وسط التوترات الجيوسياسية، ترامب يعيد خلط أوراق سوق الدواء العالمي
السبت، 17 مايو 2025 07:42 م

صناعة الأدوية
كتب/ كريم قنديل
في لحظة سياسية حاسمة، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشعال واحدة من أكثر معاركه الاقتصادية إثارةً للجدل، معركة أسعار الأدوية.

بأمر تنفيذي جديد، أمر ترامب بخفض أسعار بعض الأدوية في الولايات المتحدة لتتماشى مع أقل الأسعار المدفوعة في دول أخرى، مستندًا إلى ما سماه مبدأ الدولة الأكثر تفضيلاً وهي سياسة طموحة، وصادمة في آن واحد، تُربك قطاعًا لطالما اعتُبر من أكثر القطاعات حساسية وأرباحًا.
هذه الخطوة، رغم شعبيتها لدى الأميركي العادي الذي أنهكته فواتير الصيدليات، اعتُبرت صفعة قاسية على وجه شركات الأدوية الأميركية، التي استنفرت دفاعاتها على الفور.
30 يومًا تحت التهديد
الأمر التنفيذي يمنح شركات الأدوية 30 يومًا فقط لتخفيض أسعارها أو مواجهة قيود جديدة تحد من ما تدفعه الحكومة مقابل أدويتها، خصوصًا في برامج ميديكير وميديك إيد.
وإذا فشلت المفاوضات، فإن وزارة الصحة الأميركية بقيادة الوزير روبرت إف. كينيدي ستفرض قاعدة جديدة تربط السعر المدفوع محليًا بأرخص سعر دولي.
قد يبدو القرار انتصارًا للمستهلك الأميركي، لكنه في العمق يحمل أبعادًا مزدوجة، تتمثل في شعبية سياسية واضحة، ومخاطر اقتصادية لا يُستهان بها.
اقرأ أيضًا:
صعود الصناعة الدوائية في مصر يقلص التبعية ويوفر العملة الصعبة
ترامب يعيد سياسة الدواء القديمة، بين وعود التخفيض وصدام المصالح

قطاع الدواء ما بين الابتكار والخوف من الانهيار
رد فعل قطاع الأدوية كان عنيفًا، الجمعية الأميركية لأبحاث شركات الأدوية (PhRMA) اعتبرت القرار صفقة سيئة للمريض الأميركي، وعلق رئيسها ستيفن ج. أوبل قائلاً، أن الإجراء يهدد استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وقد يزيد من اعتمادنا على الصين للحصول على الأدوية.
وتقدر شركات الأدوية أن الأرباح المحققة في السوق الأميركية وحدها تُشكل نحو 70% من إجمالي أرباحها العالمية أي أن تخفيض الأسعار محليًا قد يدفعها لتعويض خسائرها برفع الأسعار في الأسواق الأخرى، ما يُنذر بأزمة دوائية عالمية محتملة.
أجندة ترامب المزدوجة نحو التصنيع المحلي
يتزامن هذا التوجه مع سعي ترامب لتوسيع قدرة الحكومة على التفاوض بشأن أسعار الأدوية ضمن برنامج ميديكير وهي آلية أتاحها قانون خفض التضخم، ويريد ترامب تعديلها بما يُكسبه نقاطًا لدى كبار السن، من دون الاصطدام المباشر مع الحزب الجمهوري أو الشركات.
في الوقت ذاته، وعد ترامب بفرض رسوم جمركية على الأدوية المستوردة لتعزيز التصنيع المحلي، في خطوة أثارت حفيظة شركات مثل "فايزر" و"إيلي ليلي"، التي استثمرت بالفعل في مصانع أميركية جديدة.
وفي خطوة موازية، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يُسهل بناء مصانع أدوية داخل الولايات المتحدة، في رسالة واضحة مفادها، أميركا ستُنتج أدويتها بنفسها، بأسعار أرخص، ودون انتظار الخارج.
اقرأ أيضًا:
ترامب يعلن تخفيض أسعار الأدوية بنسبة تتراوح بين 30% و80%
ترامب يهدد الأدوية الأوروبية، معركة جمركية قد تقلب موازين السوق العالمية

ارتدادات السوق و"وول ستريت" تترنح
لم تنتظر الأسواق طويلاً للرد، فقد هبطت أسهم شركات أدوية كبرى مثل فايزر، أمجين، وأبفي بنسبة لامست 8% في جلسة واحدة، ما يعكس قلق المستثمرين من أن تُحول هذه السياسة قطاعًا عالي الربحية إلى ميدان معارك سياسية، مليء بالمخاطر التنظيمية والضغوط الشعبوية.
هذا القرار قد يُقوّض قدرة الشركات على الاستثمار في الابتكار الطبي، ويجبرها على إعادة هيكلة سلاسل الإمداد، وحتى الانسحاب من أسواق أقل ربحًا، ما يهدد توافر الأدوية عالميًا.
الرهانات الانتخابية خلف الستار
إن هذا القرار جزء من حملة سياسية مبكرة للعودة إلى البيت الأبيض، ترامب الذي واجه تراجعًا في شعبيته بحسب استطلاعات رأي، يسعى لاستعادة ثقة الناخب الأميركي العادي عبر تبني خطاب العدالة الاقتصادية، مستخدمًا الأدوية كسلاح انتخابي فعال.
اقرأ أيضًا:
رسوم ترامب الجمركية تشعل أسعار الأدوية، والمستهلك يدفع الفاتورة
صناعة الدواء على خط النار، رسوم جمركية مرتقبة تهدد أكبر سوق دوائي عالمي
_1787_044054.jpg)
هل يعيد ترامب رسم خريطة تسعير الدواء عالميًا؟
على المدى الطويل، قد تفرض هذه السياسة واقعًا جديدًا، إذا ما انخفضت الأسعار الأميركية فعلاً، فإن الدول الأخرى ستطالب بالمثل، مما يُضعف نموذج التسعير التصاعدي الذي كانت تعتمد عليه شركات الأدوية العالمية.
هذا قد يُفضي إما إلى نظام عالمي أكثر عدلاً في تسعير الأدوية أو إلى انكماش خطير في الابتكار الدوائي، في عالم لا يزال يواجه أوبئة وأمراضًا بلا علاج.
في المحصلة، ترامب لا يُطلق مجرد سياسة دوائية بل يشعل شرارة قد تُعيد هيكلة صناعة تُقدر قيمتها بتريليونات الدولارات.
ومع ارتفاع سقف الوعود، يبقى السؤال: هل تنخفض أسعار الأدوية فعلاً؟ أم أن الكلفة الحقيقية ستدفعها الأجيال المقبلة عبر نقص الابتكار، وهشاشة التوريد، واحتكار الدواء؟
Short Url
من التحديات للفرص، 8 حلول تجعل المرأة شريك اقتصادي حقيقي
15 مايو 2025 04:19 م
«عودة تسلا إلى نادي التريليون» بين الحقائق القاتمة والحماسة السوقية الزائدة
15 مايو 2025 03:20 م
أوبك تلعبها بحذر، تثبيت توقعات الطلب على النفط رغم انخفاض النمو الاقتصادي العالمي
15 مايو 2025 02:03 م


أكثر الكلمات انتشاراً