دكتورة هدى صلاح تكتب: التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الثقافية
الخميس، 21 أغسطس 2025 01:52 م

الدكتورة هدى صلاح
د/ هدى صلاح
تقع المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات بشكل عام على عاتق الإدارة بالدرجة الأولى، كونها تؤمن إيماناً تاماً بأهمية إدماج المؤسسة في المجتمع، والتي تعد صورة لتسويق خدماتهم ومنتجاتهم داخل الكيان المجتمعي، إلى أن أصبحت برامج المسؤولية الاجتماعية من ضمن الخطط الاستراتيجية، حيث يرى خبراء هذا المجال أن المسؤولية الاجتماعية ليست سوى التزام منظمات الأعمال تجاه المجتمع الذي تعمل فيه، ويتجسد ذلك من خلال المساهمة في مجموعة واسعة من الأنشطة الاجتماعية مثل مكافحة الفقر، تحسين جودة الخدمات، الحد من التلوث، توفير فرص العمل، وحل مشكلات الإسكان والمواصلات وغيرها.
ويمكننا القول بأن الاستثمار والعمل من خلال رؤية المسؤولية الاجتماعية؛ وفق نهج اجتماعي محدد يقوم على أساس قيم ومبادئ ذات قيمة أخلاقية عالية؛ والذي يهدف بدوره إلى المشاركة في إحداث تغييرات حقيقية ترتقي بالمجتمع نحو الأفضل اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا، وهذه هى نقطة الالتقاء مع التنمية المستدامة التي تستند بالأساس على الفرد الصالح، الذي يحمل بداخله مجموعة من القيم والمبادئ التي تساعده على التغلب على المشكلات التي تعتريه في حياته؛ بما يكفل حياة جيدة وصالحة لا يوجد بها خطر الفقر، والجهل، والمرض له وللأجيال القادمة، ومما لا شك فيه أن التنمية المُستدامة تقوم على دعامة أساسية، وهى حق الإنسان في المعيشة في بيئة صحية وسليمة من ناحية، والمحافظة على صحة الإنسان من ناحية أخرى، والتي تتفق كلياً مع رؤية ومضامين التنمية المستدامة.
ومنذ عام 2016 دعا الميثاق العالمي للأمم المتحدة المؤسسات إلى الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية باعتبارها حلاً للتحديات المجتمعية، وذلك عبر الابتكار في ريادة الأعمال والإسهام المباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد تجسد ذلك في عدة مبادرات بارزة، منها: المشاركة في تعليم أسس الإدارة وقد وقع عليها أكثر من 20 مؤسسة وشركة، إدماج الاستدامة والمسؤولية الإدارية في المناهج والبحوث، وقد وقعت أكثر من 600 مؤسسة من 80 دولة على مستوى العالم، تدريب القادة والمدراء على ممارسات المسؤولية المستدامة والتي تتوافق مع أصحاب المصالح وكذا الاحتياجات المجتمعية على حدٍ سواء، وذلك عن طريق البرامج التدريبية، وضع خطط لمحاربة الفقر وذلك وفق خطط محددة وواضحة يتم تطبيقها في البيئات التي تنتمى لها المؤسسات والشركات، إلى جانب إطلاق مبادرات مثل مكافحة الفساد، تشجيع المستثمرين على تطبيق أهداف الاستدامة، وحث البورصات على إصدار تقارير طوعية.
كما أن الأدوار الجديدة للتنمية المستدامة من وجهة نظر البعض، مثل الحد من التلوث، وتعزيز مبادئ الحوكمة، وحماية الموارد الطبيعية، تمثل مسؤولية كبيرة يقع جزء مهم منها على عاتق المؤسسات الثقافية، نظرًا لدورها المؤثر في تشكيل الوعي ونشر قيم الاستدامة داخل المجتمع؛ بما يساهم في تهيئة المجتمع لتقبل تلك الممارسات التي قد تبدو غير مألوفة لدى البعض، فالمؤسسات الثقافية اليوم ليست مجرد منصات لحفظ التراث أو عرض الفعاليات، بل أصبحت كيانات استراتيجية قادرة على قيادة التغيير عبر دمج مبادئ الاستدامة في أنشطتها وبرامجها، بما في ذلك التحول الرقمي المستدام الذي يسهم في تقليل استهلاك الورق، وتخفيض الانبعاثات، وتوسيع نطاق الوصول إلى الثقافة بطرق صديقة للبيئة.
وختامًا، فإن المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الواسع والجديد تفتح أمام المؤسسات الثقافية آفاقًا كبيرة للابتكار والإبداع، إذ تدفعها إلى البحث عن حلول مستدامة للمشكلات المعاصرة، مثل التحول إلى الطاقة النظيفة، وتبني ممارسات إعادة التدوير، والانخراط في التحول الرقمي الأخضر الذي يعزز الكفاءة ويخفض الأعباء البيئية، وهذا التوجه لا يخدم المؤسسة وحدها، بل يسهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني ورفع قدرته على مواجهة التحديات العالمية. وهنا يتضح أن الجدلية بين المنظومة المجتمعية والاقتصاد والتنمية المستدامة ليست مجرد معادلة نظرية، بل واقع عملي يتطلب تفعيلًا من خلال سياسات واضحة وممارسات مؤسسية مسؤولة.
Short Url
عبدالوهاب خضر يكتب.. "عين زبيدة" في شركة النصر للسيارات..
21 أغسطس 2025 12:14 ص
قصة الطفل حمزة التي هزّت مصر
20 أغسطس 2025 01:00 م
الدكتور أحمد جلال يكتب.. الإسهال الغذائي في الدواجن
20 أغسطس 2025 10:55 ص
أكثر الكلمات انتشاراً