قوارب اليأس تواجه جدران الذكاء الاصطناعي، هل انتهى عصر الهجرة إلى أوروبا؟
السبت، 03 مايو 2025 03:55 م

الهجرة غير الشرعية
تحليل/ كريم قنديل
بين نيران الأزمات الأمنية وموجات الهجرة غير النظامية، تسير أوروبا على خيط رفيع في محاولتها لإعادة تشكيل سياساتها تجاه اللجوء والهجرة، لكن خلف هذا المشهد السياسي المحتدم، تقبع حقائق اقتصادية صامتة، تحمل في طياتها إجابات معقدة لسؤال بات وجوديًا، هل تمثل الهجرة تهديدًا أم فرصة لأوروبا؟

المهاجرين غير الشرعيين في الدول المتقدمة
في مشهد يعكس تحوّلات كبرى في حركة البشر عبر الحدود، تسجل الدول المتقدمة أرقامًا غير مسبوقة في عدد المهاجرين غير الشرعيين، حيث تقف الولايات المتحدة على رأس القائمة بـ11 مليون شخص، تليها بريطانيا بـ674 ألفًا، ثم ألمانيا بـ650 ألفًا، ما يكشف عن ضغوط هائلة تتعرض لها أنظمة الهجرة والأمن الاجتماعي في هذه الدول.
وهذه الأرقام لا تمثل فقط أزمة سياسية، بل أيضًا ظاهرة اجتماعية واقتصادية معقدة، تغذيها الحروب، والفقر، وتغيرات المناخ، مقابل بحث محتوم عن حياة كريمة في الشمال العالمي.
وإيطاليا 485 ألف وإسبانيا 430 ألف في خط المواجهة الأول، باعتبارهما بوابتين بحريتين لأفواج القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط، بينما تعيش كندا، رغم موقعها البعيد، ضغوطًا متزايدة مع تسجيل 260 ألف مهاجر غير شرعي.
لكن القصة الأكبر ليست في الأرقام فقط، بل في صعود خطاب الغزو في الإعلام والسياسة، وما يرافقه من إجراءات أكثر تشددًا، وتحول الملاذ الآمن إلى منظومة مراقبة مشددة، تتقاطع فيها التكنولوجيا مع السيادة الوطنية.

استراتيجية أوروبية جديدة أم ترحيل للأزمة؟
وفي يونيو 2024م، أطلقت المفوضية الأوروبية خطة استراتيجية من 10 أجزاء، لتطبيق قواعد الهجرة واللجوء الجديدة بحلول عام 2026م، وهذه الخطة ليست مجرد تحديث إداري أو قانوني، بل تمثل تحوّلًا جذريًا في رؤية أوروبا للهجرة، يجمع بين الأدوات الرقمية، مثل نظام "يوروداك"، لتخزين بيانات طالبي اللجوء، والتقنيات الذكية كالذكاء الاصطناعي، مع تشديدات أمنية تعكس قلقًا متزايدًا، من تدفقات المهاجرين غير النظاميين.
لكن هذه الاستراتيجية تصطدم بعقبة جوهرية، التفاوت بين دول الاتحاد في المواقف من المهاجرين، فبينما تسعى دول مثل فرنسا وألمانيا لفرض سياسات متشددة، هناك دول أخرى تجد نفسها محاصرة جغرافيًا واقتصاديًا، تُجبر على استقبال أعداد متزايدة من اللاجئين دون موارد كافية، ما يعمق الانقسامات داخل التكتل الأوروبي.
الهجرة والنمو الاقتصادي
ومن الناحية الاقتصادية، لا يمكن تجاهل أن أوروبا تعاني من أزمة ديموغرافية، فبحسب البيانات، تسعى ألمانيا أكبر اقتصاد أوروبي، إلى جذب مزيد من الكفاءات الأجنبية لمواجهة نقص الكوادر المتخصصة، أكثر من 22 مليون شخص من أصول مهاجرة، يساهمون اليوم في تعزيز الاقتصاد الألماني، وفي قطاعات مثل الصحة والتكنولوجيا والصناعة، أصبحت العمالة المهاجرة ضرورة لا رفاهية.
والوجه الإيجابي للهجرة هنا واضح، فتأمين النمو الاقتصادي والاستدامة المالية لنظم الضمان الاجتماعي المتداعية، مع تقدم السكان في السن وتراجع معدلات الخصوبة، تمثل الهجرة الشرعية فرصة لإنعاش الاقتصاد وخلق توازن سكاني ضروري.
لكن المفارقة، تكمن في أن الخطاب السياسي والأمني، بات مهيمنًا على حساب الرؤية الاقتصادية، الهجرة تُناقش اليوم في بروكسل وبرلين وباريس كملف أمني أولًا، مع ربطها المباشر بملفات الإرهاب والتطرف، وهو ربط، وإن كانت له مبررات أمنية، إلا أنه قد يؤدي إلى تجاهل فوائد الهجرة المنظمة والمنضبطة.

بين "شنغن" و"دبلن"، أوروبا تعيد رسم خريطتها الحدودية
اتفاقيات كـ"شنغن" و "دبلن"، والتي شكلت لعقود حجر الزاوية في السياسات الحدودية الأوروبية، حيث تتعرض اليوم لتعديلات جوهرية، ففي مايو 2024م، بدأت المفوضية الأوروبية إصلاحات على قانون حدود "شنغن"، تتيح إجراء تفتيشات داخلية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتطرف.
وفي ألمانيا، جاءت الحزمة الأمنية الجديدة بعد هجوم زولينغن لتقلب الموازين، حيث تسعى الحكومة لتقليص مزايا لاجئي دبلن، وتسريع الترحيل، وحتى تعليق تطبيق بعض بنود اتفاقية دبلن، ما دفع الخبراء للتحذير من أن ذلك قد يؤدي إلى تفكك داخلي في سياسات اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي.
الإرهاب والهجرة، عقدة أمنية تغذي الخطاب الشعبوي
ولا شك أن الجماعات المتطرفة استغلت موجات الهجرة للعبور إلى أوروبا، فالعديد من التحقيقات كشفت عن تورط عناصر، تم رفض طلبات لجوئهم في عمليات إرهابية أو دعمها لوجستيًا، ومع تزايد هذا النمط، ترتفع أصواتًا تدعو إلى تشديد الرقابة، وتقييد إجراءات اللجوء.
وهذا الربط بين الهجرة والإرهاب، غذّى المد الشعبوي وصعود اليمين المتطرف في دول أوروبية عدة، مغيرًا قواعد اللعبة السياسية والانتخابية، فالخطاب المتشدد لم يعد محصورًا بأطراف المشهد السياسي، بل أصبح يتسرب إلى التيارات الوسطية، الأمر الذي يعقد من فرص التوصل إلى حلول متوازنة.

طرد الأزمة أم إدارتها بذكاء؟
ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي، يتعامل اليوم مع الهجرة كمشكلة طارئة، أكثر مما يعاملها كظاهرة بنيوية تحتاج إلى حلولٍ استراتيجية متكاملة، فالردود الأمنية وتوسيع صلاحيات "فرونتكس" واستثمار مئات الملايين في طائرات المراقبة، كلها تشير إلى توجهٍ نحو التحصين بدلًا من الانفتاح، والمنع بدل التنظيم.
لكن الاقتصاد يقول شيئًا آخر، فمستقبل النمو الأوروبي مرتبط بالانفتاح على الكفاءات الأجنبية، ومعالجة الاختلالات في سوق العمل، والتحدي إذن ليس في الهجرة بحد ذاتها، بل في كيفية تنظيمها ومراقبتها والاستفادة منها، دون الوقوع في فخ سياسات الطرد الجماعي أو الردع الأمني الأعمى.

ما بين الشبح والفرصة
الهجرة ليست شبحًا، لكنها أيضًا ليست عصا سحرية، فأوروبا اليوم مطالبة بقرارات شجاعة ومتوازنة، فضلًا عن التشديد الأمني حيث يلزم والانفتاح الاقتصادي حيث ينفع.
الرهان على التكنولوجيا، كما هو الحال في استراتيجية يوروداك واستخدام الذكاء الاصطناعي، قد يكون واعدًا، لكنه لا يغني عن الحاجة إلى سياسات إنسانية، تحترم حقوق الإنسان وتضمن دمجًا حقيقيًا للمهاجرين في النسيج الاجتماعي والاقتصادي الأوروبي.
فما بين البحر المتوسط المزدحم بالقوارب، وحدود البلقان المشددة، ومراكز الاستقبال المزدحمة في إيطاليا واليونان، تقف أوروبا أمام اختبار تاريخي: هل تختار الخوف أم الأمل؟ الطرد أم الإصلاح؟ الأمن وحده، أم الاقتصاد والأمن معًا؟
Short Url
من منصة افتراضية لـ صدمة نفسية، الوجه المظلم لتطبيقات الرفقة الذكية
03 مايو 2025 03:13 م
طفرة التجارة الإلكترونية في مصر، من سلة المشتريات إلى قاطرة التنمية الرقمية
03 مايو 2025 01:08 م
ترامب يصعد المواجهة، قرار بوقف التمويل الفيدرالي عن NPR وPBS
03 مايو 2025 11:14 ص


أكثر الكلمات انتشاراً