الخميس، 28 أغسطس 2025

10:35 م

الهند وأمريكا ومنطق «الجيوب الحساسة» اقتصاديًا وسياسيًا، من يدفع الفاتورة في زمن العقوبات؟

الخميس، 28 أغسطس 2025 07:21 م

الرئيس الأمريكي ونظيره الهندي

الرئيس الأمريكي ونظيره الهندي

ميرنا البكري

يُعد قرار ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على الهند لـ50%، بعد تعاملها مع النفط الروسي ليس مجرد إجراءً عقابيًا عابرًا، بل تحول يدفع الاقتصاد العالمي تجاه موجة جديدة من تحوّلات التجارة، وإعادة تموضع سلاسل الإمداد، والمفارقة، أنه لا يزال هناك تبادلًا تجاريًا بالمليارات بين أمريكا وأوروبا مع روسيا، مما يجعل السياسة التجارية أقرب لمعادلة «توازن مصالح»، وأن هناك تضييقًا سياسيًا من جانب، واستثناءات واحتياجات قطاعية قاسية من جانب آخر، خاصة في قطاعات (الأسمدة، المعادن النادرة، المواد النووية)، والنتيجة، مزيد من التعقيد في التسعير، وصدمات موضعية في تكاليف الإنتاج، وتنافس أكبر على منافذ بديلة.

Trade war: India-US trade negotiations crucial, says finance ministry;  warns secondary, tertiary effects of tariffs pose challenges - The Times of  India
ترامب يفرض رسوم جمركية على الهند بـ 50%

صورة المشهد بالأرقام، تجارة متراجعة، لكن ليست صفرية

وفقًا للتقرير الصادر من CNN الاقتصادية، تراجعت التجارة بين أمريكا وروسيا بنسبة 90% من بداية الحرب، لكن سجّل حجم واردات الولايات المتحدة من روسيا 3 مليارات دولار في 2024، وأيضًا جاءت واردات الاتحاد الأوروبي بـ 41.9 مليار دولار، وفي باطن هذه الأرقام، هناك «جيوب حساسة» تقاوم الاختفاء:-

الأسمدة:- استوردت أمريكا أسمدة بـ مليار دولار في 2024، وبـ 927 مليون في النصف الأول من 2025، وهذا يشير إلى أن الأمن الغذائي فوق الصراعات، لأن الأسمدة تضرب مباشرةً في صميم إنتاج الغذاء وأسعاره.

بلاديوم:- يدخل في صناعات إلكترونية كثيفة، استوردته الولايات المتحدة بـ 878 مليون دولار في عام 2024،  كما قامت باستيراده في النصف الأول من 2025 بحوالي 594 مليون دولار.

مواد نووية (يورانيوم/بلوتونيوم):- قامت أمريكا باستيرادهما بقيمة 624 مليون دولار في 2024 وبحوالي 755 مليون دولار حتى الآن في 2025.

أوروبيًا، خفّض الحظر على صادرات النفط الروسي (من 16.4 مليار في الربع الأول 2021 لـ 1.72 مليار في الربع الأول 2025)، لكن ارتفعت قيمة واردات الغاز في السنوات الأخيرة بفعل الأسعار العالمية، حيث سجلت 5.23 مليار دولار في الربع الأول 2025). 

أيضًا، لا يزال يتدفق الحديد والصلب، لكن بنصف مستوى 2021 تقريبًا، وواردات الأسمدة تقف صامدة (حوالي 640 مليون في الربع الأول 2025) وأيضًا النيكل بـ300 مليون دولار، وكلها مواد مكونة في سلاسل صناعية أوروبية حساسة.

 

الرسوم على الهند، من يتكفل بالفاتورة؟

رفع الرسوم على الهند لـ50% يضع ثلاث احتمالات لسلوك السوق الأمريكية:-

1.تمرير التكلفة للمستهلك، عن طريق رفع الأسعار في قطاعات تعتمد على واردات من الهند كالمكونات الدوائية، الكيماويات، النسيج والملابس، بالإضافة إلى بعض الإلكترونيات الخفيفة، مما قد يرفع مؤشرات الأسعار الأساسية على الهامش.

2. امتصاص التكلفة من الموردين، أي أن هوامش ربح الشركات الهندية تتآكل مؤقتًا للحفاظ على الحصة السوقية، لكن من الصعب أن يكتمل هذا الأمر إذا استمرت الرسوم، وبالتالي سيؤدي لإعادة تسعير عقود أو نقل إنتاج.

3) تحويل التجارة، فقد يتم إحلال موردين بدائل (المكسيك، فيتنام، دول أمريكا اللاتينية)، أو تحويل مسارات عبر دول وسيطة بعمليات «قيمة مضافة خفيفة» لتغيير المنشأ الجمركي، مما يطول سلاسل الإمداد ويزود تكاليف لوجستية.

اقتصاديًا، سيتم توزيع «حمل الضريبة» بين الشركات الهندية والمستورد الأمريكي والمستهلك النهائي، حسب مرونة الطلب وبدائل الإمداد في كل صناعة، والقطاعات الأكثر عرضة لزيادة الأسعار هي التي بها بدائل محدودة أو اعتماد مرتفع على مدخلات هندية بعينها.

India and US making progress towards trade deal, officials say | Reuters
الرسوم على الهند، من يتكفل بالفاتورة؟

تناقض ظاهري، لكنه منطقي اقتصاديًا

السؤال هنا، ما السبب خلف استمرار أمريكا وأوروبا، في التجارة مع روسيا (بقدر محدود) رغم العقوبات؟ فالإجابة تكمن في الحد الأدنى الحيوي لسلاسل الإمداد، فالأسمدة تعني أمن غذائي، كما يُعد البلاديوم والنيكل سلاسل إلكترونيات وصناعة نقل وانتقال طاقة، واليورانيوم أمن طاقة نووي.

وتضيف الرسوم على الهند طبقة جديدة من التعقيد، لكن لا تلغي واقعًا يفيد بأن هناك سلعًا إذا انقطعت فجأة، ستخلق صدمة أسعار، أكبر من المكاسب السياسية قصيرة الأجل.

 

تأثير العدوى عبر القنوات، من الطاقة للصناعة

ستستمر الهند في اقتناص خصومات النفط الروسي (سبريد «يورالز–برنت»)، وإذا استمرت الرسوم الأمريكية على الهند، قد تتجه الهند لزيادة التركيز على أسواق آسيا وإفريقيا، كما قد تتجه لتعميق تسوية تجارة الطاقة بعملات غير الدولار، مما يسرع  اتجاه «تدوير» منظومة المدفوعات (Diversification) دون إلغاء هيمنة الدولار.

ستعيد الشركات الأمريكية تقييم سلاسل التوريد، فقد تنقل مكونات التصنيع لبلدان «شريكة» قريبة مثل المكسيك، مما يدعم المكسيك كمنصة تجميع وإعادة تصدير، لكن يرفع تكاليف قصيرة الأجل.

كما أن أي تضييق إضافي على روسيا سيضغط على التوافر العالمي للبلاديوم والنيكل، وهناك بدائل جزئية موجودة كـ(جنوب إفريقيا / كندا / إندونيسيا)، لكن قدرات الطاقة التكريرية، وزمن التأهيل بها، ليس فوريين.

 

مخاطر «التهريب المشروع»، إعادة التغليف وتغيير المنشأ

مع اتساع الفجوات السعرية، يزداد إغراء مسارات الإلتفاف القانونية، بمعنى آخر، شحنات تمر عبر دولة وسيطة، يُضاف لها تصنيع بسيط، ثم يتم تغيير قواعد المنشأ، فتدخل بأسعار وتعريفات مختلفة، وهذه ليست «ثغرة» فقط، بل ديناميكية سوق، طالما الفوارق السعرية واسعة والطلب الأمريكي والأوروبي قوي، ونتيجة ذلك:-

1.ارتفاع تكاليف الامتثال والتتبع (Traceability) على الشركات الأمريكية.

2.زيادة الطلب على حلول رقمنة سلاسل الإمداد (سجلات جمركية ذكية، تتبع مصدر المواد).

3.تسعير «علاوة مخاطر» على العقود طويلة الأجل.

 

توقعات وسيناريوهات (12 لـ 24 شهرًا)

 

السيناريو المرجح

1.استمرار الرسوم على الهند لفترة ممتدة مع استثناءات قطاعية انتقائية.

2.تزايد تحويل التجارة نحو المكسيك وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا

3.تضخم سلعي طفيف في أمريكا بقطاعات محددة (دوائي / كيماوي / ملابس).

4.تواصل أوروبا خفض انكشافها المباشر على الطاقة الروسية، مع بقاء «جيوب واردات» في الأسمدة والمعادن.

 

السيناريو الأكثر تشائمًا

1.قد تتوسع نطاق الرسوم والعقوبات لتشمل مزيد من السلع أو تشديد قواعد المنشأ.

2.قفزات سعرية في المعادن والمدخلات محدودة البدائل، وتأخر طفيف في جداول إنتاج صناعات كثيفة المكونات.

3.توسع أكبر في مقايضات الطاقة.

 

السيناريو المتفائل

قد تحدث تفاهمات فنية أمريكية هندية على قوائم سلع وحصص استثناء مقابل التزامات توريد، وشفافية أكبر في مسارات النفط، ومن الممكن أن تتراجع الضغوط السعرية محليًا، وبالتالي، استقرار هوامش الشركات الأمريكية في القطاعات المعنية.

 

اقرأ أيضًا:-

انخفاض واردات الهند من النفط الروسي لـ 24.5% خلال يوليو الماضي

Cyprus Shipping News
النفط الروسي

ماذا يعني ذلك للهند وأمريكا وأوروبا؟

تمتلك الهند أدوات مناورة، من سوق داخلية ضخمة، ووصول تفضيلي لآسيا وإفريقيا، وقدرة على إعادة توجيه الصادرات، لكن ستدفعها  الرسوم لتعميق «تنويع العملات» ورفع المحتوى المحلي في سلاسلها، لتقليل حساسية الرسوم.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، قد يتحمل اقتصادها تكلفة امتثال أعلى وتعديلات في سلاسل الإمداد، والمكسب المحتمل تسريع «Friend-Shoring» داخل الأمريكتين، وتوطين جزئي لبعض المكونات.

تستمر أوروبا في الفصل التدريجي عن الطاقة الروسية، مع حفاظها على واردات حرجة (أسمدة / نيكل)، والمخاطر لديها أن أي تشدد أمريكي إضافي سيخلق تزاحم عالمي على البدائل، ويرفع فواتير استيرادها الصناعي.

 

دلالات على الأسعار والتضخم

يُعد بقاء التدفقات الروسية من الأسمدة لأمريكا وأوروبا، لتقليل لخطر قفزات أسعار الغذاء، لكن أي تشدد مفاجئ يتم ترجمته سريعًا في أسعار الغذاء بعد موسم أو اثنين.

قد تظل  خصومات «يورالز» للهند وآسيا قائمة، مما يحسن ميزان مدفوعات الهند، لكن يُزيد البُعد السياسي في التسعير العالمي.

ختامًا، الرسوم التي فرضها ترامب على الهند ليست مجرد عقابًا لحظيًا، بل خطوة تؤثر تأثير كبير على التجارة العالمية، ويُتوقع أن ترد الهند بذكاء، وتزود دعمها مع آسيا وإفريقيا، كما ستفكر في تقليل اعتمادها على الدولار، وتسعى لزيادة تصنيعها المحلي لكي تحمي نفسها من أي ضغوط مقبلة.

وفي المقابل، قد تدفع أمريكا نفسها ثمن أغلى في سلاسل التوريد، سواء من حيث الأسعار أو تعقيد العمليات، لكن في نفس الوقت، تحاول دفع الإنتاج تجاه دول قريبة كالمكسيك.

كما تحاول أوروبا تقليل تعاملها مع روسيا دون القطع الكامل، لأن هناك منتجات حساسة مثل الأسمدة والنيكل لا يوجد لها بدائل قوية.

أي، القادم ليس قطع علاقات مباشرة، لكن إعادة توزيع كبيرة، ولعبة شد وجذب بين السياسة والمصالح التجارية.

اقرأ أيضًا:-

المفترس الأكبر، كيف أعادت واشنطن رسم خريطة التجارة العالمية؟

Fertilizers in 2024: Africa's top business ideas and opportunities
الأسمدة

تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
 

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، وبالاضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search