الإثنين، 04 أغسطس 2025

12:45 م

ترامب وتوطين صناعة الدواء، استثمارات بلا جدوى أم قفزة ناقصة في اقتصاد السوق؟

الإثنين، 04 أغسطس 2025 12:00 ص

ترامب وتوطين صناعة الدواء

ترامب وتوطين صناعة الدواء

من على منصات الحملات وخلف مكاتب القرار، رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شعار "أمريكا أولاً"، ووجه نيرانه نحو واحدة من أعقد الصناعات وأكثرها حساسية، ألا وهو صناعة الأدوية. 

ترامب وتوطين صناعة الأدوية

الرسالة كانت واضحة، سنعيد تصنيع الدواء إلى الداخل الأمريكي، وننهي الاعتماد على الخارج حمايةً للأمن القومي وتخفيفًا عن جيوب المرضى، لكن الواقع يقول إن الطريق إلى هذا الهدف يبدو محفوفًا بالمعوقات البنيوية، لا السياسية فقط.

رغم التلويح بفرض رسوم جمركية تصل إلى 200% على واردات الأدوية، ورغم إعلان شركات كبرى عن استثمارات تتجاوز 250 مليار دولار، إلا أن ما يحدث حتى الآن يبدو أقرب إلى استعراض سياسي منه إلى تحول هيكلي حقيقي.

فهل يمكن حقًا توطين صناعة أدوية عالمية، متعددة الجنسيات، معقدة التكلفة؟ وماذا تعني هذه التحركات للاقتصاد الأمريكي والمستهلك العادي؟

اقرأ أيضًا:

شعبة الأدوية توضح الحلول والأزمات التي تواجه صناعة الدواء في مصر

الدواء والسيادة.. بين الطموح والمناورة

لا خلاف على أن صناعة الدواء تمثل اليوم أحد أذرع الأمن القومي لأي دولة، أزمة كورونا كانت الدرس الأقسى، إذ كشفت هشاشة سلاسل الإمداد وتبعية معظم الدول للمواد الفعالة القادمة من الصين والهند، ومن هنا بدت وعود ترامب بتوطين هذه الصناعة منطقية سياسيًا وملهمة شعبيًا.

لكن خلف هذه الوعود تكمن حسابات اقتصادية دقيقة، فصناعة الأدوية ليست فقط معامل، بل شبكة عالمية تضم موردين وشركاء وجداول تكلفة معقدة. 

لذلك، فإن تحويل مصانع كبسولات من مومباي إلى ميشيغان لا يحدث بجرة قلم، بل يتطلب حوافز اقتصادية واستقرار تنظيمي وسوقًا قادرة على دفع التكلفة الأعلى.

أسترازينيكا 

استثمارات على الورق.. أين الأثر الحقيقي؟

الإعلانات لم تتوقف، أسترازينيكا أعلنت عن 50 مليار دولار، وجونسون آند جونسون كشفت عن 55 مليار دولار، وإيلي ليلي خططت لإنفاق 27 مليار دولار لبناء 4 مصانع جديدة، ظاهريًا، هذه أرقام مبشرة، لكن الواقع الاقتصادي يقول إن جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات إما:

كان مُخططًا له قبل سياسات ترامب، وتم إعادة تسويقه سياسيًا، أو يتركز في خطوط إنتاج عالية الربحية أو حساسة مثل الأدوية المعقمة، وليس في الأدوية الجنيسة Generic Drugs التي تشكل 90% من الوصفات الطبية في أمريكا.

كما أن بعض هذه الشركات تلعب اللعبة السياسية، أي تعيد إعلان استثمارات قديمة لإرضاء الإدارة الأمريكية دون التزام حقيقي بتغيير مواقع الإنتاج الجوهرية.

 

اقرأ أيضًا:

ثورة في المختبرات، الذكاء الاصطناعي يقود تطوير الأدوية

الأدوية الجنيسة.. المعركة الأصعب

الأدوية الجنيسة، الرخيصة التي تُصرف يوميًا للملايين من الأمريكيين، تشكل التحدي الأكبر، فهي تنتج بهوامش ربح ضئيلة، وغالبًا ما تكون مصانعها في الهند التي تتمتع بتكلفة تشغيل منخفضة، ومن هنا فإن نقلها إلى أمريكا سيؤدي مباشرة إلى:

  • ارتفاع كبير في تكلفة الإنتاج.
  • انسحاب بعض الشركات من السوق الأمريكي لعجزها عن تحقيق ربح.
  • تفاقم نقص الأدوية الأساسية في الصيدليات والمستشفيات.
الأدوية الجنيسة

بين الأسعار والواقع.. من يدفع الثمن؟

الرئيس ترامب وعد الأمريكيين بأسعار دواء أقل، لكن الواقع يقول إن نقل الإنتاج إلى الداخل سيزيد من التكلفة النهائية، لا سيما مع تعقيد نظام الرعاية الصحية الأمريكي الذي يمر عبر وسطاء مثل مديري استحقاقات الصيدلة وشركات التأمين.

كما أن الشركات، حتى لو تحملت جزءًا من التكاليف، ستنقل العبء تدريجيًا إلى المستهلك عبر زيادة أسعار الدواء المباشرة، ورفع أقساط التأمين الصحي، وخفض عروض الخصم على الأدوية.

اقرأ أيضًا:

من الشراكة إلى الشك، أزمة الثقة بين أوروبا وأمريكا تضرب قطاع الدواء

الرسوم الجمركية.. أداة ضغط أم فخ اقتصادي؟

ترامب هدد، بل وأعلن، عن رسوم جمركية قد تصل إلى 200%، مع فترة سماح للشركات لتوطين مصانعها خلال عام تقريبًا، لكن عدة أسئلة تبقى معلقة:

  • هل ستشمل الرسوم كل الدول؟
  • هل سيتم إعفاء الشركات التي تصنع أدوية معقمة أو عالية التعقيد؟
  • ما مصير سلاسل الإمداد الخاصة بالمكونات الخام؟
  • هل ستحفز الرسوم فعلاً التصنيع المحلي أم تدفع الشركات للانسحاب؟

إن الرسوم قد تكون ذات تأثير محدود أو حتى سلبي إذا لم تصمم بعناية، إذ قد تزيد الأسعار دون ضمان انتقال التصنيع فعلاً إلى الداخل.

صناعة الأدوية

ما المطلوب لإنجاح توطين صناعة الدواء؟

للوصول إلى نموذج مستدام لتوطين صناعة الأدوية، فإن الواقع الاقتصادي يوصي بعدد من الخطوات:

  1. تقديم حوافز ضريبية واستثمارية للشركات التي تبني مصانع حقيقية في أمريكا.
  2. تحسين سلاسل التوريد المحلية للمكونات الفعالة.
  3. إصلاح نظام التسعير والتوزيع داخل منظومة الرعاية الصحية.
  4. إنشاء صندوق سيادي للدواء يدعم توطين الأدوية الحيوية.
  5. التعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية لبناء قاعدة تكنولوجية وطنية.

اقرأ أيضًا:

قرارات ترامب تربك سوق الدواء العالمي، ومصر تترقب الانعكاسات

هل تفشل خطة ترامب؟

سياسيًا، قد يحقق ترامب مكاسب من الحديث عن توطين صناعة الدواء، لكن اقتصاديًا، الخطة حتى الآن تعاني من غياب العمق الاستراتيجي، فهي تدار من زاوية الضغط بالرسوم دون مراعاة المنظومة الكاملة التي تحكم سوق الأدوية.

إن الأمن الدوائي الأمريكي لا يتحقق بالشعارات، بل بتغيير المنظومة من جذورها، من التسعير إلى الإنتاج إلى سلاسل الإمداد، أما المواطن الأمريكي، فلا تعنيه استثمارات الشركات إذا لم تترجم إلى دواء متوفر وسعر في المتناول.

في النهاية، تبقى الإجابة عن سؤال العنوان مفتوحة، استثمارات الأدوية وحدها لا تكفي.. فهل تفشل خطة ترامب فعلًا؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search