الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اقتصاد في مفترق طرق ومستقبل غامض
الأحد، 25 مايو 2025 08:41 م

الشرق الأوسط
كريم قنديل
في الوقت الذي تترنح فيه اقتصادات العالم تحت وطأة التباطؤ العالمي وعدم اليقين، تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عند مفترق طرق حرج، فالضبابية ما زالت تُخيم على المشهد الاقتصادي، وسط تعقيدات جيوسياسية، وتحديات هيكلية عميقة، وإصلاحات لم تبلغ بعد مستوى الطموحات، وبينما تظهر مؤشرات خجولة للتعافي، لا يزال الطريق طويلًا وشاقًا.

نمو متواضع وسط عواصف عالمية
وبحسب أحدث تقديرات البنك الدولي، بلغ متوسط النمو في المنطقة نحو 1.9% خلال عام 2024م، وهو رقم يعكس عمق التحديات القائمة، من آثار الصراعات إلى تقلبات أسواق الطاقة، والتباطؤ في الاقتصاد العالمي.
ويتوقع التقرير تسارعًا طفيفًا في وتيرة النمو إلى 2.6% في 2025م، ثم إلى 3.7% في 2026م، لكن هذه التوقعات محاطة بكثير من التحفظ، في ظل تغيرات مستمرة في ديناميكيات التجارة والتضخم وأسعار النفط.
الاقتصادات المتأثرة بالنزاعات لا تزال في حالة هشاشة، فيما يعرقل غياب الاستقرار السياسي والضعف المؤسسي جهود التعافي، وقد أفضت هذه الأزمات المتداخلة إلى تراجع مستويات المعيشة، وإذ لا يتجاوز نصيب الفرد من الاستهلاك 19% فقط من نظيره في الدول النظيرة، ويعود ذلك جزئيًا إلى ضعف إنتاجية عوامل الإنتاج، والتي تساهم بنحو ثلث إلى نصف هذه الفجوة.

القطاع الخاص هو المحرك الغائب
وفي خضم هذا الواقع، تتجه الأنظار إلى القطاع الخاص بوصفه رافعة محتملة للنمو، لكنه لا يزال في وضعية أقرب إلى الجمود، فالمؤشرات تُظهر ضعفًا في نمو إنتاجية العمل، وقلة في عدد الشركات التي تستثمر أو تبتكر، إضافة إلى معدلات دخول وخروج منخفضة في الأسواق، كما يتضح وجود فجوة هيكلية بين القطاع الخاص الرسمي المحدود، والقطاع غير الرسمي واسع الانتشار.
ورغم تحسن مستويات التعليم، يبلغ معدل إتمام التعليم الإعدادي نحو 70% في المنطقة، إلا أن الاستثمار في رأس المال البشري، لا يزال دون المستوى، والنساء، على سبيل المثال، مستبعدات بدرجة كبيرة من سوق العمل، ما يُهدر طاقات هائلة كان يمكن أن تُحدث فرقًا في النمو والتماسك الاجتماعي.
اقرأ أيضًا:
طيران الشرق الأوسط وأفريقيا، تحليق اقتصادي نحو المستقبل وسط منافسة عالمية شرسة
سباق العملاقة، من يقود التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط
أدوار جديدة للدولة والشركات
الواضح أن التحول المطلوب لا يقتصر على تحفيز القطاع الخاص فحسب، بل يتطلب أيضًا إعادة تعريف لدور الدولة، فالحكومات في المنطقة مدعوة لإعادة النظر في سياساتها الاقتصادية، خصوصًا تلك المتعلقة بتنظيم الأسواق، وتعزيز المنافسة، وتحقيق تكافؤ الفرص بين الشركات الخاصة وتلك المملوكة للدولة.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن تهيئة بيئة أعمال مواتية، قائمة على الشفافية والسياسات المبنية على الأدلة، سيكون لها أثر مباشر في إطلاق إمكانات النمو الكامنة، وهذا يشمل أيضًا تقييمًا مستمرًا للسياسات الصناعية، لضمان فعاليتها في تحفيز الابتكار والإنتاجية، لا سيما في وقت باتت فيه سلاسل التوريد العالمية والتقنيات الرقمية، تعيد رسم قواعد اللعبة الاقتصادية.
على الجانب الآخر، تحتاج الشركات في المنطقة إلى تطوير قدراتها الذاتية، من خلال تحسين الحوكمة الداخلية، وتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا ورأس المال البشري، وتبنّي ممارسات مرنة تُتيح لها التكيف مع الصدمات، سواءً كانت ناتجة عن النزاعات أو التغيرات المناخية.

المرأة.. طاقة مهدورة وفرصة للنهوض
أحد أبرز الموارد غير المستغلة في اقتصادات المنطقة هو الطاقة النسائية، فتمكين النساء اقتصاديًا لا يعني فقط تحقيق العدالة الاجتماعية، بل هو أيضًا ضرورة تنموية.
ومشاركتها في سوق العمل قادرة على دفع عجلة النمو، وتعزيز الاستقرار المالي للأسر، وزيادة القاعدة الضريبية، وتحفيز الابتكار، خصوصًا في قطاع ريادة الأعمال الذي بدأ يشهد نماذج نسائية لافتة، في بعض دول الخليج والمغرب العربي.
اقرأ أيضًا:
6 سيدات يتربعن على قائمة الأغنى في العالم، إحداهن من الشرق الوسط
الصين في الشرق الأوسط، صعود التنين في ساحة النفوذ الأمريكي
تفاؤل حذر ومسار يتطلب شجاعة
ورغم الصورة القاتمة في بعض جوانبها، إلا أن هناك أسبابًا تدعو للتفاؤل المشوب بالحذر، فالإصلاحات الجزئية التي بدأت بعض الحكومات في تنفيذها، وعودة الاستقرار النسبي في بعض الدول، وارتفاع الوعي بأهمية التنويع الاقتصادي، كلها عوامل يمكن أن تُمهد لتحول تدريجي.
لكن يبقى الشرط الأساسي لتحقيق هذا التحول هو الإرادة السياسية الجادة، والشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب إشراك المجتمع المدني، وتمكين الشباب والنساء، وتبني نماذج تنموية أكثر شمولًا وعدالة.
فالمنطقة لا تفتقر إلى الإمكانات، بل إلى حُسن إدارتها، وما بين الهشاشة والفرص، تبقى الكلمة الأخيرة لمن يملك الشجاعة للخروج من دوائر الراحة إلى مساحات الإصلاح الحقيقي والمستدام.
Short Url
"روكس موتور"، ريادة صناعة التنقل الذكي والمستدام في الإمارات
25 مايو 2025 12:37 م
من حماية البيئة لـ الغاز، الاقتصاد يكسب والمناخ يخسر
25 مايو 2025 12:12 م
بين العقوبات والدبلوماسية الشعبية، واشنطن تراهن على إسقاط النظام الكوبي
24 مايو 2025 11:47 ص


أكثر الكلمات انتشاراً