الأربعاء، 04 يونيو 2025

06:55 ص

بين الدبلوماسية والتجارة، سويسرا توازن المخاطر في ظل التصعيد الأمريكي

الإثنين، 02 يونيو 2025 02:08 م

سويسرا

سويسرا

تحليل/ ميرنا البكري

في وسط عالم اقتصادي مليء بالتوترات تجارية والرسوم جمركية ومفاجآت سياسية، يأتي خبر نمو الاقتصاد السويسري بنسبة 0.8٪ في الربع الأول من 2025 كإنه نفحة هواء نظيف. لكن عند الغوص قليلًا في التفاصيل، نكتشف إن السبب ليس "انتعاشة داخلية" فقط، لكن أيضًا تحركات ذكية واستباقية من الشركات السويسرية في مواجهة "رسوم ترامب" الجديدة.

وذلك الذي نوضحه بالتفصيل في هذا التحليل، كما سنوضح السبب خلف هذا النمو، وهل هذا النمو مستدام؟ وقدرة التوتر التجاري مع أمريكا على خلق موجة تصدير ضخمة، وما الذي قد يحدث في النصف الثاني من العام؟

صادرات سويسرية، جري قبل الصافرة

المفاجأة الكبرى إن الصادرات السويسرية لأمريكا زادت بنسبة 17.4٪ في 3 شهور فقط، وهذا رقم ضخم جداً مقارنة بالزيادة العامة في الصادرات (3.6٪ فقط). والسبب؟ بسيط للغاية الشركات السويسرية كانت تجري لتسلم شحناتها قبل أن تبدأ الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة.

أي نستطيع أن نقول إن أمريكا (بدون قصد) ساعدت الاقتصاد السويسري يحقق نمو استثنائي في بداية العام، وذلك بسبب التغير المفاجئ في سياسة الرسوم التي فرضها ترامب، والتي جعلت الشركات تتصرف بسرعة قبل أن تتحمل تكلفة أكثر.

سويسرا والولايات المتحدة: علاقات ملتبسة على مر التاريخ
العلاقة بين أمريكا وسويسرا

ليس التصدير وحده، الخدمات قالت كلمتها

اللافت أيضًا إن النمو لم يكن معتمد على الصادرات فقط، لكن قطاع الخدمات لعب دور داعم وقوي في دفع النمو. وهذا يعني إن هناك نشاط اقتصادي داخلي يعمل جيدًا، مما يقلل من مخاوف إن الاقتصاد سيكون معتمد على السوق الأمريكي فقط.

أي النمو ليس "فقاعة تصدير"، لكن هناك طلب داخلي حقيقي يسند الاقتصاد، وذلك مؤشر صحي يجعل الصورة أكثر توازناً.

رسوم ترامب، سلاح ذو حدين

رغم إن الرسوم الجمركية كانت عامل دفع مؤقت، والحقيقة إنها أيضًا تمثل تهديد ضخم إذا استمرت أو زادت مرة أخرى. الإدارة الأمريكية بدأت برسوم 31٪ على الواردات السويسرية، قبل تخفيضها مؤقتاً لـ 10٪.

مما يجعل الوضع معلق في الهواء أكثر، هل المفاوضات التجارية ستنجح ويتم تثبيت الرسوم على نسب منخفضة؟
أم ستتجدد الحرب التجارية مرة أخرى؟ إذا السيناريو  حدث مرة أخرى، التوقعات تقول إن النمو في النصف الثاني قد يهبط أو يتأثر سلباً، خصوصاً إن لا أحد  يستطيع أن يقوم بـ "شحن استباقي" للأبد.

اقرأ ايضًا: 

زيارة وتسريح عمال.. أوروبا ترد بالفعل على “رسوم ترامب الجمركية”

سويسرا تكسب مع الوقت، لكن بحذر 

إذا نظرنا على متوسط النمو الطبيعي للاقتصاد السويسري الذي يكون حوالى 0.4٪  نجد إن أداء الربع الأول (0.8٪) هو ضعف الرقم المعتاد. وذلك نجاح واضح، لكنه ليس بالضرورة مستمر بنفس الوتيرة.

أي باختصار، الأداء الحالي ممتاز، والسبب الأساسي "مؤقت" (شحن استباقي بسبب الرسوم)، والاقتصاد الداخلي و(الخدمات) تعطي دعم إضافي، لكن الاستدامة مرهونة باستقرار العلاقة مع أمريكا.

ترامب يدافع عن قرار منع تسجيل الطلاب الأجانب في جامعة هارفرد
دونالد ترامب

توقعات للنصف الثاني من 2025

إذا استمرت الرسوم على وضعها المنخفض أو تم التوصل لحل شامل، قد نرى:

1.استقرار في الصادرات (حتى لو لم تكن بنفس الطفرة الحالية).

2.اعتماد أكثر على السوق الأوروبي والآسيوي لتقليل الضغط الأمريكي.

3.استمرار الخدمات في دعم النمو، خصوصاً مع تحسن ثقة المستهلك.

لكن إذا ارتفعت الرسوم مرة أخرى، الضغط هسينتقل من السياسة للتجارة ومن التجارة للنمون ووقتها قد نرى، انخفاض في الصادرات لأمريكا، وتباطؤ في الناتج المحلي، وتحركات من البنك الوطني السويسري لتحفيز الاقتصاد (مثل خفض الفائدة أو تدخل في العملة).

النتائج التي نستطيع أن نخرج بها من المشهد السويسري

1.الرسوم الجمركية الأمريكية أصبحت جزء من اللعبة الاقتصادية العالمية، وليس  أداة عقاب سياسي.

2.التجارة الذكية والتحرك الاستباقي يستطيع يخلق فرص نمو حتى في ظروف صعبة.

3.الاقتصاد السويسري مرن ومتنوع، ويستطيع أن يوازن بين التصدير والخدمات.

4.السياسات الأمريكية أصبحت سبب مخاطرة عالمي، ليس  على الدول النامية لكنأيضًا على الاقتصادات المستقرة مثل سويسرا.

5.الاعتماد على سوق واحدة (مثل أمريكا) أصبح مخاطرة، والشركات الأوروبية لابد أن توسع أسواقها أكثر.

ختامًا، ما حدث في سويسرا هو درس في "السرعة"، وليس في "السلامة". لكن الشركات التي تحركت بسرعة، كسبت قبل أن تلعب الرسوم لعبتها. لكن المدى البعيد مازال به علامات استفهام.

الاقتصاد السويسري يقول إن النمو لا يأتي دائمًا من الرخاء، وأوقات يأتي من المرونة ورد الفعل السريع. لكن هل تستطيع سويسرا أن تحافظ على هذا النمو إذا غيرت أمريكا قواعد اللعبة مرة أخرى؟ ذلك ما نعرفه في الربع الثاني من عام 2025.

Short Url

search