الذهب والمنطقة الإنفجارية، الملاذ الأمن على موعد مع التراجع بسبب «سلوك القطيع»
الثلاثاء، 23 ديسمبر 2025 09:21 م
بنك التسويات الدولية (BIS)
لطالما احتل الذهب مكانة استثنائية في النظام المالي العالمي، باعتباره الملاذ الآمن الأبرز في أوقات الاضطراب وعدم اليقين، غير أن التحذير الأخير الصادر عن بنك التسويات الدولية (BIS) يفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول ما إذا كان المعدن الأصفر قد بدأ يفقد هذا الدور التاريخي، ليتحوّل تدريجيًا من أداة تحوط إلى أصل مضاربي، لا يختلف كثيرًا عن الأسهم عالية المخاطر.
التحذير الذي أطلقه ما يعرف بـ«بنك التسويات الدولية»، لا يقتصر على الذهب وحده، بل يتجاوز ذلك ليشمل ظاهرة نادرة لم تسجل منذ نحو نصف قرن، وهي دخول الذهب والأسهم، وتحديدًا الأسهم الأميركية، في ما وصفه البنك، بـ«المنطقة الانفجارية» في الوقت نفسه.
هذا التزامن غير المسبوق يعكس، وفق البنك، بيئة مالية مشبعة بالإقبال على المخاطرة، ويزيد من احتمالات تشكل فقاعة مزدوجة قد تنفجر بتصحيح حاد وسريع.

من ملاذ آمن إلى أصل مضاربي
يشير بنك التسويات الدولية إلى أن سلوك الذهب السعري خلال العام الحالي خرج بشكل واضح عن أنماطه التاريخية، فبدلاً من أن يرتفع في أوقات الخوف وينخفض مع تحسن شهية المخاطرة، صعد الذهب جنبًا إلى جنب مع الأسهم، خصوصًا أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
هذا السلوك دفع رئيس قسم الشؤون النقدية والاقتصادية في البنك، هيون سونج شين، إلى وصف الذهب بأنه أصبح «أقرب بكثير إلى أصل مضاربة».
ويعزو البنك هذا التحول جزئيًا إلى التدفقات القوية من المستثمرين الأفراد، الذين دخلوا السوق مدفوعين بالضجة الإعلامية والزخم السعري، في ظاهرة تُعرف بالاستثمار الساعي وراء الاتجاه، فكلما ارتفعت الأسعار، انضم مزيد من المستثمرين، ما عزز الحلقة الصعودية وأضعف الروابط التقليدية بين الذهب ومؤشرات الخطر.
أرقام تعزز المخاوف
الأرقام التي يستند إليها البنك لافتة، فالذهب ارتفع بنحو 60% منذ بداية العام، وهو أكبر صعود سنوي له منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، كما قفز بأكثر من 150% منذ عام 2022، وفي الوقت ذاته، واصل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" تسجيل قمم تاريخية، مدفوعًا بمكاسب شركات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
هذا الارتفاع المتزامن يتوافق مع مؤشرات أخرى عادة ما تعد علامات تحذير من الفقاعات، مثل ارتفاع تقييمات الأصول، وحماس المستثمرين الأفراد، واستمرار تداول صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب، بأسعار تفوق صافي قيمة أصولها، ما يعكس ضغوط شراء قوية وصعوبة في عمليات المراجحة.

دور البنوك المركزية.. أساس متين أم وقود إضافي؟
لا يمكن فصل صعود الذهب عن مشتريات البنوك المركزية القياسية خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في ظل تنامي المخاطر الجيوسياسية، وارتفاع التضخم بعد الجائحة، والعقوبات الغربية التي دفعت بعض الدول إلى تقليص اعتمادها على الدولار.
ويقر بنك التسويات الدولية بأن هذه المشتريات وفرت أساسًا صلبًا لارتفاع الأسعار، غير أن المفارقة تكمن في أن هذا الأساس، الذي يفترض أن يكون عامل استقرار، قد تحول مع دخول المستثمرين الأفراد بقوة إلى عامل يغذي السلوك المضاربي.
وهنا يبرز تساؤل حساس، ماذا لو تزامن تصحيح حاد في أسعار الذهب مع هبوط في أسواق الأسهم؟ وأي تداعيات قد تنعكس على مديري الاحتياطيات والبنوك المركزية التي زادت انكشافها على المعدن النفيس؟
بيئة مالية أكثر هشاشة
تحذير بنك التسويات الدولية يأتي في سياق أوسع من القلق بشأن هشاشة النظام المالي العالمي، فالطفرة في أسهم الذكاء الاصطناعي، رغم أنها مدعومة بأرباح فعلية، وعلى عكس فقاعة الإنترنت مطلع الألفية، تثير تساؤلات حول استدامة الاستثمارات الضخمة في مراكز البيانات والتكنولوجيا المتقدمة.
في الوقت ذاته، تواجه الأسواق ضغوطًا ناتجة عن تضخم الديون الحكومية في الاقتصادات المتقدمة، حيث أدى إصدار كميات ضخمة من السندات إلى تشوه العلاقات التقليدية بين العوائد والفروقات، ودفع صناديق التحوط إلى استراتيجيات أكثر تعقيدًا عبر مقايضات أسعار الفائدة.
ولا يقل تراجع الدولار، الذي يتجه لتسجيل أكبر انخفاض سنوي له منذ أزمة 2007، أهمية في هذا المشهد، فرغم استقراره النسبي بعد اضطرابات إبريل، فإن سلوك المستثمرين غير الأمريكيين في التحوّط قد يلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار الأسواق خلال المرحلة المقبلة.
طفرة الذكاء الاصطناعي
ارتفع سعر الذهب بنسبة 60% هذا العام، محققًا أفضل أداء له منذ عام 1979، حتى مع التصحيح الذي دفعه للتراجع عن مستوى 4,380 دولارًا أمريكيًا للأوقية في أواخر أكتوبر، (كان سعره يُتداول عند 4,231.10 دولارًا أمريكيًا هذا الصباح)، وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة 17%، ومؤشر ناسداك بنسبة 22%، مدفوعًا بطفرة الذكاء الاصطناعي.
وتظهر بيانات تدفقات الأموال الأخيرة أن المستثمرين الأفراد هم في الغالب من يضخون أموالهم في الأسهم الأميركية والذهب الآن، وهو ما يتعارض مع المستثمرين المؤسسيين الذين يسحبون الأموال من الأسهم ويبقون على حالهم في الذهب.
انتعشت التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة بالتجزئة وصناديق الاستثمار المشتركة التي تتبع الذهب في يونيو واكتسبت أرضية في سبتمبر.
وقال بنك التسويات الدولية إن "سلوك القطيع" الذي يتسم به مستثمرو التجزئة يهدد استقرار السوق من خلال “تضخيم تقلبات الأسعار في حال حدوث مبيعات بأسعار بخسة، وبمجرد انفجار فقاعة الأصول، فإن التصحيح الحاد والسريع يتبعه فترة من العائدات السلبية أو الخافتة.

تحذير بنك التسويات الدولية.. إنذار لا يمكن تجاهله
لا يعني تحذير بنك التسويات الدولية بالضرورة أن انفجار الفقاعة وشيك أو حتمي، فالتصحيحات كما يشير البنك، قد تستغرق وقتًا طويلًا، لكنه إنذار واضح من أن الذهب لم يعد يتحرك وفق قواعده القديمة، وأن الاعتماد عليه كدرع مطلق ضد المخاطر بات موضع شك.
في عالم تتقاطع فيه الفقاعات المحتملة، من الأسهم إلى الذهب وربما العملات المشفرة، تبدو الرسالة الأساسية واضحة، وتنويع المخاطر لم يعد رفاهية، بل ضرورة، والرهان على أصل واحد مهما كان تاريخه، قد يحمل في طياته مخاطر أكبر مما يتصور المستثمرون.
اقرأ أيضًا:
تحذيرات دولية من الدخول في فقاعة ضخمة غير مسبوقة، الذهب والأسهم في خطر
رجل "بلاك روك" يقترب من "الكرسي الأخطر في العالم"، ترامب يختار بين 11 مرشحا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
%32 في الشرق الأوسط يعتمدون على ChatGPT، كيف يحمي الذكاء الاصطناعي وظيفتك؟
20 ديسمبر 2025 02:26 م
%56.5 من حركة الإنترنت روبوتات غير بشرية، و5.6% من رسائل البريد الإلكتروني تحمل هجمات خبيثة
18 ديسمبر 2025 12:30 م
مصر تبدأ توطين صناعة مكونات طاقة الرياح لخفض الفاتورة الاستيرادية بـ 235 مليون دولار
17 ديسمبر 2025 03:30 م
أكثر الكلمات انتشاراً