الخميس، 31 يوليو 2025

09:52 ص

أوروبا تشتري الهدوء وتخسر السيادة، حين تملي واشنطن شروط التجارة العالمية

الأربعاء، 30 يوليو 2025 01:15 م

اتفاق تجاري

اتفاق تجاري

في سابقة اعتبرها الجميع إذعانًا اقتصاديًا غير مسبوق، وافق الاتحاد الأوروبي على اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، يتضمن فرض رسومًا جمركية أمريكية بنسبة 15% على جميع صادرات الاتحاد باستثناء الأدوية والمعادن التي قد لا تنجو هي الأخرى مستقبلاً. 

اتفاق تجاري بين أوروبا والولايات المتحدة

جاء ذلك وسط موافقة أوروبية بشراء منتجات طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار، واستثمارات إضافية تبلغ 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، تضاف إلى 5.7 تريليون دولار تمثل الحجم الإجمالي للاستثمارات الأوروبية الحالية في الولايات المتحدة، ما يعكس تحولاً جذريًا في موازين القوة بين ضفتي الأطلسي.

لكن خلف هذا الاتفاق الجمل بالدبلوماسية، يختبئ واقع جيوسياسي واقتصادي أكثر تعقيدًا ولكن أكثر وضوحًا.. أوروبا لم تعد الند.

اقرأ أيضًا:

ترامب ورئيس المفوضية الأوروبية يلتقيان اليوم للتوصل إلى اتفاق تجاري

الاقتصاد في كفة السياسة.. من صفقة تجارية إلى خضوع استراتيجي

القراءة الأولية لهذا الاتفاق توحي بتفاهم تجاري بين شريكين، لكن نظرة أعمق تظهر أنه أقرب إلى تسوية سياسية تمت تحت الضغط الأمريكي الصريح، الولايات المتحدة بقيادة ترامب، لم تساوم، بل فرضت، وأوروبا لم تفاوض، بل ارتبكت، ثم رضخت.

اللافت أن الاتفاق لم يكن نتيجة مفاوضات متكافئة، بل وليد تهديدات متصاعدة من واشنطن، تلوح برسوم بنسبة 30% على السلع الأوروبية في حال عدم الامتثال. 

ورغم تقليص النسبة إلى 15%، تبقى الرسوم مرتفعة بشكل يهدد القدرة التنافسية الأوروبية، لا سيما الصناعات الثقيلة التي تعتمد على التصدير، وعلى رأسها الصناعة الألمانية.

الغاز الأمريكي بدلاً من الروسي

الغاز الأمريكي بدلاً من الروسي.. من أمن الطاقة إلى التبعية الطويلة

من أخطر بنود الاتفاق التزام أوروبا بشراء الطاقة الأمريكية بشكل سنوي، ما يكرس قطيعة طويلة الأمد مع الغاز الروسي، حتى في حال انتهاء الحرب الأوكرانية. 

هذه الخطوة تحمل بعدًا جيوسياسيًا لا يقل أهمية عن بعدها الاقتصادي، حيث تفقد أوروبا إحدى أهم أوراقها الاستراتيجية في موازنة علاقاتها شرقًا وغربًا.

وفي ظل غياب بدائل محلية أو مشتركة كافية، تتحول هذه الالتزامات إلى تبعية بنيوية للولايات المتحدة في مجال الطاقة، ما يضع مستقبل سياسات الطاقة الأوروبية رهنًا للإرادة الأمريكية.

اقرأ أيضًا:

مؤشرات إيجابية لاتفاق تجاري وشيك بين أمريكا وأوروبا قبل انتهاء مهلة ترامب

الاقتصاد الألماني في مرمى النيران.. ضريبة الزعامة الصناعية

من بين جميع الدول الأوروبية، تبدو ألمانيا الخاسر الأكبر من هذه الصفقة، فالصناعة الألمانية، التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات إلى السوق الأمريكية، ستُضرب مباشرة برسوم الـ15%. 

وفي وقت يشهد فيه الاقتصاد الألماني أزمة نمو صفري، وتراجعًا في الطلب المحلي، ومخاوف تضخم، تأتي هذه الضريبة لتقوض آخر محركات التعافي الممكنة.

كما أن الصادرات الألمانية تشمل منتجات ذات قيمة مضافة عالية سيارات، معدات هندسية، تكنولوجيا متقدمة وهي الأكثر حساسية تجاه ارتفاع الرسوم الجمركية، نظرًا لمنافسيها في آسيا والولايات المتحدة.

مشروع الدفاع الأوروبي

إجهاض مشروع الدفاع الأوروبي.. عندما تقود واشنطن الناتو وتمنع الاستقلال

لم يقتصر الاتفاق على التجارة والطاقة، بل امتد إلى ما هو أخطر، المجال الدفاعي، وتلزم بنود الاتفاق دول الاتحاد بشراء أسلحة أمريكية بقيمة 600 مليار دولار، ما يعني فعليًا دفن مشروع السيادة الدفاعية الأوروبية الذي أُقر قبل أشهر بميزانية 500 مليار يورو.

الرسالة واضحة، لا مكان لجيش أوروبي مستقل، ولا مجال لصناعة عسكرية أوروبية تنافس البنتاجون أو مجمع الصناعات الدفاعية الأمريكية، وبهذا، تصبح أوروبا، أمنيًا، تابعًا لحلف الناتو كما أرادته واشنطن، لا شريكًا قادرًا على صياغة عقيدته العسكرية الخاصة.

اقرأ أيضًا:

«دونالد ترامب»: إجراء مفاوضات تجارية جادة مع الاتحاد الأوروبي

أوروبا وغياب الصوت الواحد تحت ضغط الفيتو

يكشف الاتفاق أيضًا الهشاشة المؤسسية داخل الاتحاد الأوروبي، فرغم جسامة التبعات، جاء القرار من بروكسل وسط انقسام حاد بين باريس وبرلين، وصمت من دول الجنوب، وتمسك من دول الشرق بالبقاء تحت المظلة الأمريكية. 

هذا الانقسام أفقد أوروبا القدرة على التفاوض ككتلة موحدة، وأدى إلى قبول أسوأ الممكن بدل السعي لبناء موقف تفاوضي أقوى.

في ظل غياب آلية فعالة لاتخاذ القرار الجماعي، وتنامي النزعات السيادية داخل الدول الأعضاء، أصبحت بروكسل أكثر عرضة للإملاءات من الخارج، وأقل قدرة على بلورة رؤية استراتيجية مستقلة.

الرسوم الجمركية 

واشنطن تعيد تشكيل التجارة الدولية لصالحها

ترامب لم يخف نواياه، فبالنسبة له، الاتفاقات التجارية ليست أدوات للتنمية المشتركة، بل آليات لإعادة ضبط ميزان القوة، والرسوم الجمركية ليست أداة لحماية المنتج الأمريكي فقط، بل وسيلة لتطويع الخصوم والحلفاء على السواء.

في هذا السياق، يٌرى أن الاتفاق الأخير مع أوروبا ليس نهاية المطاف، بل بداية سلسلة من الضغوط الإضافية، على الزراعة، والخدمات، والتكنولوجيا. 

وقد تبدأ إدارة ترامب في المطالبة بإلغاء الإعانات الحكومية الأوروبية للزراعة، أو فتح الأسواق أمام شركات أمريكية عملاقة مثل Amazon وGoogle بشروط تفضيلية.

اقرأ أيضًا:

ترامب: تم توقيع اتفاق مع اليابان بقيمة 550 مليار دولار

من الشراكة إلى التبعية.. هل فقدت أوروبا استقلالها الاقتصادي؟

في مجمل الصورة، تتضح ملامح علاقة غير متكافئة بين واشنطن وبروكسل، فالاتحاد الأوروبي، الذي كان يوصف ذات يوم كـ "قطب اقتصادي موازن"، بات يتصرف كـ "تابع تجاري"، يشتري السلم الاقتصادي مقابل تنازلات هيكلية في الطاقة والدفاع والصناعة.

وهنا، يطرح السؤال نفسه: هل يمكن اعتبار هذا الاتفاق نهاية لمشروع "الاستقلالية الأوروبية"، أم أنه مجرد حلقة في سلسلة صدامات ستدفع في النهاية إلى يقظة أوروبية جديدة، كما تدعو باريس؟

الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة

هل تجرؤ أوروبا على قول "لا"؟

الاتفاق التجاري الجديد هو اختبار حاسم لأوروبا، إما أن تواصل السير على درب التبعية الاقتصادية والسياسية، أو أن تعيد بناء مشروعها السيادي من الداخل، لكنها في الحالتين، بحاجة إلى قرار موحد، وإرادة سياسية تتجاوز الانقسامات الآنية، ورؤية اقتصادية لا تكتفي برد الفعل.

الأسابيع المقبلة ستكشف مدى قدرة أوروبا على تعديل هذا الاتفاق، أو على الأقل تقليل أضراره، لكن الأكيد أن المعادلة تغيرت، وأن دونالد ترامب لم يفرض صفقة فحسب، بل فرض واقعًا جديدًا على القارة العجوز.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search