المفترس الأكبر، كيف أعادت واشنطن رسم خريطة التجارة العالمية؟
السبت، 02 أغسطس 2025 11:38 ص

رسوم ترامب الجمركية
منذ عقود، لطالما تم النظر إلى الولايات المتحدة على أنها الشريك التجاري الأضخم، حيث يمثل السوق الأمريكي أكبر وجهة استهلاكية في العالم، والدخول إليه كان بمثابة جائزة كبرى تسعى إليها الدول الطامحة للنمو.

غير أن هذا الحلم تحول في عهد الرئيس ترامب إلى كابوس اقتصادي للكثير من الشركاء التجاريين، ومع انتهاج واشنطن سياسة خارجية تجارية عدائية قائمة على مبدأ “أمريكا أولاً”، لتتحول إلى ما يمكن وصفه “المفترس الأعلى” في سلاسل التجارة العالمية.
الولايات المتحدة في قمة الهرم التجاري
بسطت الولايات المتحدة قوتها الاقتصادية الهائلة بطريقة شبيهة بالكائنات المفترسة في قمة السلسلة الغذائية، تفرض شروطها القاسية وتنتزع التنازلات، لا عبر الإقناع وإنما بالضغط والمواجهة، بل تحولت الرسوم الجمركية من أداة حمائية إلى عصا دبلوماسية، تُرفع في وجه كل من يتردد أو يحاول المناورة.
وبينما تسعى بقية دول العالم لتوقيع اتفاقات تسهل حركة التجارة، كانت واشنطن تقلب الموازين بفرض رسوم تصل إلى 15-20%، حتى على أقرب حلفائها مثل اليابان والاتحاد الأوروبي، بل وصل الأمر إلى فرض رسوم تصل إلى 41% على دول مختلفة، ما أجبرهم أحيانًا على الرضوخ بمرارة، من أجل تفادي الأسوأ.
المثير في المشهد أن هذه الاستراتيجية لا تهدف بالضرورة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة بقدر ما تستهدف أداءً سياسيًا استعراضيًا، وأن ترامب لا يسعى فقط إلى تحسين الميزان التجاري، بل إلى إظهار الهيمنة، والسيطرة، وتأكيد أن واشنطن هي من تضع قواعد اللعبة.

خسائر مؤكدة.. ومكاسب شكلية
رغم محاولات بعض الدول تسويق الاتفاقات التجارية مع أمريكا على أنها إنجازات، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فيتنام، التي تحولت إلى مركز صناعي عالمي خلال السنوات الماضية، قد تخسر ثلث صادراتها إلى السوق الأمريكي.
بينما الفلبين، من جهتها، لم تحصل على إعفاءات تذكر، بل فرضت عليها رسوم تقارب ما سبق تهديدها به، أما الاتحاد الأوروبي، فقد اضطر لقبول نسبة 15% كأفضل الممكن، رغم تعهده السابق بعدم الخضوع.
هذه الاتفاقات لا تحمي من التبعات، بل تكرس نمطًا من الخضوع الممنهج لمنطق القوة، كما تأمل الدول التي استجابت للضغوط الأمريكية في تحسين الشروط بعد نهاية ولاية ترامب، لكنها في الوقت الحالي مجبرة على دفع ما يشبه الإتاوات التجارية للبقاء ضمن اللعبة.
اقرأ أيضًا:
ترامب يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية، ورسوم جمركية جديدة تهز الأسواق وتربك الحلفاء
لعبة التوازن الصعب.. الربح مقابل الكرامة
الأسوأ من الأثر الاقتصادي هو ما يمكن تسميته بـ"الإذلال السيادي"، فالدول، لا سيما في جنوب شرق آسيا، لم تُمنح فقط شروطًا مجحفة، بل تم جرها إلى مسرح سياسي تعطى فيه الولايات المتحدة الحق في الانتصار العلني، بينما يُطلب من القادة الآخرين تقديم الولاء والخضوع تحت الأضواء.
الفلبين، على سبيل المثال، لم تُمنح سوى مكاسب شكلية، لكنها سارعت إلى استعراض العلاقات التاريخية مع واشنطن لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار.
أما الهند وكوريا الجنوبية، فهما على وشك دخول ذات المتاهة، وسط محاولات متواضعة لتضمين ملفات أخرى كالطاقة أو الصناعات العسكرية ضمن الاتفاقات، لتقليل الخسائر المعنوية والمادية.

لماذا ترضخ الدول؟ وماذا بعد؟
الإجابة باختصار، لأن لا بديل عن السوق الأمريكية، فالوصول إلى المستهلك الأمريكي يعد ضمانة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل تباطؤ الطلب العالمي، والدول تعرف تمامًا أن التكاليف باهظة، لكن الخروج من السوق الأمريكي أغلى بكثير.
رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لترامب، ستيفن ميران، لخص هذه الرؤية عندما قال: "الدول لا تملك خيارًا سوى البيع إلى الولايات المتحدة، وهي مستعدة لدفع ثمن مرتفع للحفاظ على ذلك".
اقرأ أيضًا:
الرسوم الجمركية تهز الأسواق، تراجع حاد في عوائد السندات الأمريكية
الصين.. حالة خاصة ومواجهة أكبر
ربما كانت معظم الدول الصغيرة مجبرة على الإذعان، لكن الصين قصة مختلفة، فالمحادثات معها تجري على وقع مواجهة عالمية لا تشبه أي صراع تجاري آخر.
الصين ليست فقط اقتصادًا ضخمًا، بل مشروعًا موازيًا للهيمنة، ولها ثقل تجاري وعلاقات تجارية تغطي العالم بأثره، لذا فإن مفاوضاتها مع الولايات المتحدة تشبه رقعة شطرنج يمكن أن تحدد مستقبل التجارة العالمية لعقود مقبلة.
الرئيس الصيني شي جين بينغ يدرك أن الصمود في وجه الولايات المتحدة لم يعد خيارًا رمزيًا، بل ضرورة استراتيجية، فالمعركة باتت تتعلق بالقدرة على إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، وليس فقط الدفاع عن نقاط جمركية، والصين قادرة على فعل ذلك.

هل نحن أمام نظام تجاري عالمي جديد؟
تعيد الولايات المتحدة صياغة القواعد، لا من خلال المؤسسات الدولية أو عبر التحالفات، بل بالقوة الصريحة والتهديدات، وهو ما يثير تساؤلات عميقة: هل انتهى عهد العولمة التعاونية؟ هل تحولت التجارة إلى أداة جيوسياسية خالصة؟ وهل يمكن للدول الصغيرة أن تعيد ترتيب أوراقها في ظل هذا الاضطراب؟
الواقع يقول أن واشنطن تريد أن تكون الذئب في عالم مليء بالخراف التجارية، ومن لم يستطيع الرفض عليه أن يتعلم فن التفاوض تحت التهديد، ووسط ساحة عالمية عبثية، من يدري؟ لعل القادم أصعب.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الفيدرالي مقابل البنك الأوروبي، صراع الفوائد يغير خريطة التمويل العالمي
03 أغسطس 2025 04:41 م
15 مليار دولار، مصر تتصدر شمال أفريقيا بعائدات سياحية قياسية في النصف الأول من 2025
03 أغسطس 2025 03:21 م
«الطريق إلى بكين»، إفريقيا تفر من رسوم ترامب إلى الصين
03 أغسطس 2025 02:51 م
أكثر الكلمات انتشاراً