الإثنين، 26 مايو 2025

01:51 ص

"دولار ترامب" عملة عالمية في مهب السياسات لا الرياح الاقتصادية

الأحد، 25 مايو 2025 08:55 م

ترامب والدولار

ترامب والدولار

تحليل/ كريم قنديل

في عالم المال، لطالما شكل الدولار الأميركي ركيزة النظام النقدي العالمي، عملةً لا تضاهى من حيث القبول والثقة والسيولة، لكن عودة دونالد ترامب إلى السلطة، أطلقت سلسلة من التحولات الجذرية في طبيعة العلاقة بين الدولار ومكانته كعملة احتياط عالمية.

فلم يعد الدولار، كما كان في الماضي، يعكس فقط متانة الاقتصاد الأميركي، بل أصبح مرآة تعكس تذبذب السياسة الأميركية، وتقلب قرارات قيادتها، حيث منذ الإعلان عن تعريفات جمركية شاملة على جميع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، أُصيب المستثمرون بالذعر، وبدأت ملامح الشك تتسلل إلى سوق العملات العالمية، فهل دخل الدولار مرحلة جديدة من الهشاشة الهيكلية؟ وهل باتت قيادته للعالم المالي ترتكز على غياب المنافس، لا على تفوقه الفعلي؟

الدولار الأمريكي ينزلق مع هدوء التداولات قبل تنصيب ترامب - جريدة البورصة
الدولار

اقرأ أيضًــا:

الصين تحفر قبر الدولار.. اربطوا أحزمة الأمان، صراع القرن يبدأ الآن

سعر الدولار أمام الجنيه المصري في بداية تعاملات اليوم الأحد 25 مايو 2025

قوة الأمس وشكوك اليوم

في خريف عام 2024م كان الدولار في ذروة تألقه، مدعومًا بأداء اقتصادي قوي، وتراجع متسارع في التضخم، وسوق عمل حيوية، وقتها ارتفعت قيمته بنسبة تقارب 10%، مدفوعًا بتفاؤل المستثمرين العالميين تجاه مستقبل الاقتصاد الأمريكي. 

لكن هذا التفاؤل كان هشًا، فسرعان ما تلاشى تحت وطأة السياسات الشعبوية التي عاد بها ترامب إلى البيت الأبيض، فسياسة أميركا أولًا أخذت منحى أكثر عدائية في نسختها الثانية، إذ لم تكتفي الإدارة الجديدة بتوجيه تهديدات تجارية، بل شرعت في تنفيذ إجراءات جمركية شاملة، أربكت أسواق السلع وأضعفت الثقة بالتجارة الحرة، وأثارت تساؤلات وجودية حول موقع الولايات المتحدة كزعيم اقتصادي عالمي.

لماذا ارتفع الدولار بعد فوز ترامب؟
الدولار الأميركي

 

الملاذ الآمن يفقد بريقه

وتاريخيًا، كان الدولار يُعد ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات، والملجأ الأول للمستثمرين الهاربين من تقلبات الأسواق الناشئة أو أزمات النظام المصرفي الأوروبي، لكن رد فعل الأسواق على قرارات ترامب الأخيرة، كشف تحولًا مقلقًا، فالمستثمرون لم يهرعوا إلى الدولار، بل إلى الذهب، وسندات الحكومة اليابانية، وحتى إلى أدوات مالية أوروبية رغم ما تعانيه من أزمات.

وهذه التحولات تدل على تراجع الثقة بالعملة الأمريكية كوسيلة تحوط، وهو أمر مقلق في ظل تنامي المخاوف من أن استمرار السياسة الحمائية، قد يدفع الاقتصاد الأمريكي نحو ركود تقني، أو على الأقل نحو تباطؤ نمو طويل الأمد.

اقرأ أيضًــا:

تهديدات جمركية جديدة من ترامب تربك أسواق المال والدولار

4 أسباب تقود الجنيه لمواصلة تفوقه، توقعات بانخفاض سعر الدولار في مصر

هشاشة مؤسسية تهدد الاستقرار المالي

الأخطر من الأثر المباشر على الأسواق، هو الضرر الذي تُلحقه إدارة ترامب بالإطار المؤسسي للنظام المالي الأميركي، فالرسائل المتكررة التي تُبث من البيت الأبيض حول ضرورة إضعاف الدولار، والتصريحات التي تُشكك في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، تقلص من الجاذبية طويلة الأمد للدولار كعملة احتياط.

فعملة أي دولة لا تُقاس فقط بقوة اقتصادها، بل بثقة الأسواق في حيادية مؤسساتها واستقرار قراراتها، والدولار اليوم يخسر بعضًا من هذا الرصيد، بسبب شخصنة القرارات الاقتصادية، وربط السياسات النقدية بأجندات انتخابية أو قومية ضيقة.

العالم يغرق في الديون.. كم تبلغ حصة المصريين؟ - تليجراف مصر
الديون المرتفعة

 

ديون مرتفعة ومستقبل غامض

وعلى الجانب الآخر، تدفع الإدارة الجديدة نحو إنفاق حكومي متزايد، في ظل ارتفاع أصلًا في حجم الدين الفيدرالي الأميركي، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط على سوق السندات وارتفاع العوائد المطلوبة لتمويل الحكومة. 

وهذا الواقع يُربك الاحتياطي الفيدرالي ويُهدد بتقويض أدواته في السيطرة على التضخم، دون دفع الاقتصاد إلى الكساد، وقد بدأت الأسواق بالفعل في إعادة تسعير سندات الخزانة، ليس فقط وفق توقعات التضخم، بل وفق التوقعات السياسية غير المستقرة، وهو مؤشر سلبي للدولار على المدى المتوسط.

اقرأ أيضًـــا:

من يتصدر ترتيب العملات العالمية؟ مفاجآت تزيح الدولار عن القمة في 2025

خبير يكشف لـ"إيجي إن" دور الحكومة والسياسة النقدية في انخفاض سعر الدولار

بدائل باهتة لا تهديدات حقيقية

ورغم هذا المشهد الضبابي، لا يبدو أن هناك عملة منافسة تملك القدرة على إزاحة الدولار عن عرشه، فالصين رغم صعودها الاقتصادي، ما زالت تُقيد حركة رأس المال وتعاني من انعدام الشفافية المالية، ما يُضعف من مكانة اليوان كبديل حقيقي. 

أما منطقة اليورو، فهي ترزح تحت أزمات داخلية سياسية وشعبوية، تُهدد وحدة قرارها المالي، ناهيك عن تباطؤ النمو وارتفاع عجز الميزانيات في عدد من دولها الأساسية، وحتى الين الياباني، برغم مكانته كملاذ آمن، لا يمكن أن يُشكل محورًا لنظام نقدي عالمي، نظرًا لضيق سوقه المالية وتراجع حجم الاقتصاد الياباني مقارنةً بنظرائه.

ما هو التنبؤ المالي وأساليبه وأهم خطوات تنفيذه
العالم المالي

 

العالم المالي بلا بديل حتى إشعار آخر

بالمحصلة، قد يبدو أن دولار ترامب فقد كثيرًا من بريقه، لكنه لا يزال الأقل سوءًا بين جميع الخيارات المتاحة، فالتحول عن الدولار عملية معقدة، تتطلب سنوات من إعادة بناء الثقة، وتوسيع أسواق بديلة قادرة على استيعاب حجم السيولة العالمية.

لكن هذا لا يمنع من القول إن هيمنة الدولار دخلت مرحلة جديدة، عنوانها القلق المتزايد والاعتماد على غياب المنافس، لا على التميز المطلق، فإذا استمرت السياسات الاقتصادية الأمريكية في السير على خطى القرارات قصيرة النظر، فقد نجد أنفسنا أمام نظامٍ مالي عالمي، يبحث عن بدائلَ حقيقية، ولو تدريجيًا.

Short Url

search