من الحديد إلى الخيال، المدن العربية بين ثورتين صناعيتين
الجمعة، 13 يونيو 2025 06:25 م

المدن الذكية
في بدايات القرن الحادي والعشرين، حين نهضت المدن العربية على وقع التنمية، كانت المصانع وأفران الصهر وأعمدة الدخان هي الشاهد الأوضح على نهضة العصر الصناعي، آنذاك، كانت ضوضاء الآلات بمثابة النشيد الوطني للتنمية، وكان الحديد والصلب مرادفًا للقوة والتقدم.

لكن المشهد تغير، في العقد الثاني من الألفية، أطلت الثورة الصناعية الرابعة، جالبة معها الأتمتة الشاملة، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، وبينما ركبت مدن العالم هذه الموجة، بقيت أخرى على أرصفة المصانع التقليدية، تراقب وتحلم.
المدن صارت تفكر لا تُنتج فقط
الثورة الصناعية الرابعة لم تُحدث مجرد قفزة تقنية، بل أعادت صياغة خريطة المدن الصناعية العالمية، شنتشن وميونيخ وسيول، تحولت إلى رموز للذكاء الصناعي والتحول الرقمي.
في المقابل، برزت السعودية كقوة إقليمية تتطلع للعالمية من خلال رؤية 2030 التي جعلت الرقمنة والذكاء الاصطناعي في صلب استراتيجياتها التنموية.
الرياض تبنت الحوكمة الرقمية، ونيوم أطلقت مشروع أوكساچون، المدينة الصناعية العائمة، كأحد أبرز تجارب الثورة الصناعية الخامسة في العالم.
لم تكن الإمارات أيضًا بعيدة المنال عن كل ذلك، حيث لم تكتفي بمواكبة التحول، بل سبقت الجميع بتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم، وأطلقت دبي وأبوظبي شراكات متقدمة مع عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون.
اقرأ أيضًا:
سوق المدن الذكية، ثورة تكنولوجية واقتصادية تُعيد تشكيل الحضرية العالمية
الثورة الصناعية الخامسة.. حين تتقدم الإنسانية الصناعية
ما يميز الثورة الصناعية الخامسة عن سابقتها هو تحول مركز الثقل من هندسة الإنتاج إلى هندسة الإنسان، إنها ثورة تعيد الاعتبار للقيم، وتضع الإنسان لا فقط الآلة في قلب العملية الإنتاجية.
مدن مثل طوكيو وكوبنهاجن دخلت هذا المستقبل من بابه العريض، الأولى طورت بنى رقمية حضرية لخلق تجارب حياتية مدمجة بالذكاء الاصطناعي، والثانية تصدرت مؤشرات المدن الذكية المستدامة، وفق تقرير IESE Cities in Motion 2023، بفضل مقاربتها التفاعلية بين الإنسان والتكنولوجيا.

نيوم الحلم القادم الذي يتم هندسته
نيوم، وبالأخص مشروع أوكساچون، لم تعد مجرد مدينة ذكية، بل منصة صناعية تخيلية تعيد رسم مستقبل الصناعة عالميًا.
فهي لا تطبق مفاهيم الثورة الصناعية الخامسة فقط، بل تسعى لتصدير نموذج جديد للمدن، حيث تتلاقى الاستدامة، والتوأم الرقمي، والذكاء الصناعي، في منظومة إنتاجية ذات وعي بيئي وإنساني.
اقرأ أيضًا:
تويوتا تتجه للمدن الذكية بتطوير «ووفن سيتي» عند سفح جبل فوجي
المدن العربية بين الإمكان والواقع
لكن رغم الطموحات والتجارب الملهمة، لا تزال معظم المدن العربية تواجه تحديات حقيقية أمام التحول الكامل إلى الثورة الصناعية الخامسة، من فجوة رقمية إلى نقص في المهارات، إلى تشريعات غير محدثة، تبقى الطريق وعرة.
ومع ذلك هناك نافذة أمل، فالشباب العربي يملك قابلية فطرية للتكيف الرقمي، كما تتوفر الموارد الاقتصادية والطاقات البشرية القادرة على التحول بشرط وجود إرادة سياسية ورؤية استراتيجية.

خارطة طريق للمستقبل
للعبور من الماضي الصناعي إلى المستقبل الرقمي الإنساني، تحتاج المدن العربية إلى ما هو أكثر من تمويل وبنية تحتية، وتحتاج إلى هندسة فكر جديدة:
- برامج شراكة تدريبية مع قادة المدن الذكية.
- اعتماد التوأم الرقمي في المصانع والخدمات.
- تشريعات رقمية لحوكمة البيانات.
- استراتيجيات استدامة تربط البيئة بالاقتصاد.
- تمكين مجتمعي يتجاوز البعد التقني إلى الإنساني.
اقرأ أيضًا:
جيه إل إل وهانيويل يقدمان رؤى لبناء مدن ذكية أكثر فعالية في تقرير جديد
الصناعة لم تعد صلابة حديد بل مرونة خيال
في زمن الثورة الصناعية الخامسة، لا يُقاس التقدم بعدد المصانع، بل بقدرة المدن على الحلم، وعلى كسر القوالب التقليدية لإعادة تعريف الصناعة، فالصناعة اليوم لا تُورث بل تُنتزع بالخيال.
إنها لحظة فارقة في تاريخ المدن العربية، في لحظة لا تطلب تقليد الآخرين، بل ابتكار تجربة خاصة بها، جذرية في فهمها، عميقة في إنسانيتها، وشجاعة في سردها.
فالمدن التي تملك الجرأة لإعادة تعريف الصناعة، لن تكتفي بكتابة مستقبلها، بل ستجعل المستقبل نفسه جزءًا من قصتها.
Short Url
ترامب يعيد إحياء الطاقة النووية، رهان محفوف بالمخاطر وسط طفرة الذكاء الاصطناعي
13 يونيو 2025 09:41 م
الجنرال الخفي، كيف يحكم الذكاء الاصطناعي ميدان الحرب واقتصادها؟
13 يونيو 2025 03:49 م
الشرق الأوسط يترنّح تحت الضربات، فهل نشهد ولادة نظام إقليمي جديد؟
13 يونيو 2025 02:20 م


أكثر الكلمات انتشاراً