الخميس، 28 أغسطس 2025

12:17 م

تقاطع السياسة مع المال.. خطورة التدخل السياسي في عمل البنوك المركزية

الأربعاء، 27 أغسطس 2025 10:47 م

تقاطع السياسة مع المال

تقاطع السياسة مع المال

تاريخيًا، نشأت فكرة استقلالية البنوك المركزية كوسيلة لفصل صنع القرار النقدي عن الحسابات السياسية قصيرة الأجل، والهدف كان ضمان أن تبقى الأولوية دائمًا لمكافحة التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار، حتى لو جاءت هذه السياسات على حساب شعبية الحكومات أو فرص إعادة انتخابها. 

الاحتياطي الفيدرالي

ولهذا السبب ينظر الاقتصاديون إلى استقلالية السلطات النقدية باعتبارها أحد أهم الضمانات لبناء الثقة في الأسواق، سواء من جانب المستثمرين المحليين أو الأجانب.

الخطر الكامن في الضغوط السياسية

عندما تتدخل السياسة في عمل البنوك المركزية، تتحول السياسة النقدية من أداة مهنية تعتمد على البيانات الاقتصادية إلى أداة انتخابية تخدم مصالح آنية. 

يميل السياسيون عادةً إلى الضغط لخفض أسعار الفائدة أو زيادة السيولة قبيل الانتخابات، بهدف تحفيز النمو السريع وإنعاش الإنفاق. 

لكن هذه المكاسب غالبًا ما تكون قصيرة الأمد، وسرعان ما تنقلب إلى تضخم مرتفع، وضعف في العملة، وهروب لرؤوس الأموال، والنتيجة أن الاقتصاد يدفع ثمنًا باهظًا لقرارات اتخذت تحت ضغط سياسي.

ترامب والاحتياطي الفيدرالي.. صدام متجدد

الجدل الراهن في الولايات المتحدة يعكس هذه المعضلة بوضوح، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يخفي امتعاضه من سياسات الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه جيروم باول، إذ وصفه في أكثر من مناسبة بأنه "أحمق" لرفضه خفض أسعار الفائدة. 

ومع إقالة عضوة المجلس ليزا كوك مؤخرًا، بدا أن التدخل السياسي تجاوز مرحلة التصريحات إلى محاولة التأثير المباشر في تركيبة الفيدرالي، وهو ما أثار عاصفة من القلق في الأسواق المالية وفتح الباب أمام معارك قانونية غير مسبوقة.

تحذيرات دولية من فقدان المصداقية

الأصوات المحذرة لم تتأخر، رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد شددت على أن تقويض استقلالية البنوك المركزية يعني فقدان فعاليتها وتحويلها إلى مؤسسات عاجزة عن أداء دورها. 

وحذرت من أن التدخل السياسي يقود حتمًا إلى الاضطراب، إن لم يكن أسوأ، معتبرة أن أي نقاش حول تقليص استقلالية الفيدرالي يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

 

اقرأ أيضًا:

الجميع يترقب باول في جاكسون هول، الوقفة الأخيرة على حافة التوترات النقدية

دروس من التاريخ

التجارب السابقة تؤكد خطورة تسييس السياسات النقدية، وفي السبعينيات، تعرض رئيس الفيدرالي آرثر بيرنز لضغوط من الرئيس ريتشارد نيكسون للإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة قبيل انتخابات 1972، وهو ما أدى إلى انفجار التضخم لاحقًا وأدخل الاقتصاد الأمريكي في أزمة حادة. 

على العكس، عندما أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ووزير ماليته جوردون براون عام 1997 استقلال بنك إنجلترا، اعتبر ذلك خطوة عززت مصداقية الاقتصاد البريطاني ورسخت ثقة المستثمرين.

ترامب وليزا كوك

ارتباك الأسواق وتكلفة التدخل

التدخل السياسي لا يقتصر أثره على القرارات النقدية فحسب، بل ينعكس على ثقة الأسواق بأكملها، أي إشارة إلى أن البنك المركزي يخضع لإملاءات سياسية تؤدي عادةً إلى ارتفاع عوائد السندات، وتراجع قيمة العملة المحلية، وخروج محتمل لرؤوس الأموال. 

كما ترتفع تكلفة الاقتراض للشركات والأفراد، ما يضغط على معدلات النمو، والأخطر أن هذه التداعيات تغذي حلقة من عدم اليقين تجعل الاستثمارات طويلة الأجل أكثر هشاشة.

اقرأ أيضًا:

بين توقعات المستثمرين وخفض أسعار الفائدة، «باول» يستعد لإلقاء خطابه الأخير في جاكسون هول

بين الاستقلال والمساءلة

الجدل لا ينفي أن البنوك المركزية يجب أن تخضع للمساءلة أمام المؤسسات المنتخبة، لكنها مساءلة تتعلق بالشفافية والإفصاح، لا بتوجيه القرارات اليومية. 

فاستقلالية البنوك لا تعني الانفصال عن الرقابة الديمقراطية، بل تعني حمايتها من الانحراف نحو سياسات قصيرة الأمد قد تضر بالاقتصاد على المدى الطويل، والتوازن هنا دقيق، يتمثل في بنك مركزي مستقل، لكنه في الوقت ذاته مسؤول أمام البرلمان أو الكونجرس.

الاستقرار على المحك

الاستقرار على المحك

التدخل السياسي في عمل البنوك المركزية لا يهدد فقط مصداقيتها، بل يضع استقرار الاقتصاد الكلي على المحك، وإذا استمرت محاولات الضغط السياسي، كما يحدث الآن في الولايات المتحدة، فإن العواقب قد تتجاوز حدود التضخم وأسعار الفائدة لتشمل اهتزاز الثقة الدولية في النظام المالي الأمريكي، بما يحمله ذلك من تداعيات على مكانة الدولار والاقتصاد العالمي.

إن استقلالية البنوك المركزية لم تصمم لتكون رفاهية مؤسسية، بل صمام أمان ضد الأزمات، وأي مساس بها قد يفتح الباب أمام فوضى مالية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search