الثلاثاء، 29 يوليو 2025

06:21 م

الدين السيادي لا يصوت، دروس قاسية لترامب من أرقام الاقتصاد الأمريكي

الإثنين، 28 يوليو 2025 08:16 م

الاقتصاد الأمريكي

الاقتصاد الأمريكي

في عالم السياسة، يمكن للشعارات أن تهزم الحقائق ولو بعد حين، أما في عالم المال، فلا صوت يعلو على صوت الأرقام، هذه الحقيقة البسيطة، التي تفلت من يد كثير من السياسيين، من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تشكل جوهر النقاش حول مستقبل الدين السيادي الأمريكي، فبين وعود إعادة العظمة لأمريكا وخطط اقتصادية مشوشة، تتجلى أزمة بنيوية تهدد استقرار أكبر اقتصاد في العالم.

في هذا المقال، نعرض أبرز الدروس التي ينبغي على ترامب، أو أي رئيس يتطلع إلى تكرار تجربته، أن يتعلمها من ديناميكيات الدين السيادي، انطلاقًا من معطيات موضوعية وسوقية لا تخضع لحسابات الحملة الانتخابية ولا لتصفيق الجمهور.

من يمول الدين.. لا يؤمن بالشعارات

في السياسة، يمكن لمرشح أن يعد بكل شيء تقريبًا، من وظائف، وتخفيض ضرائب، وأمن حدود، ونهوض صناعي وحتى "فاتورة كبيرة جميلة" كما وصفها ترامب. 

لكن مشتري السندات، سواء كانوا صناديق سيادية أو مستثمرين مؤسساتيين، لا يشترون الوعود، بل يشترون الأمان المالي والاستقرار طويل الأمد، وهم حين يرون عجزًا متفاقمًا بلا خطة معالجة حقيقية، يردون بلغة واحدة، المطالبة بعوائد أعلى أو الانسحاب من السوق.

وهذا ما بدأ يحدث بالفعل، فبعد أن لحقت وكالة "موديز" بنظيرتيها "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" في خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، بدأت تظهر مؤشرات ما يُعرف بـ"إضراب المشترين". 

تجاوز عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاماً حاجز الـ5%، في سابقة تنذر بارتفاع مستمر في كلفة الدين، وهو ما قد يشكل كرة ثلج لا يمكن إيقافها بسهولة.

الدين الأمريكي

تخفيض الضرائب ليس خطة اقتصادية، بل نصف خطة

ترامب اعتمد في مقاربته للسياسة المالية على إحدى نظريات الاقتصاد العرضي، وهي "منحنى لافر"، الذي يفترض أن تخفيض الضرائب سيحفز النشاط الاقتصادي بما يكفي لتعويض الخسائر في الإيرادات من خلال توسيع القاعدة الضريبية. 

لكن هذا المنطق يصطدم بواقع مختلف، التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب في ولايته الأولى ساهمت في رفع العجز لا خفضه، وأدت إلى تآكل كبير في الإيرادات العامة دون أن يترجم ذلك إلى نمو اقتصادي كافي.

خطة ترامب الجديدة لتقليص العجز تقوم على تمديد هذه التخفيضات، مقابل تعويض الفاقد عبر رسوم جمركية مرتفعة، لكن حتى لو بلغ إجمالي إيرادات الرسوم الجمركية 2.5 تريليون دولار خلال عقد، فإن هذه الإيرادات لا تكفي لسد العجز، ناهيك عن تقليص الدين. 

والأسوأ أن الرسوم الجمركية تضعف القاعدة الضريبية عبر تقليص حجم الواردات نفسها، ما يحبط أهداف الخطة من أساسها.

اقرأ أيضًا:

بعد دعوة الرئيس السيسي، ترامب: نريد وقف إطلاق النار وإدخال الطعام لقطاع غزة

الإصلاح الحقيقي يمر عبر المحرمات السياسية

الأزمة الحقيقية في الموازنة الأمريكية ليست في الإنفاق فقط، بل في صعوبة تخفيض هذا الإنفاق نتيجة اعتبارات سياسية، برامج مثل "ميديكير" و"ميديكيد" والضمان الاجتماعي تعد من المقدسات السياسية لدى الديمقراطيين، في حين يرفض الجمهوريون المساس بسياسات الدفاع والامتيازات الضريبية.

لكن استمرار هذا الجمود يعني أن خيارات الإصلاح ستنحصر أكثر فأكثر في المستقبل، ومن هنا، تبرز أهمية التحلي بالشجاعة السياسية لكسر المحرمات. 

إعادة هيكلة برامج الرعاية الاجتماعية من خلال اختبارات استحقاق أكثر دقة، أو رفع سن التقاعد بشكل تدريجي، لا يعني المس بحقوق الناس، بل إدارة هذه الحقوق بما يضمن استدامتها.

كذلك الحال في موازنة الدفاع، ميزانية البنتاجون التي تلامس تريليون دولار سنويًا باتت تحتاج إلى مراجعة، لا سيما في ظل تغير طبيعة التهديدات، وانتقال المنافسة الجيوسياسية من جيوش إلى تكنولوجيا.

ميزانية البنتاجون

السياسات الجمركية ليست بديلاً للسياسات المالية

تعويل ترامب على الرسوم الجمركية لتعويض الفجوة الناتجة عن تخفيض الضرائب يعكس خلطًا بين أدوات السياسة التجارية وأدوات السياسة المالية. 

الجمارك قد تعزز تنافسية المنتج المحلي، لكنها ليست مصدر دخل موثوق على المدى الطويل، خصوصًا إذا كانت تؤدي إلى خفض في حجم التجارة، وبالتالي تراجع القاعدة التي تُفرض عليها الرسوم.

أضف إلى ذلك أن الحلفاء التجاريين للولايات المتحدة قد يردون بالمثل، ما يفاقم الأثر الانكماشي على التجارة العالمية ويهدد سلاسل الإمداد والتضخم في الداخل الأمريكي.

اقرأ أيضًا:

TACO أم تصعيد فعلي؟ الأسواق تترقب مصير قرارات ترامب وتأثيرها على الاقتصاد العالمي

الدين له كلفة.. وقد تكون قاتلة

في عام 2021، بلغت مدفوعات الفائدة على الدين العام نحو 1.5% من الناتج المحلي، والآن، تتجه هذه النسبة إلى 6% بحلول 2034، وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية ستنفق على فوائد الديون ما يعادل ما تنفقه حاليًا على الرعاية الصحية، وربما أكثر من التعليم أو الدفاع.

بعبارة أخرى، الدين لم يعد قضية نظرية، بل عبئًا متزايدًا يقضم من موارد الحكومة قبل أن توزعها، وكل الجهود في المحافظة على الأصول المالية ستبقى مهددة في ظل العبث الإداري.

ترامب والرسوم الجمركية

العلاج الحقيقي مزدوج.. رفع الضرائب وضبط الإنفاق

قد لا يكون رفع الضرائب شعارًا شعبيًا، لكنه في بعض الأحيان ضرورة اقتصادية، وفي السبعينيات، بلغت الشريحة الضريبية الأعلى على الدخل أكثر من 70%، ومع ذلك كان متوسط النمو الاقتصادي 3.2% سنويًا، أما اليوم، ومع شريحة ضريبية عليا عند 37%، فإن النمو يتراوح حول 2.5%.

هذا يعني أن رفع الضرائب على أصحاب الدخل العالي والشركات لا يشكل كارثة، بل قد يكون تصحيحًا ضروريًا، خصوصًا إذا اقترن بسياسات تحفيزية ذكية.

كذلك، لا بد من ضبط الإنفاق عبر إعادة هيكلة لا إلغاء، وإصلاح برامج الرعاية الاجتماعية، وترشيد موازنة الدفاع، واعتماد مؤشرات كفاءة حقيقية للإنفاق الحكومي، كلها خطوات ممكنة سياسيًا إذا تم تقديمها ضمن رؤية واضحة وعادلة.

التضخم الأمريكي

لا طريق مختصر للهروب من حسابات العجز

مايك تايسون، بطل الملاكمة الشهير، قال ذات مرة: “كلنا لدينا خطة.. إلى أن يتلقى لكمة في وجهه”، والسياسة المالية الأمريكية الآن على وشك تلقي هذه اللكمة، إذا لم تتغير قواعد اللعب. 

ترامب، رغم حماسته وإصراره على إعادة رسم الاقتصاد الأمريكي، يبدو أنه لا يزال يتجاهل الحساب الأخير، الدين السيادي لا يعترف بالشعارات، بل فقط بالأرقام، ومتى ما بدأ مشترو السندات، أي الممولون الحقيقيون للحكومة الأمريكية، في التردد، فإن اللطمة المالية ستكون أقسى من أن يتجاهلها أي خطاب سياسي. 

والنجاة الوحيدة تكمن في سياسة مالية واقعية، جريئة، ومتزنة، تكمن في ارفع الضرائب، واضبط الإنفاق، وأقنع الأسواق بأنك جاد.

هذا هو الدرس الذي ينبغي على ترامب أن يتعلمه قبل أن تعود العظمة إلى أمريكا، أو يغرق اقتصادها في بحر من الديون.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search