الهند في مرمى النيران، نيوديلهي بين النفط الروسي ورسوم ترامب الجمركية
الأحد، 10 أغسطس 2025 11:48 م

ترامب والهند
تعيش نيودلهي لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاقتصادي، إذ تجد نفسها في قلب نزاع تجاري وجيوسياسي مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعاد تصدير سياسة "أمريكا أولاً" بشكل أكثر صرامة في ولايته الجديدة، وهذه المرة بتوجيه بوصلته نحو شريك استراتيجي في آسيا.. الهند.

ففي وقت تتصاعد فيه حدة التوترات بين واشنطن وموسكو، طلبت الإدارة الأمريكية من نيودلهي التوقف عن استيراد النفط من روسيا، ملوحة بسلاح الرسوم الجمركية العقابية التي بلغت حتى الآن 50% على بعض الواردات الهندية.
لكن الرد الهندي لم يأت على شكل تحدي مباشر، بل باتجاه مراجعة شاملة لمعادلات الاقتصاد والتحالفات، ما ينذر بإعادة رسم خريطة التوازنات في آسيا.
معضلة الطاقة.. حسابات غير قابلة للتجاهل
الهند ليست مجرد اقتصاد نامي يعتمد على العالم الخارجي، بل هي ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، وتستورد قرابة 90% من احتياجاتها من الخام.
ومنذ 2023، أصبحت روسيا المورد الأول للهند، تزودها بنحو 2 مليون برميل يوميًا من أصل 5 ملايين، وفقًا لبيانات شركة كبلر المتخصصة بتتبع حركة الشحن البحري.
ويعود ذلك الأمر إلى قيام روسيا بتقديم خصومات مجزية على أسعار النفط، في ظل العقوبات الغربية، إضافة إلى سهولة النقل نسبيًا مقارنة بالولايات المتحدة.
إلا أن المصافي الهندية تواجه أيضًا صعوبات تقنية في التحول إلى أنواع مختلفة من النفط، ما يجعل التبديل الفوري باهظ الثمن وغير عملي.
وفي هذا السياق، يبرز سؤال جوهري، أين ستجد الهند مليوني برميل نفط يوميًا بهذه السرعة؟ في إشارة إلى محدودية البدائل أمام نيودلهي.

رسوم ترامب.. ضغوط تتجاوز الاقتصاد
في فبراير 2025، بدا أن العلاقات بين ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تسير على نحو إيجابي، مع اتفاق الطرفين على زيادة صادرات الطاقة الأمريكية للهند، لكن المشهد تغير بسرعة.
في خطوة مفاجئة، فرضت واشنطن رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25%، ليرتفع إجمالي الرسوم إلى 50% على واردات هندية رئيسية، من بينها مواد تكنولوجية وزراعية.
وفي ظل حملة “صنع في الهند” المتداولة، يمثل هذا التصعيد تهديدًا مباشرًا لمسار التنمية المحلية، خاصة مع كون الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للهند في 2024-2025.
هذه الرسوم تهدد مئات آلاف الوظائف في قطاعات التصدير، وتفتح الباب أمام تصعيد دبلوماسي واقتصادي قد يغير اتجاهات الهند نحو تحالفات بديلة كالبريكس ومنظمة شنجهاي.
اقرأ أيضًا:
الهند مهددة بخسارة 20 مليار دولار في عامين إذا رفضت النفط الروسي
_1800_073444.jpg)
الخيارات أمام نيودلهي.. التفاوض أم الالتفاف؟
الهند ليست في موقع يسمح لها بخسارة السوق الأمريكية بسهولة، لكن في ذات الوقت، لا يمكنها التخلي فجأة عن النفط الروسي من دون تكلفة باهظة، وبالتالي، فإن خياراتها المعقدة تشمل:
القبول بالرسوم الأمريكية مؤقتًا: للحفاظ على العلاقات الاستراتيجية، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات مع الصين.
تنويع مصادر الطاقة: عبر زيادة الواردات من الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وهو مسار مكلف تقنيًا وماليًا، وقد يستغرق شهورًا إن لم يكن سنوات.
التفاوض مع إدارة ترامب: من خلال قنوات دبلوماسية وشخصيات مؤثرة من الجالية الهندية في الحزب الجمهوري، لتخفيف الضغط أو التوصل إلى حل وسط.
تعزيز تحالفات بديلة: وهو مسار بدأت الهند بالسير فيه فعليًا عبر توسيع اتفاقات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الخليج، ودول الآسيان، إضافة إلى مفاوضات نشطة مع المكسيك والبرازيل وجنوب إفريقيا.
اقرأ أيضًا:
الهند في مواجهة الضغوط الأمريكية، هل تنجح واشنطن في فك ارتباط نيودلهي بروسيا؟
اقتصاد مرن وسياسة واقعية
في الداخل، يواصل مودي تفعيل أدوات اقتصادية تحصينية، تشمل:
- حزمة تحفيز لصناعات التكنولوجيا والزراعة.
- صندوق دعم للمصدرين المتضررين من الرسوم الأمريكية.
- توسيع قاعدة الضرائب على الشركات الأجنبية داخل الهند.
- خطة تسريع التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج.
إن الأزمة الحالية تتجاوز البعد الاقتصادي لتصبح اختبارًا للاستقرار الاستراتيجي بين الهند والولايات المتحدة، كما أن هذه الرسوم قد تفتح الباب أمام تآكل الثقة بين الطرفين، ما لم يتم احتواء الخلاف بمسار تفاوضي عقلاني.

الهند في النظام العالمي الجديد
في ضوء التغيرات المتسارعة في النظام الدولي، تسير الهند على حبل مشدود بين المصالح الاقتصادية من جهة، والضرورات الجيوسياسية من جهة أخرى.
فهي تدرك أن علاقتها مع الولايات المتحدة ضرورية لتحقيق توازن إقليمي في مواجهة بكين، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع التخلي عن خياراتها السيادية في تأمين الطاقة بأسعار تنافسية.
قد يكون السيناريو الأقرب للواقعية هو انتهاج سياسة واقعية، تقبل ببعض التنازلات التكتيكية أمام واشنطن، مقابل توسيع العلاقات مع أوروبا ودول الجنوب العالمي، ما يتيح للهند الحفاظ على مكانتها كقوة صاعدة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.
الهند تواجه اليوم ما يمكن وصفه بـ"أصعب اختبار اقتصادي جيوسياسي"، وفي عالم تتشابك فيه المصالح مع التهديدات، فإن نجاح نيودلهي في اجتياز هذه العاصفة لن يكون مرهونًا فقط بإجراءاتها الاقتصادية، بل بقدرتها على التفاوض، المناورة، واستثمار موقعها كقوة محورية لا يمكن تجاهلها.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الهند في مواجهة الضغوط الأمريكية، هل تنجح واشنطن في فك ارتباط نيودلهي بروسيا؟
10 أغسطس 2025 03:44 م
إحصائيات الكهرباء 1990-2024، أرقام قياسية وتوقعات بتغير تاريخي بحلول 2026
10 أغسطس 2025 01:09 م
خريطة الصناعات العالمية 2025، قائمة بأكبر القطاعات إيرادات وتوظيف
10 أغسطس 2025 10:53 ص
أكثر الكلمات انتشاراً