«الدارك ويب», جريمة منظمة في قلب الاقتصاد الرقمي

الخميس، 03 يوليو 2025 02:20 ص

الدارك ويب

في زمن تحوًلت فيه الهوية إلى بيانات، والمعاملات إلى شفرات، لم يعد العالم الرقمي ساحةً للابتكار فقط، بل مسرحًا واسعًا لصراعات خفية، وأسواق سوداء تحقق أرباحًا تتجاوز خيال أكثر تجار الأسلحة طموحًا.

مليار دولار.. أرباح الجريمة بلا سلاح

وبلغت أرباح برمجيات الفدية وحدها مليار دولار في 2023، وفق بيانات Kaspersky، هذه الهجمات التي تعمد إلى تشفير بيانات الضحية وطلب فدية لفك التشفير، تحولت من مجرد عمليات قرصنة عشوائية إلى نموذج عمل منظم، فالجريمة باتت لا تتطلب سلاحًا أو قناعًا، بل كودًا ووصلة إنترنت.

اقتصاديًا، نحن أمام نموذج جريمة رقمية عالية العائد ومنخفضة التكلفة، فتكلفة إطلاق هجوم إلكتروني بسيط، غالبًا لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات، لكنها قد تدر أرباحًا بعشرات الآلاف، لا سيما إذا استهدفت كيانات حساسة كالمؤسسات الطبية، أو البنوك، أو مزودي البنية التحتية.

برمجية «الأب الروحي» الخبيثة تعود بوسيلة احتيال غير مسبوقة، (التفاصيل)

بياناتك.. العملة الجديدة

وفي عملية اختراق واحدة، تسربت 16 مليار كلمة مرور، هذا الرقم المذهل يجعلنا نعيد التفكير في ماهية الأصل الرأسمالي في العصر الرقمي.

و لم تعد الأرض أو الذهب أو حتى العملات الرقمية هي الثروات، بل البيانات، هذه الكلمات الـ16 مليار ليست مجرد أرقام، بل مفاتيح لخزائن مالية، وسجلات طبية، وهويات رقمية يمكن الاتجار بها.

و في الويب المظلم، تُباع البيانات وفقًا لجودتها، قد يساوي بريد إلكتروني موثق بسجلات مصرفية عشرات الدولارات، وحزمة كاملة من بيانات هوية رقمية قد تدر مئات، وكلما زادت دقة البيانات وحداثتها، ارتفع ثمنها.

الذكاء الاصطناعي.. قوة مزدوجة

وما يثير القلق أكثر، هو دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI إلى ساحة الجريمة، حيث أصبح من الممكن انتحال صوت الأم بدقة لإقناع أحد الأبناء بتحويل أموال إلى محتال.

هنا، لا نتحدث فقط عن سرقة بيانات، بل عن تشويه للواقع ذاته، وفي عالم يمكن فيه تزوير الصوت والصورة بدقة، تصبح الثقة عملة مهددة بالانقراض.

وبناء على ذلك يظهر التحدي الاقتصادي الجديد، كيف يمكن للشركات والدول حماية الأصول الرقمية والسمعة، في وقت تتجاوز فيه قدرات المخترقين قدرة المؤسسات على الاستجابة؟

الهاكرز يطرقون أبواب المستقبل، العملات الرقمية بين الحلم المالي وكابوس الاحتيال

الجيوش الرقمية.. الحرب بغير إعلان

ربما الأبعد أثرًا، هو ما كشفه التقرير بشأن التحول الرسمي لبعض الدول إلى امتلاك جيوش إلكترونية، ولم تعد الحروب تُخاض على الأرض، بل عبر الإنترنت.

و الهجوم على شبكة كهرباء، أو تسريب بيانات وزارات حساسة، قد يكون أخطر من إسقاط طائرة، ومن وجهة نظر اقتصادية، فإن الحرب السيبرانية هي الأرخص تكلفة، لكنها الأشد تأثيرًا على بنية الدولة.

سلسلة التوريد.. النقطة الأضعف

اتجاه جديد في الهجمات ظهر أيضًا، وهو ضرب سلسلة التوريد التقنية، فإذا تم اختراق مزود برامج واحد فقط، تصاب آلاف الأجهزة دون أن تدري.

وهذه الهجمات تضرب في العمق، لأنها توظف الثقة نفسها كسلاح، الشركات التي تستخدم برامج من مزود موثوق، لا تتوقع أن يكون البرنامج محملاً بفيروسات من المصدر.

ومن منظور اقتصادي، يمثل هذا النوع من الهجمات تلوثًا شاملاً في سلسلة الإنتاج الرقمي، ما يعني خسائر ضخمة، وتعطلًا قد يستمر لأشهر.

خدع موسمية، طرق احتيال تزداد انتشارًا خلال عيد الأضحى

وعي المستخدم.. الجدار الأول

و يبدو أن الخط الأمامي في معركة الأمن الرقمي ليس الجدران النارية، بل العقول البشرية، 90% من الهجمات تبدأ بخطأ بشري، سواء عبر فتح رابط مشبوه أو استخدام نفس كلمة المرور في حسابات متعددة.

ورغم أن الحكومات والشركات تستثمر مليارات الدولارات في الأمن السيبراني، فإن هذه الاستثمارات ستظل ناقصة إن لم تُرافقها توعية واسعة.

ما القادم؟

وحينما تُسئل عن شكل الجريمة القادمة، فإن الإجابة صريحة، ألا وهيا القادم أعظم إن لم نتصرف الآن، وهذه ليست نبوءة تشاؤمية، بل دعوة للوعي والتحرك.

فالدارك ويب لم يعد مجرد ركن مظلم في الإنترنت، بل بات اقتصادًا موازيًا تتقاطع فيه الجريمة، والتكنولوجيا، والجغرافيا السياسية، وكلما تغافلنا عن حجمه، تضاعفت كلفته على المجتمعات والاقتصادات.

وإذا كان النفط هو وقود القرن العشرين، فإن البيانات هي ذهب القرن الحادي والعشرين، والدارك ويب هو المنجم الذي يُنهب بلا توقف.

تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، بالإضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.