الإثنين، 16 يونيو 2025

11:38 م

سباق في رمال ناعمة، «البطالة المقنعة» تُخيم على سوق العمل بالدول النامية

الإثنين، 16 يونيو 2025 05:55 م

البحث عن فرص عمل

البحث عن فرص عمل

تحليل/ ميرنا البكري

العالم يتغير، والعمل يتغير، وسوق العمل أصبح في وجه العاصفة. لكن عندما ننظر للفرق بين الدول الغنية والدول الفقيرة، سنجد فجوة كبيرة في فرص العمل، نوعيته، وحتى دوافع الناس من الأساس. أي في الوقت الذي يعمل فيه المواطن الأوروبي أو الأمريكي في وظيفة رسمية ومرتب ثابت، العامل في الدول النامية يواجه صعوبة في إيجاد وظيفة، وغالبًا يعمل في وظيفة غير رسمية.

والسؤال الهام الآن: لماذا تُعد نسبة العاملين في وظائف بأجر (wage work) منخفضة جدًا في الدول الفقيرة، وتتراوح فقط بين 20% إلى 50% من إجمالي السكان في سن العمل؟، إجابة هذا السؤال قد نجدها في التقرير الصادر من National Bureau Economic Research.

Picture background
سوق العمل

 

 المشكلة ليست كسل، بل سوق لا يعمل بطريقة صحيحة

تعتبر واحدة من أهم المفاجآت التي تكشفها الأرقام إن نسبة كبيرة من الناس لا تعمل بوظائف مأجورة ليس لأنها لا تريد، بل لأنها لم تجد فرصة. في الدول النامية، الناس تعمل أقل بكثير من الدول الغنية، وذلك ليس بإرادتهم.

ما يحدث يسمى “بطالة مقنّعة” أي الناس تعمل بوظيفة بسيطة للغاية، أو غير رسمية لكي تلبي متطلباتها الأساسية لكن ذلك ليس عمل مستقر أو يليق بإمكانياتهم، أي معنى إنك ترى ناس في الشارع تقف على عربة فول أو تبيع مناديل  ورقية،  فهذا لا يعني عدم وجود بطالة، بل بطالة مقنّعة ترتدي وجه عمل.

 سوق العمل في الدول الفقيرة ليس صغيرًا فقط، بل معقد وصعب، والناس في الدول الفقيرة تقابل تحديات ليست موجودة في دول العالم الأول، والمرتبات ثابتة لسنوات رغم التضخم، وأصحاب العمل يسيطروا على السوق، والعمال لا يوجد لديهم بديل، ومن يبحث عن عمل من المحتمل أن لا يصل إلى شيء بسبب سوء التنظيم أو ضعف المؤسسات. كأنك في سباق، لكن تجري في رملة ناعم، كل ما تحاول تتحرك، الدنيا تغرزك أكثر.

ولكن أيضًا هناك ناس ترفض العمل المتاح، والسبب إن المفارقة ليست في إن كل الناس تعمل في أي وظيفة، فهناك جزء آخر من الحكاية:

الكثير من الأفراد يرفضوا العمل في القطاع الرسمي إذا كان العمل ممل، أو مرهق، أو بمرتب ضعيف، وهناك البعض يفضلون العمل لحساب نفسهم (فريلانسر أو في السوق غير الرسمي) بدلًا من العمل تحت مدير يستغلها.

أيضًا الفقر نفسه يلعب دور سلبي في حماس الناس للعمل، أي الشخص إذا كان غرقان في مشاكل الحياة اليومية، لا يفكر في عمل ثابت أو تطوير نفسه، أي ليس دائمًا الناس تهرب من العمل، أوقات تكون أي وظيفة متاحة هي من تجعلهم يهربوا.

مشاكل أساسية تدمر سوق العمل في الدول الفقيرة

غياب الأسواق الفعالة

لا يوجد نظام حقيقي يوصل العامل بالشركة أو المصنع الذي محتاجه. النتيجة؟ كل واحد يبحث بطريقته، والفرص تضيع.

 الاعتماد على العلاقات الاجتماعية

العمل في أغلب الدول الفقيرة يأتي من العلاقات الاجتماعية، وليس من كفاءة الفرد وهو ما يظلم الناس التي ليست لديها علاقات اجتماعية قوية.

اقرأ أيضًا: 

للمتقدمين إلى الوظائف، النصائح العشر لمقابلات العمل الناجحة

تحولات سوق العمل، وظائف تختفي وأخرى تولد من رحم التكنولوجيا (فيديو)

 

Picture background

توقعات للمستقبل

هل هناك أمل؟ أم السوق يظل مشلول؟. إذا استثمرت الدول في التعليم المهني والتدريب، قد تتحسن هذه النسبة قليلًا، إذا توسع القطاع الخاص بشكل عادل وشفاف، الناس ستجد فرص أكثر للعمل بأجر قوي وإذا دخلت التكنولوجيا السوق بشكل منظم، فرص العمل الجديدة للشعوب.

لكن بدون إصلاحات في المؤسسات وتسهيل فرص العمل الرسمية، الوضع سيظل كما هو بطالة مقنّعة، عمل غير رسمي، وأمل يقل بمرور السنوات.

ختامًا، يمكن القول إن سوق العمل في الدول الفقيرة يحتاج إلى عدالة قبل أن يحتاج إلى وظائف. فضعف نسبة العاملين بأجر في هذه الدول لا يعود إلى كسل الأفراد، بل إلى خلل هيكلي عميق في السوق نفسه.

لقد أصبحت البطالة المقنّعة أمرًا شائعًا ومقبولًا، لكنها في الواقع تعكس أزمة اقتصادية كامنة تُجبر الناس على العمل في أنشطة غير منتجة، فقط لتجنّب البطالة الظاهرة.

وفي كثير من الأحيان، العمل نفسه لا يكون فرصة، بل يتحوّل إلى فخ يَعلق فيه الأفراد دون أفق لتحسّن الدخل أو تطور مهني.

Short Url

showcase
showcase
search