الإثنين، 16 يونيو 2025

12:01 م

بين العائدات الاقتصادية والمعاناة اليومية، مدن أوروبية تحت ضغط السياحة المفرطة

الأحد، 15 يونيو 2025 06:42 م

سياحة مفرطة

سياحة مفرطة

رغم كونها أحد أبرز مصادر الدخل والنمو الاقتصادي، تواجه السياحة في العديد من المدن الأوروبية تحديًا متزايدًا يتمثل في "السياحة المفرطة"، حيث تتجاوز أعداد الزوار قدرة الوجهات على التحمل، ما يؤدي إلى توترات اجتماعية وأزمات سكنية وبيئية واقتصادية تهدد استقرار المجتمعات المحلية.

حلم الطفولة وسياحة بلا حدود

لطالما كانت السياحة حلمًا يداعب خيال الكثيرين منذ الطفولة، حيث يسعى الأفراد لزيارة أماكن شهيرة بمناظرها الخلابة وثقافاتها المتنوعة.

ومع تزايد القدرة على السفر وتوفر خيارات أكثر تنوعًا، أصبح السفر إلى هذه الوجهات أكثر سهولة، مدفوعًا برغبة جامحة في الاستكشاف والمتعة، لكن هذه الرغبة الجماعية بدأت تخلق واقعًا معقدًا، ظهر جليًا في ظاهرة "السياحة المفرطة".

 

السياحة المفرطة.. عندما تتحول النعمة إلى نقمة

السياحة المفرطة تعني ببساطة تجاوز عدد الزوار للقدرة الاستيعابية لوجهة معينة، وهو أمر تختلف حدوده من مدينة لأخرى حسب البنية التحتية، الموارد الطبيعية، البيئة الاجتماعية، والمساحة المتاحة، وتبدأ المشكلة عندما تتجاوز الآثار السلبية للسياحة منافعها الاقتصادية، لتظهر الحاجة إلى تدخلات تنظيمية عاجلة.

ومن أبرز تداعيات السياحة المفرطة، هي الضغط على المرافق العامة، ارتفاع الأسعار، تراجع جودة حياة السكان، وتحول الأحياء السكنية إلى مناطق مزدحمة لا تراعي احتياجات المقيمين.

جائحة كوفيد-19.. استراحة محارب أم فرصة ضائعة؟

ومع تفشي كوفيد-19، شهد قطاع السياحة ركودًا غير مسبوق، ما اعتبر فرصة لمراجعة نماذج السياحة التقليدية، إلا أن تعافي القطاع السريع بعد رفع قيود السفر أعاد الأزمة إلى الواجهة، حيث تخطى عدد السياح الدوليين بحلول نهاية 2024 مستويات ما قبل الجائحة، لتعود مشاكل الاكتظاظ، والتلوث، وأزمات السكن بقوة، وفقًا لتقرير نشره موقع sustainabletravel.

 

برشلونة نموذجًا.. 26 مليون زائر مقابل 1.6 مليون مقيم

تعد مدينة برشلونة في أسبانيا مثالًا صارخًا على هذه الظاهرة، فمع عدد سكان يبلغ 1.6 مليون نسمة، استقبلت المدينة نحو 26 مليون سائح في عام 2024 فقط، ما يعادل أكثر من 16 ضعفًا لعدد السكان.

وتشكل السياحة نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي للمدينة، لكن الكلفة الاجتماعية والاقتصادية بدأت تظهر بوضوح.

بحسب دراسة محلية، 31% من سكان برشلونة باتوا يعتبرون السياحة "ضارة"، وهي أعلى نسبة يتم تسجيلها منذ بدء هذا النوع من الاستطلاعات. 

كما ارتفعت الإيجارات بنسبة 68% خلال العقد الأخير، وارتفعت أسعار العقارات بنسبة 38%، ما ضاعف أزمة السكن ودفع البلدية لإعلان خطة لإغلاق جميع وحدات الإيجار السياحي القصير بحلول 2028.

احتجاجات منسقة في الجنوب الأوروبي

وتزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية دفع السكان للتحرك، ففي مشهد بات متكررًا، تستعد مدن كبرى في جنوب أوروبا مثل برشلونة، لشبونة، والبندقية لتنظيم احتجاجات منسقة ضد ما يعرف بـ"التسييح المفرط"، بدعوة من تحالف جنوب أوروبا ضد التسييح (SET) الذي يضم ناشطين من إسبانيا، إيطاليا، والبرتغال.

وتنوعت أشكال الاحتجاجات، من التظاهرات الجماعية إلى رموز احتجاجية مثيرة للجدل مثل دعوة سكان برشلونة إلى استخدام "مسدسات المياه" في وجه السياح، في إشارة رمزية إلى رفضهم للواقع الحالي.

ردود فعل رسمية.. ومحاولات لتقليل التصعيد

وفي رد رسمي على الاحتجاجات، نشرت وكالة السياحة في برشلونة رسالة مفتوحة أكدت فيها أن أغلب سكان المدينة لا يكرهون السياح، مشيرة إلى المساهمات الاقتصادية والثقافية التي يقدمها الزوار، مع اعتراف واضح بتحديات السياحة الجماعية.

ومن جانبه، أعلن رئيس حكومة كتالونيا، خططًا لتوسيع مطار برشلونة الدولي، لكي يصبح مركز أساسي للرحلات العابرة للقارات، وهو ما أثار غضب الناشطين الذين اعتبروا المشروع خطوة في الاتجاه الخاطئ ستزيد من الاكتظاظ وتفاقم الأزمة.

ومن سياق آخر، دافع مدير "إير بي إن بي Airbnb  " في منطقة إيبيريا عن منصات الإيجارات السياحية، مشيرًا إلى أنها لا يجب أن تكون كبش فداء للأزمة السكنية، بل يمكنها المساعدة في توزيع الزوار على مناطق أقل ازدحامًا.

جنوب إيطاليا.. السياحة فرصة وليست عبئًا

في المقابل، تختلف النظرة في جنوب إيطاليا، حيث تعتبر السياحة فرصة اقتصادية لإحياء مناطق مهملة وإنعاش الاقتصاد المحلي، ما يعكس التباين في علاقة السكان بالسياحة بين المناطق الغنية والمناطق الأقل حظًا اقتصاديًا، وذلك عكس ما يحدث من غضب في شمال إيطاليا في روما والبندقية.

سياحة غير عادلة.. ونموذج اقتصادي موضع تساؤل

رغم العوائد الكبيرة، يشعر كثير من السكان المحليين بأنهم مهمشون من اقتصاد السياحة، حيث تحتكر الأرباح من قبل المستثمرين الأجانب والشركات الكبرى، بينما يعمل السكان في وظائف منخفضة الأجر.

ويعمق هذا التفاوت الفجوة الاجتماعية ويثير مشاعر الاستياء من السياحة كمفهوم ونشاط اقتصادي، ومن طرد السكان من منازلهم إلى تدني جودة الوظائف، ومن الغرافيتي المعادي للسياح إلى الاحتجاجات في الشوارع، تتصاعد التساؤلات حول مستقبل السياحة، وكيفية إيجاد توازن بين العوائد الاقتصادية والاستدامة الاجتماعية.

السؤال الأهم.. هل تنجح الاحتجاجات في تغيير قواعد اللعبة؟

ما تشهده المدن الأوروبية اليوم ليس مجرد صراع على المساحات، بل نقاش أعمق حول مستقبل الحواضر، وأي نموذج اقتصادي يجب أن يحكمها. فهل تنجح الاحتجاجات في فرض نموذج أكثر إنصافًا وتوازنًا؟ أم أن منطق السوق سيستمر في الهيمنة على معادلة السياحة العالمية؟.

اقرأ أيضًا: السياحة العالمية تتنعش، 300 مليون سائح في الربع الأول من 2025 والإيرادات تقفز 15%

Short Url

showcase
showcase
search