اقتصادات مجمدة في الزمن، حين تتحول الدولة من الركود إلى الهشاشة
الأربعاء، 30 يوليو 2025 09:11 ص

اقتصادات متجمدة
في عالم يتسارع فيه الاقتصاد، وتتنافس فيه الدول على الابتكار، والرقمنة، والنمو المستدام، هناك بقع من الجغرافيا البشرية توقفت فيها عقارب التنمية، لا تمضي إلى الأمام، ولا تعود إلى الوراء.

هذا ما يكشفه تقرير البنك الدولي الصادر في يونيو 2025 تحت عنوان "الهشاشة ومناطق النزاع"، حين أضاء على واقع 39 دولة توقف فيها النمو الاقتصادي منذ عام 2010، ليس فقط في مؤشرات الناتج المحلي، بل في قدرة الدولة على البقاء، وعلى إدارة نفسها كمؤسسة، وعلى تقديم الحد الأدنى من الحياة الكريمة لمواطنيها.
من بين هذه الدول، تبرز ثماني عربية منهم لبنان، سوريا، العراق، اليمن، السودان، ليبيا، الصومال، وفلسطين، وهذه دول انزلقت تدريجيًا من مرحلة الركود إلى ما يمكن تسميته بالشلل المؤسسي، حيث تنهار مقومات الاقتصاد الرسمي، ويصبح الاقتصاد غير الرسمي أو الفوضوي هو القاعدة.
ومن دون بنى تحتية عاملة، ومنظومات تعليم وصحة فعالة، وأجهزة دولة قادرة على حفظ القانون، يتحول التنمية إلى مفهوم بعيد، بل ترف لغوي لا يعكس الواقع المعيشي اليومي.
اقرأ أيضًا:
ألمانيا تدعم الصندوق الائتماني للبنك الدولي بـ10 ملايين يورو
دوامة الهشاشة.. حين يتحول الركود إلى نمط حياة دائم
ما تعانيه هذه الدول، كما يشير التقرير، ليس أزمة ظرفية أو تراجعًا مرحليًا، بل حالة بنيوية من الجمود الشامل، المشهد يبدو كمن يعلق مشهد انهيار مبنى ولا يسمح له بالسقوط أو الترميم، حيث التعليم يتآكل، والمستشفيات تتداعى، والبنية التحتية تنهار، والمجتمعات تفقد الثقة بأي مستقبل.
وهنا لا يعود الزمن الاقتصادي مجرد مؤشر رقمي، بل يصبح مرآة للانهيار السياسي والاجتماعي والإداري الذي يضرب الدولة في عمقها.
الأزمات العالمية، من جائحة كوفيد-19 إلى الحرب الروسية الأوكرانية، زادت من هشاشة هذه الدول، خاصة مع ارتباطها المزمن بالمساعدات الخارجية أو واردات الغذاء والطاقة.
في هذه الاقتصادات، لا تملك الحكومات هوامش مناورة مالية أو أدوات تدخل فعالة، ومعظمها يدور في حلقة مفرغة، حيث النزاعات الداخلية تسقط المؤسسات، والفساد يفرغ الدولة من وظائفها، والتدخلات الخارجية تحرمها من السيادة على القرار الاقتصادي.

اقتصاديات مهددة بالاختفاء.. قراءة في أرقام المستقبل
وفق تقديرات البنك الدولي، فإن هذه الدول قد تضم 60% من فقراء العالم بحلول عام 2030، إذا لم تحدث تحولات كبرى، وهذه ليست مبالغة.
السودان الذي تمزق بسبب الحرب الأهلية يشهد بالفعل مجاعات متكررة، واليمن يعيش واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية، بينما تعد الصومال نموذجًا لدولة شبه منعدمة من حيث مؤسسات الدولة.
لبنان، على سبيل المثال، رغم امتلاكه رأسمال بشري وثقافي غني، يعيش أسوأ أزمة مالية في تاريخه، حيث انهارت العملة الوطنية، وفقدت الدولة سيطرتها على أجهزتها الرقابية، وأصبح الاقتصاد يدار عبر شبكات موازية من المصالح.
أما ليبيا، ورغم احتياطياتها النفطية الهائلة، فلا تزال تعيش دون موازنة عامة منذ سنوات، وتدار عبر حكومات متنازعة، بلا سياسة اقتصادية واحدة.
ما يزيد الطين بلة أن بعض هذه الدول لم تتمكن حتى من اجتياز مرحلة ما بعد الحرب، وكل ذلك هدنة هشة، لا تليها إعادة إعمار، ولا إصلاح مؤسسي، ولا مصالحة وطنية، بل استمرار في اقتصاد الميليشيات، وتفتيت في الإدارة، وتآكل في رأس المال الاجتماعي.
اقرأ أيضًا:
تعاون بين «البنك الدولي» و«وكالة الطاقة الذرية» في تطوير وتمويل الطاقة النووية
الخلل أعمق من نقص الأموال.. عندما تفشل المؤسسات لا تُجدي المعونات
من المفارقات اللافتة أن هذه الدول لا تفتقر إلى الموارد الطبيعية أو البشرية، العراق وليبيا ولبنان واليمن دول غنية من حيث الثروات، والسودان من أغنى دول أفريقيا زراعيًا، لكن ما ينقصها هو المؤسسات.
التنمية، كما يثبت النموذج في رواندا أو فيتنام، لا تبدأ من المال بل من الحكم الرشيد، وهناك، أعادت الدولة تعريف علاقتها بالمجتمع، واستثمرت في الإنسان لا في الشعارات، وفي التعليم والبنى التحتية لا في الولاءات السياسية.
أما في الدول الهشة، فإن المعونات الدولية التي تتدفق، وغالبًا ما تكون إنسانية الطابع، تذهب إلى الحد الأدنى من الإبقاء على الحياة، لكنها لا تبني مستقبلًا.
ومع غياب خطط شاملة لإعادة الإعمار والتنمية، تبقى المساعدات مجرد مسكنات مؤقتة، في وقت تتآكل فيه فرص التنمية الحقيقية.

الخليج ودور التوازن.. بين التباين التنموي وتصدير الاستقرار
في قلب هذا المشهد، يبدو العالم العربي منقسمًا على ذاته، دول الخليج مثل السعودية، الإمارات، وقطر تتحول إلى منصات مالية ولوجستية عالمية، وتحقق معدلات نمو تفوق التوقعات، وتستثمر في الابتكار والاقتصاد الأخضر، بينما الدول العربية الأخرى تتهاوى تحت عبء الصراعات والجمود التنموي.
هذا التفاوت لا يمكن استيعابه دون تبعات، فهو يولد موجات هجرة غير نظامية، ويغذي حركات متطرفة، ويخلق توترات إقليمية تهدد حتى الدول المستقرة.
ومن هنا، يظهر دور الخليج كـ "مصدر للاستقرار" في المنطقة، من خلال حزم دعم مباشر ومشروعات تنموية ضخمة، من لبنان إلى اليمن، ومن السودان إلى فلسطين.
لكنها مسؤولية ثقيلة، لا يمكن أن تُبنى فقط على المساعدات، بل تتطلب دبلوماسية تنموية ذكية، تعيد بناء شراكات على أسس الاستدامة والتمكين المحلي.
اقرأ أيضًا:
البنك الدولي يمنح 1.3 مليار دولار لـ سوريا والعراق ولبنان لدعم الكهرباء وتطوير السكك الحديد
إعادة تشغيل الزمن الاقتصادي.. ما الطريق؟
لكي تعود عقارب الاقتصاد إلى الدوران في هذه الدول، لا بد من إعادة تعريف العلاقة بين السياسة والتنمية، لا تنمية بلا استقرار سياسي، ولا استثمار بلا قضاء نزيه، ولا أمل بلا مؤسسات شرعية تمثل المواطن.
المطلوب هو نموذج جديد للتدخل الدولي، ليس فقط لإطفاء الحرائق، بل لبناء قواعد صلبة للدولة، حيث اقتصاد إنتاجي، ومؤسسات خاضعة للمساءلة، وشراكة حقيقية مع المجتمعات المحلية.
الأمر ليس مستحيلًا، التجارب من آسيا وأفريقيا اللاتينية تثبت أن الانتقال من الهشاشة إلى التعافي أمر ممكن، لكنه يتطلب أمرين، هما إرادة داخلية، وشراكة خارجية مرنة وغير مشروطة سياسيًا.

هشاشة الاقتصاد ليست قدَرًا
الزمن لا يتوقف من تلقاء نفسه، بل توقفه الأنظمة الفاشلة، والمجتمعات المنقسمة، والنماذج التنموية البالية، وإذا لم تبادر هذه الدول، ومعها المجتمع الدولي، بإعادة تشغيل الزمن الاقتصادي، فإننا سنواجه في 2030 خريطة عالمية أكثر هشاشة، وأكثر انقسامًا، وأكثر تهديدًا للاستقرار الإقليمي والدولي.
في الوقت الحالي، ورغم التوترات التي تعصف باقتصادات العالم، فإن الرهان هنا ليس فقط على المال، بل على الإرادة، والقيادة، والإصلاح المؤسسي الجريء.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
العالم يزداد ترابطًا رقميًا.. ارتفاع في أعداد المستخدمين وتحول رقمي متسارع
31 يوليو 2025 12:04 ص
جيل يقود التحول.. كيف يعيد شباب السعودية رسم خارطة الاقتصاد؟
30 يوليو 2025 11:49 م
الصين تتصدر العالم في صناعة الحاويات، تعرف على مراحل التصنيع وأكبر الأسواق
30 يوليو 2025 11:35 م
أكثر الكلمات انتشاراً