إفريقيا تكسر قيود الدولار، أنظمة دفع محلية تهدد هيمنة العملة الخضراء
الجمعة، 20 يونيو 2025 01:41 م

إفريقيا
في تحول تاريخي يهدد هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي، تتسارع الخطى الإفريقية نحو إنشاء أنظمة دفع بالعملات المحلية، في محاولة لتحرير التجارة البينية من كلفة التعامل بالعملة الخضراء.

وبينما تحقق هذه الجهود مكاسب ملموسة، تواجه أيضًا مقاومة شرسة من واشنطن، وتحديدًا من الرئيس دونالد ترامب الذي عاد إلى البيت الأبيض بعقيدة حمائية صارمة، ترى في «نزع الدولرة» تهديدًا وجوديًا لمكانة أمريكا العالمية.
تجارة القارة في قبضة الدولار
ظلت التجارة الإفريقية لعقود طويلة مكبلة بعبء تسوية معظم معاملاتها بالدولار، حتى بين الدول الجارة، فبسبب ضعف شبكات الدفع الإقليمية، كانت المعاملات تمر عبر مصارف مراسلة غربية، ما يرفع كلفة المعاملات بنسبة تصل إلى 30%، بحسب بيانات منصة B-PASS الإفريقية.
المفارقة أن هذا النظام حرم القارة من الاستفادة من سوقها الداخلية، 84% من تجارة إفريقيا تتم مع شركاء خارج القارة، ولكن التحول بدأ يأخذ طابعًا عمليًا، فقد أُطلق نظام B-PASS في 2022.
ويمكن الآن الشركات في زامبيا مثلًا من الدفع مباشرة لشركاء في كينيا، مع بقاء كل طرف بعملته المحلية ما يوفر كلفة تحويل العملات الأجنبية، وإن القارة يمكن أن توفر ما يصل إلى 5 مليارات دولار سنويًا من العملة الصعبة إذا عمّم هذا النموذج.
اقرأ أيضًا:
الدولار يرتفع 10 قروش بختام تعاملات اليوم الخميس مقابل الجنيه المصري
ليس إلغاء الدولار بل النجاة من فخه
لا توصف هذه الجهود بأنها حملة لإلغاء الدولار، بل الهدف هو تقليل الاعتماد على العملة الصعبة التي يصعب على الاقتصادات الإفريقية توفيرها، لا سيما في ظل تقلبات أسعار الصرف، ومحدودية الاحتياطيات الأجنبية.
التحدي ليس فقط اقتصاديًا، بل تقنيًا كذلك، فغياب بنى تحتية مالية رقمية فعالة، وتفاوت تشريعات البنوك المركزية، يعرقلان إنشاء سوق موحدة للمدفوعات الإفريقية.
في المقابل، بدأت مؤسسات دولية مثل مؤسسة التمويل الدولية (IFC) ذراع البنك الدولي بتقديم قروض بالعملات المحلية للشركات الإفريقية، تخفيفًا لمخاطر الاقتراض بالدولار، إن هذا المسار ضروري لإنجاح القطاع الخاص، إذ لا يمكن إجبار شركات لا تُنتج عملة صعبة على تحمل ديون بالدولار.
السياسة تتدخل وترامب يرد بعقوبات تجارية
لكن ما يبدو خطوة تقنية ومالية، لا يمكن فصله عن الجغرافيا السياسية، إذ تلتقي هذه الجهود الإفريقية مع اتجاهات عالمية أوسع، الصين تطور نظامها المالي المنفصل عن الغرب، وروسيا تحاول تقليل اعتمادها على الدولار بعد عقوبات غربية شديدة.
عند هذا المفترق، يظهر ترامب، ففي منشور غاضب على منصته تروث سوشيال، مهددًا أي دولة تحاول تقليص استخدام الدولار بفرض رسوم جمركية كاملة، وقال بوضوح: "وداعًا لأمريكا!".
التهديد لم يكن عابرًا، بل تكرر في تصريحات عدة، تعكس نزعة إدارة ترامب نحو استخدام الأدوات التجارية كعقوبات سياسية.
ومن هنا، تحولت المبادرات الإفريقية من مسعى اقتصادي إلى ملف حساس في الصراع على النظام المالي العالمي، ولذلك مهما حاولت إفريقيا أن تُبقي مسعاها اقتصاديًا بحتًا، سيُنظر إليه باعتباره جزءًا من معركة جيوسياسية أوسع تقودها الصين وروسيا.
اقرأ أيضًا:
الصين تحفر قبر الدولار.. اربطوا أحزمة الأمان، صراع القرن يبدأ الآن

هل تنجح إفريقيا؟
الطريق ليس سهلًا، البنية التحتية، وتفاوت الأنظمة القانونية، ومحدودية السيولة المحلية، تُشكل عوائق جدية أمام تعميم الدفع بالعملات المحلية.
ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية تبدو أقوى من أي وقت مضى، مدفوعة بالتكلفة المرتفعة للنظام المالي الحالي، وبإدراك متزايد لدى صناع القرار أن السيادة الاقتصادية تبدأ بالتحرر من عباءة الدولار.
وفي ظل ما تشهده العلاقات الدولية من تحولات، قد تجد إفريقيا في استراتيجيات الدفع الإقليمي فرصة ليس فقط للتكامل الاقتصادي، بل أيضًا لتعزيز استقلالها الجيوسياسي في عالم ما بعد الأحادية الأميركية.
إفريقيا لا تسعى لحرب مع الدولار، بل تحاول فقط الإفلات من سطوته المكلفة، لكن في عهد ترامب، حتى هذه المحاولة السلمية قد تُقرأ كتهديد.. والعقوبة قد تأتي برسوم جمركية، أو ما هو أسوأ.
Short Url
"القهوة"، سلعة استراتيجية تُحرك اقتصادات الدول النامية
20 يونيو 2025 04:44 م
الشرق الأوسط على حافة الهاوية، تصعيد إيران وإسرائيل يربك الاقتصاد العالمي
20 يونيو 2025 04:11 م
رغم التوترات، التضخم يواصل الهبوط عالميًا
20 يونيو 2025 02:29 م


أكثر الكلمات انتشاراً