العالم على صفيح ساخن، أربع قضايا كبرى تفسر الاضطراب الراهن 2025
السبت، 10 مايو 2025 11:03 ص

الاضطراب العالمي
تحليل/ كريم قنديل
“في أزمنة الاضطراب، لا يكمن الخطر في الاضطراب ذاته، بل في أن نتصرف بمنطق الأمس” هكذا وصف بيتر دراكر المأزق المعاصر، وكأنه يصف حال الاقتصاد العالمي في عام 2025.
_1787_095831.jpg)
فمع دخول العام الجديد، سجل مؤشر عدم اليقين العالمي قفزة صادمة، متجاوزًا حاجز الـ50 ألف نقطة في نهاية مارس في سابقة لم نشهد مثلها منذ جائحة كورونا، ورغم غياب حدث جلل بعينه، تبدو الأجواء كأن العالم كله يتحسس من خطر غير مرئي، لكنه محسوس في كل قرار اقتصادي واستثماري، فهل أصبح الغموض هو القاعدة الجديدة؟
الحروب الاقتصادية تُربك المشهد
السياسات التجارية لم تعد مجرد قوانين منظمة للتبادل، بل تحولت إلى أدوات صراع تستعرض بها الدول عضلاتها، في مطلع 2025، أطلقت واشنطن تعريفات متعددة في الحرب التجارية، معلنة تعريفات شاملة بنسبة 10% على الواردات، في خطوة هزت ثقة المستثمرين قبل أن تطبق فعليًا.
النتيجة؟ هرع المستوردون لإتمام صفقاتهم قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ، فشهد الربع الأول نشاطًا زائفًا، سرعان ما انطفأ، مؤشر شنغهاي للشحن تهاوى بـ40% خلال نفس الفترة، وتوقعات بانخفاض أرباح الشحن بـ80% في 2025، وفق شركة Sea Intelligence.
لكن الضرر لم يتوقف عند الأرقام، سلاسل التوريد العالمية، التي لطالما كانت أعمدة الاستقرار، بدأت تعيد تشكيل نفسها على وقع ما يُعرف باستراتيجية "الصين +1"، بحثًا عن ملاذات بديلة، وإن كانت أقل كفاءة.
أما الأسواق الناشئة، فدُفعت إلى الزاوية، تترنح أمام تقلبات خارجة عن سيطرتها، وتُجبر على البحث عن عمق إقليمي يحميها من عواصف الغرب والشرق.

البنوك المركزية تتأرجح فوق هاوية الشك
هل نكبح التضخم أم نحمي النمو؟ هذا هو السؤال الذي يُلازم صُناع القرار النقدي، وهم يراقبون مؤشرات هشة تتحرك بين الازدهار والانكماش، في واشنطن وبروكسل وطوكيو، تَكثُر الإشارات، وتقل التوجيهات.
وفي الأسواق؟ المؤشر الأشهر للتقلبات، VIX، ارتفع إلى ثالث أعلى مستوى في تاريخه عند 52.33 نقطة، المستثمرون باتوا يراقبون كل كلمة صادرة عن الفيدرالي كما يراقب الجراح نبض مريضه في غرفة العمليات.
المخاوف لم تعد نظرية، أزمة ديون محتملة تلوح في الأفق، حيث ترزح الشركات والحكومات تحت ثقل قروض تضخمت خلال حقبة الفائدة المنخفضة، ومع تذبذب أسعار الصرف ونزوح رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، يزداد القلق من شرارة قد تشعل أزمة جديدة، تكرر دروس 2008 ولكن بثوب معولم أكثر هشاشة.
من أوكرانيا إلى تايوان، المشهد متفجر
لم يعد خطر الصراعات الجيوسياسية في هامش الأخبار الاقتصادية، بل انتقل إلى صدر الصفحة الأولى، الحرب في أوكرانيا، التي طالت أكثر مما توقع الجميع، تُعيد تشكيل سوق الطاقة والحبوب، وتربك الحسابات من أوروبا حتى إفريقيا.
وفي الشرق، الصين والولايات المتحدة تقتربان أكثر من حرب باردة جديدة، حيث بات الصراع على أشباه الموصلات والتقنية الاستراتيجية امتدادًا لنزاع النفوذ العالمي، كل توتر في مضيق تايوان يُسقط مؤشرات البورصات، وكل تصريح متشدد من واشنطن يُعيد رسم خريطة المخاطر العالمية.
والأخطر؟ تفكك التوافقات الداخلية، صعود الشعبوية في أوروبا، تغيرات الحكم في أمريكا، وتقلبات السياسات في الهند والبرازيل كلها تخلق مناخًا لا تُبنى عليه استراتيجيات طويلة المدى، بل تُولد فيه القرارات يومًا بيوم.
_1787_095749.jpg)
العولمة الجديدة.. تفكك بلا إعلان رسمي
هل انتهى زمن العولمة كما عرفناه؟ يبدو أن النظام الليبرالي العالمي، الذي ساد لعقود، بدأ يتفتت دون أن نلاحظ، فالتحالفات تُعاد رسمها وفق اعتبارات جيوسياسية أكثر منها اقتصادية، الغرب يُعيد اكتشاف ذاته، والشرق يبني تكتلاته، والجنوب يراقب المشهد ويحاول النجاة من شظاياه.
لقد أصبحت سلاسل الإمداد، والتجارة، وحتى رؤوس الأموال، تُقيَّم اليوم بمنطق الأمن لا الكفاءة، عالم جديد يتشكل لكن دون خريطة واضحة، والنتيجة موجة غير مسبوقة من اللايقين، لا تخص الحكومات وحدها، بل تُلامس كل مستثمر، كل شركة، وكل أسرة تفكر في الغد.
نحن لا نعيش أزمة واحدة، بل عالمًا بأكمله يتغير في وقت واحد، ما بين الحروب التجارية، والتقلبات النقدية، والتوترات الجيوسياسية، وملامح نظام عالمي جديد، بات عدم اليقين ليس مجرد مؤشر، بل طريقة حياة.
ففي هذا العالم المتقلب، لم تعد الإجابات هي ما يهم، بل القدرة على طرح الأسئلة الصحيحة، والسؤال الأكبر: هل نستطيع التكيف قبل أن تُغير اللعبة قواعدها مرة أخرى؟
Short Url
اشتباك على ضفاف السند، معركة الهند وباكستان على الأمن المائي
10 مايو 2025 04:34 م
بنسبة 13.5%، ما الأسباب وراء ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر خلال أبريل 2025؟
10 مايو 2025 01:01 م
من البطاريات للثورة الصناعية، من يلحق بسباق الطاقة؟
08 مايو 2025 05:16 م


أكثر الكلمات انتشاراً