خارج رادارات الحرب النووية، فقراء اليورانيوم يطرقون أبواب التاريخ
السبت، 21 يونيو 2025 04:41 م

يورانيوم النيجر
بينما تتجه أنظار العالم إلى طهران وتل أبيب، ويتصاعد التوتر في الشرق الأوسط حول تخصيب اليورانيوم وإمكانية نشوب حرب نووية، ثمة صراع آخر، أكثر هدوءًا ولكن لا يقل خطورة، يُخاض بعيدًا عن الرادارات الدولية في قلب القارة السمراء.

في النيجر، البلد الذي يملك أحد أكبر احتياطات اليورانيوم في العالم، تجري معركة سيادة من نوع مختلف، معركة بين فقراء يعيشون فوق كنز، وشبكات مصالح غربية تمتد منذ الحقبة الاستعمارية.
النيجر.. كنز على حافة الإفلاس
في بلد يصنف من أفقر دول العالم، يفترض أن تساهم الثروة الطبيعية في تحسين معيشة السكان، لكن الواقع مختلف تمامًا، فبينما تعتمد فرنسا على يورانيوم النيجر لتشغيل أكثر من 70% من مفاعلاتها النووية، يعيش أكثر من 85% من النيجريين دون كهرباء.
هذا التناقض الصارخ يعكس خللاً بنيويًا في العلاقات الاقتصادية الدولية، حيث الثروة لا تعني بالضرورة رفاهية، خاصة عندما يكون التحكم فيها خارج أيدي أصحاب الأرض.
اقرأ أيضًا:
ماذا نعرف عن عملية تخصيب اليورانيوم ؟ ( فيديو)
الاستعمار لم ينته بل تغير شكله
قصة اليورانيوم في النيجر تبدأ بعد استقلالها عن فرنسا في 1960، لكنها لم تنته بتحرر العلم، شركات مثل أورانو الفرنسية التي تملكها الدولة الفرنسية بنسبة 90% حافظت على سيطرة شبه مطلقة على القطاع لعقود طويلة عبر شراكات اسمية مع الدولة النيجيرية في شركات مثل سومير وكوميناك، هذه الشراكات ظلت على الورق فقط، بينما كانت باريس تتحكم فعليًا في القرار، الإنتاج، والأرباح.

تأميم سومير.. بداية نهاية الهيمنة الفرنسية؟
في خطوة مفاجئة، أعلن المجلس العسكري في النيجر يوم 20 يونيو 2025 تأميم شركة سومير، وهو ما وصفه مراقبون بأنه نهاية لحقبة استعمار اقتصادي طال أمدها.
التأميم لم يأت من فراغ، بل بعد سلسلة من التوترات مع فرنسا، التي فقدت نفوذها السياسي والعسكري في البلاد بعد انقلاب 2023، واتهامات بدعم الجماعات الانفصالية.
لكن هذا التحول لا يعني بالضرورة بداية العدالة الاقتصادية، فالتأميم، رغم رمزيته السيادية، سيصطدم بمعضلات داخلية كبيرة، ضعف البنية التحتية، نقص الكفاءات، واحتمالات ردات الفعل الاقتصادية من باريس وحلفائها.
اقرأ أيضًا:
«الكرملين»: روسيا مستعدة للتوسط بين إسرائيل وطهران وأخذ اليورانيوم الإيراني
يورانيوم النيجر.. لاعب عالمي بحجم مهمش
إحصائيًا، النيجر من بين أكبر 5 منتجين لليورانيوم عالميًا، بإنتاج سنوي يتراوح بين 2000 و3000 طن، واحتياطي مؤكد يفوق 300 ألف طن، ما يجعلها ثاني أكبر خزان لهذه المادة في إفريقيا بعد ناميبيا.
رغم هذه الأرقام الضخمة، فإن العوائد الاقتصادية لا تزال هزيلة، البنك الدولي قدر مساهمة صادرات اليورانيوم بـ1.4% فقط من الناتج المحلي في 2020، وهو رقم يكشف حجم الظلم الممنهج في عقود التصدير والامتيازات.

هل ينقذ التنوع النيجر؟ أم يعمق أزمتها؟
في السنوات الأخيرة، بدأت شركات من الصين والهند وكندا دخول السوق النيجري، خاصة في منطقة إيمورارين التي تحتوي على أحد أكبر المناجم غير المستغلة عالميًا.
هذا التنوع قد يبدو واعدًا، لكنه يثير أيضًا مخاوف من إعادة إنتاج النموذج الاستغلالي بوجوه جديدة، خاصة في ظل غياب الشفافية وضعف الرقابة المحلية.
اقرأ أيضًا:
الوقود النووي.. معالجة فعالة للمواد المشعة تضمن أنظمة السلامة وبيئة خالية من الكربون
ثورة صامتة أم قنبلة موقوتة؟
مع تصاعد الاحتجاجات ضد الوجود الفرنسي، وارتفاع الأصوات المطالبة بالعدالة في تقاسم العوائد، تواجه النيجر لحظة فاصلة، فإما أن تنجح في تحويل ثروتها إلى أداة للاستقلال الحقيقي والتنمية، أو تنزلق نحو دوامة الفوضى التي تغذيها خيبات شعب يعيش فوق الذهب النووي، لكنه لا يملك منه شيئًا.
النيجر اليوم ليست فقط اختبارًا لقدرة الدول الفقيرة على استرداد حقوقها، بل أيضًا تحذيرًا للعالم من مغبة تجاهل ما يجري خارج عدسات الأخبار، ففقراء اليورانيوم قد يكونون وقود ثورة مستقبلية لا تُشعلها الجيوش، بل يُشعلها الجوع واللاعدالة.
في النهاية، حين تشتعل الحروب بسبب اليورانيوم في الشرق، لا تنسوا أن الشرارة قد تندلع من الجنوب، من النيجر.. حيث اليورانيوم المنسي يهمس بصوت الغضب.
Short Url
«تعليم مالي» في «المواد الدراسية»، هل نجحت بريطانيا في سد الفجوة؟
20 يونيو 2025 10:46 م
"القهوة"، سلعة استراتيجية تُحرك اقتصادات الدول النامية
20 يونيو 2025 04:44 م
الشرق الأوسط على حافة الهاوية، تصعيد إيران وإسرائيل يربك الاقتصاد العالمي
20 يونيو 2025 04:11 م


أكثر الكلمات انتشاراً