الخميس، 12 يونيو 2025

07:39 م

من هارفارد لـ«إمبراطورية رقمية»، ميتا تُعيد تشكيل اقتصاد العالم

الأربعاء، 11 يونيو 2025 12:08 م

شركة ميتا

شركة ميتا

تحليل/ ميرنا البكري

هناك لحظات نادرة تُغيّر شكل الكوكب كله، لا بصوت انفجار ولا بحروب، بل بقرار صغير في مكان غير متوقع. من بين هذه اللحظات، كانت تلك التي جلس فيها شاب يُدعى مارك زوكربيرج في غرفة سكنه بجامعة هارفارد عام 2004، عندما قرر أن يطلق “Facebook”، من مجرد أداة بسيطة لربط طلبة الجامعة، تحول هذا الموقع لإمبراطورية اسمها الآن  "ميتا"، تمتلك وتدير حياتنا الرقمية بالكامل دون أن نشعر.

لكن السؤال الأهم هنا: ما الذي حدث اقتصاديًا؟ كيف وصلت شركة واحدة إلى هذا القدر من النفوذ؟ وهل ميتا مازالت تقود العالم؟ أم أننا ندخل على نهاية عصرها؟ هذا الذي نوضحه في هذا التحليل.

ميتا وسنوات من الهيمنة الاقتصادية الرقمية

ميتا ليس موقع تواصل فقط، بل أداة نفوذ اقتصادي ضخمة، عندما بدأ زوكربيرج فيسبوك، كانت لديه نظرة أبعد من مجرد موقع "تواصل اجتماعي"، فهو كان يبني بنية تحتية رقمية جديدة للاقتصاد العالمي.

ميتا لديها أكثر من 3 مليار مستخدم نشط على منصاتها (فيسبوك، إنستجرام، واتساب، وثريدز). هذا يعني إن بيانات الأفراد وسلوكهم على المنصات تحولت لسلعة اقتصادية، تُباع للمعلنين وبتم استخدامها لتوجيه قرارات اقتصادية وسياسية.

ووصلت أرباح ميتا من الإعلانات الرقمية لعشرات المليارات سنويًا. أي أن الناس تشاهد وتتفاعل، والشركة تحول ذلك لأموال، وهو ما جعل ميتا جزء أساسي من اقتصاد الإعلان العالمي.

فيسبوك تنفق 24 مليون دولار على حماية مارك زوكربيرج | البوابة التقنية
مارك زوكربيرج

الاستحواذات الذكية، كتالوج السيطرة على السوق

ما فعلته ميتا في الاستحواذات يُدرس في كليات الاقتصاد، فقامت بشراء إنستجرام (2012) بمليار دولار، عندما كان يديره 13 موظفًا فقط، اليوم إنستجرام يجني مليارات من الإعلانات وأصبح محرك اقتصاد المؤثرين (influencers) في العالم.

وفي عام 2014، استحوذت فيسبوك على واتساب مقابل 19 مليار دولار، واليوم أصبح التطبيق يخدم أكثر من 2 مليار مستخدم حول العالم، ويتحول تدريجيًا إلى أداة رئيسية للتجارة الإلكترونية والتواصل بين الشركات والعملاء، أي ميتا لا تشتري منافسين فقط، بل قامت بشراء المستقبل أيضًا.

 

المحاكم والغرامات، حينما يزيد النفوذ عن الحد

هذه الهيمنة الكبيرة جلبت عدو جديد، وهو الحكومات، والآن ميتا تقف أمام لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية في واحدة من أخطر القضايا، حيث تتهمها السلطات بممارسات احتكارية تهدد المنافسة العادلة من خلال "الاستحواذات القاتلة".

وما يزيد الأمر خطورة هو احتمال تفكيك الشركة، فالحكومة الأمريكية تفكر  في فصل إنستجرام وواتساب عن ميتا، وإذا حدث ذلك سيكون نقطة تحول ليس للشركة فقط، لكن للاقتصاد الرقمي بأكمله، وبالتالي يفتح باب جديد للشركات الناشئة لتدخل المنافسة.

 

من فيسبوك لـ ميتا، الرهان الكبير على الميتافيرس

في أكتوبر 2021، قررت الشركة تغير اسمها لـ "ميتا" وتراهن على الواقع الافتراضي والميتافيرس، وذلك كان بمثابة: تحول اقتصادي ضخم واستثمارات بالمليارات في قطاع لا يزال تحت التطوير، وهذه مغامرة محفوفة بالمخاطر، فالمستثمرين لا يثقوا 100% في العوالم الافتراضية، وسوق المستهلكين يتقدم ببطء.

في حالة نجاح الميتافيرس، سيخلق اقتصاد موازي بالكامل من بيئة عمل، تعليم، ترفيه، لـ تسويق داخل عالم افتراضي. وإذا فشل؟ ستخسر ميتا مليارات وتتراجع أمام منافسين مثل أبل ومايكروسوفت.

 

اقرأ أيضًا: 

10 مليار دولار، مارك يطلق فريقًا جديدًا داخل «ميتا» لتحقيق قفزة في الذكاء الاصطناعي

دراسة لـ "إيجي إن" تكشف الجانب المظلم للميتافيرس

عطل كبير يضرب تطبيقات شركة ميتا في عدد من الدول - أصول مصر
العالم الافتراضي 

 

قرارات زوكربيرج الأخيرة، محاولة هروب للأمام؟

منذ بداية عام 2025، بدأ زوكربيرج يأخذ قرارات كبيرة، منها: إلغاء برنامج فحص الحقائق بحجة “الرقابة”، والعودة لـ"فيسبوك القديم" أي تركيز على التواصل الشخصي بدلًا من المحتوى السياسي أو التجاري، وتقليد نموذج إيلون ماسك في X من خلال  الاعتماد على المجتمع في تنظيم المحتوى بدلًا من الرقابة المركزية.

تتضمن هذه الخطوات مخاطرة سياسية واقتصادية، خاصة مع الانتخابات الأميركية وتزايد الضغط على شركات التكنولوجيا لتلعب دور في محاربة المعلومات المضللة.

 

الذكاء الاصطناعي، السلاح الجديد في يد ميتا

تركز ميتا الآن على دمج  الذكاء الاصطناعي في كل جوانبها، من الخوارزميات لإدارة المحتوى، حتى توليد الإعلانات بشكل آلي. لكن هناك قلق حقيقي، فهناك قرارات أخلاقية صعبة يتم إتخاذها آليًا، والموظفين أنفسهم خائفين من تقليل دور البشر. فهل ميتا تتحول من شركة تكنولوجيا لشركة "تحكم خوارزمي"؟ وهل ذلك يجعلنا نشعر بالأمان؟ أم العكس؟

 

اقتصاد التأثير، ميتا تتحكم في قراراتنا اليومية

أخطر نقطة في هذه القصة كلها هي أن ميتا لا تقدم خدمة فقط، بل تشكل تفكيرنا، وتقرر ما الذي يصل لنا وما الذي لا يصل، وتخلق ترندات وتسوق منتجات دون أن نشعر، وذلك يؤثر على السياسة والانتخابات وقرارات المجتمع، أي الذي بدأ  كـ"فكرة بسيطة لربط طلاب الجامعة" أصبح أقوى من الإعلام التقليدي والحكومات في بعض الحالات.

اقرأ أيضًا: 

«ميتا» تبحث استثمارًا قد يتجاوز 10 مليارات دولار في سكيل إيه.آي

ختامًا، تعتبر “ميتا” أكبر من مجرد شركة، فهي رمز للتحول الرقمي الكامل للبشرية. ولكن هذه السلطة لها ثمن، سواء قانوني أو اجتماعي أو أخلاقي، وإذا استمرت على نفس الطريق، قد تسبق العالم بخطوة، ولو أخطأت، فالتفكيك أو التراجع سيكون عقابها.

المؤكد أن القصة لم تنتهِ بعد، وأن مارك زوكربيرج، سواء اعتبره البعض "عبقريًا" أو وصفه آخرون بـ"المحتكر"، سيظل له دور محوري في رسم ملامح المستقبل الرقمي للعالم.

Short Url

showcase
showcase
search