

ترامب.. شبح العودة يربك الحسابات
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وجدت أوروبا نفسها أمام سيناريو يعيد للأذهان سنوات 2016-2020، ففي تلك الفترة، لم يتردد ترامب في التشكيك بدور الناتو واعتبار الاتحاد الأوروبي منافسًا تجاريًا بدلاً من كونه شريكًا استراتيجيًا.
اليوم، ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، تبدو احتمالية انسحاب واشنطن من التزاماتها الأمنية أكثر إثارة للقلق، فماذا لو قرر ترامب وقف الدعم العسكري لكييف؟ وماذا لو لوح مجددًا باستخدام النفوذ الاقتصادي كسلاح ضد حلفائه؟ تلك الأسئلة لم تعد فرضيات، بل مخاوف عملية تعكس هشاشة البنية الأوروبية.
اقرأ أيضًا:
أوروبا تسلح نفسها.. وترامب يوقظ التنين الصناعي الدفاعي الأوروبي
روسيا.. التهديد المستمر
تزامنًا مع الارتباك الغربي، يواصل بوتين تعزيز نفوذه شرقًا وغربًا، الغزو الروسي لأوكرانيا لم يكن مجرد صراع حدودي، بل رسالة استراتيجية تقول، أن أوروبا غير قادرة على حماية نفسها دون واشنطن.
ورغم العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، فإن موسكو تمكنت من إعادة توجيه تجارتها نحو آسيا وتعميق تحالفاتها مع الصين.
والنتيجة مأساوية، خسارة أوروبا لشريك رئيسي في الطاقة دون أن تمتلك البدائل الكافية، وما زاد من أزمة الطاقة وكشف هشاشة الاعتماد على الآخرين.

أزمة هوية أوروبية
الأزمة الحقيقية لا تكمن فقط في تهديدات ترامب أو هجمات بوتين، بل في غياب رؤية أوروبية موحدة، وتدعو فرنسا لاستقلال استراتيجي، وتتردد ألمانيا في القيادة بسبب إرث الحرب العالمية الثانية، ودول شرق أوروبا ترى أن التهديد الروسي أكبر من أن يواجه وحدها.
هذه الانقسامات تجعل القارة تبدو كائنًا اقتصاديًا ضخمًا، لكنه مشلول سياسيًا، وفي ظل هذه الصورة، يصبح السؤال، هل تستطيع أوروبا أن تتحول من تاجر ثري إلى فاعل جيوسياسي قادر على حماية مصالحه؟
اقرأ أيضًا:
"الناتو وتكاليف التسليح"، سباق تسليحي على حساب الأولويات الاقتصادية
خيارات المستقبل.. التكيف أم الانكماش؟
السنوات القادمة ستحدد مصير القارة، أمامها خياران، إما أن تبقى أسيرة التبعية للولايات المتحدة وتعيش تحت رحمة تقلبات ساكن البيت الأبيض.
أو أن تسلك طريقًا أصعب، لكنه ضروري، وهو بناء قدرة دفاعية واقتصادية مستقلة، تعكس وزنها الحقيقي في النظام الدولي.
الخطوة الأولى تبدأ من الاستثمار في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية، مرورًا بتقليل الاعتماد على الطاقة الخارجية، وصولاً إلى بلورة سياسة خارجية أكثر وضوحًا وجرأة.

أوروبا على مفترق طرق
تبدو أوروبا اليوم وكأنها تعيش نسخة حديثة من الفقاعة السياسية، تتمثل في اقتصاد ضخم، ومؤسسات قوية، لكن دون ضمانات أمنية أو استراتيجية.
ومع استمرار حرب أوكرانيا، سيكون على القادة الأوروبيين الإجابة عن سؤال جوهري، هل يظلون أسرى أخطاء الماضي، أم يستغلون اللحظة لإعادة تعريف دورهم في العالم؟
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
القطاع اللوجستي يصطدم بالتكنولوجيا.. مستودعات الغد بين الأتمتة والواقع العملي
28 أغسطس 2025 11:18 ص
إنفيديا على الحافة.. بين لهيب الحرب التجارية وجنون الذكاء الاصطناعي
28 أغسطس 2025 12:29 ص
تقاطع السياسة مع المال.. خطورة التدخل السياسي في عمل البنوك المركزية
27 أغسطس 2025 10:47 م
أكثر الكلمات انتشاراً