"مراتي مدير عام".. المرأة المصرية بين التقليد والحداثة
الخميس، 18 ديسمبر 2025 10:18 م
نجلاء أحمد - مدير إدارة الإعلام بجهاز الإحصاء
بعد ما يقرب من ستة عقود، لم يقتصر فيلم “مراتي مدير عام” على كونه عملًا كوميديًا خفيفًا من زمن الأبيض والأسود، بل تجاوز ذلك إلى نصٍ سينمائيٍ ذكي سبق عصره، مستخدمًا الكوميديا كأداة ناعمة لتفكيك واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في المجتمع المصري والعربين وهي عمل المرأة وتوليها مواقع السلطة، وتأثير ذلك على البنية التقليدية للأسرة.
وينطلق الفيلم من مفارقة بسيطة في ظاهرها وعميقة في جوهرها لم تصنع الضحك فقط، وذلك بعد تعيين زوجة كمديرٍ عامٍ وزوجٍ يعمل تحت رئاستها، ليفتح هذا بابًا واسعًا للأسئلة الاجتماعية والنفسية حول مفهوم الرجولة والسلطة والنجاح، ومن يملك حق القيادة.
ولم يلجأ المخرج فطين عبد الوهاب، إلى التهريج أو المبالغة، بل اعتمد على كوميديا الفكرة؛ حيث أن الضحك ينبع من اصطدام الواقع الجديد بعقلية قديمة لم تستوعب بعد تغيّر الأدوار، فيما تقدّم شادية، شخصية عصمت باعتبارها نموذجًا للمرأة الكفؤة، والتي وصلت إلى منصبها عن جدارة، ولم يصوّرها الفيلم متسلطة أو متعالية، بل حازمة في العمل ومتزنة في البيت، وهنا تتجلى رسالة الفيلم الأساسية، ولا يدافع الفيلم عن المرأة بخطاب مباشر، بل يترك أفعالها وسلوكها المهني يتحدثان عنها، في مواجهة مجتمع يشكّك في قدرتها “فقط” لأنها امرأة.
ويجسد صلاح ذو الفقار في دور حسين، أزمة الرجل لا كخصم للمرأة، بل كضحية لتنشئة اجتماعية ربطت الرجولة بالسيطرة والمنصب، والتي لا تختزل في كون زوجته ناجحة، بل في خوفه من نظرة الآخرين، ومن اهتزاز صورته أمام نفسه قبل المجتمع، وهنا ينجح الفيلم في تقديم طرحٍ متوازنٍ؛ فلا يُدين الرجل بقدر ما يفضح الفكرة المغلوطة التي تربطه بالسلطة لا بالإنسانية.
وينتقل الصراع من المصلحة الحكومية إلى البيت والاسرة، في إشارة واضحة إلى أن قضايا العمل والسلطة، والتي لا تنفصل عن الحياة الخاصة، فالفيلم يؤكد أن المشكلة ليست في منصب الزوجة، بل في عدم القدرة على الفصل بين الشراكة الإنسانية والمسئولية الوظيفية، كما يقدّم الفيلم نموذجًا مصغّرًا للمؤسسة الحكومية، والتي تتنوّع ردود أفعال المرؤوسين تجاه المديرة الجديدة فيها، ما بين التشكيك المسبق في الكفاءة بسبب التنوع الاجتماعي، مع الالتزام الشكلي بالأوامر احترامًا للمنصب لا اقتناعًا بالقيادة، إضافة إلى المقاومة الصامتة التي تختفي خلف النِكَات والتلميحات.
وهذه السلوكيات تعكس أنماطًا واقعية ما زالت حاضرة في بعض بيئات العمل حتى اليوم، حيث تظل السلطة الرسمية أقوى من القبول النفسي، وتحتاج القيادة النسائية وقتًا أطول لكسب الثقة، وذلك في زمنٍ كان مجرد الحديث عن امرأة في منصب قيادي يُعد جريئًا، ليأتي الفيلم مقدّمًا خطابًا تقدميًا بلا شعارات، وبلا صدام مباشر مع المجتمع، فعن طريق الضحك والتعاطف، تتدرج الفكرة حتى نصل إلى نتيجة منطقية، وهي الاحترام المتبادل هو أساس أي علاقة ناجحة، داخل العمل أو خارجه.
وخلال العقود الماضية، شهدت مصر تحولات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية كبيرة، انعكست على مختلف جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك دور المرأة في سوق العمل، ففي الستينيات، كانت مشاركة المرأة ضئيلةً جدًا، لا تتجاوز نحو الـ12%، فيما كانت معظم الوظائف المتاحة لها تقتصر على التعليم والخدمات الصحية والزراعة التقليدية.
واستطاع الفيلم أن يعكس روح المجتمع المصري عام 1966م، حيث تظهر المرأة غالبًا في أدوار محدودة تقليديةً، تعكس القيود الاجتماعية والثقافية السائدة آنذاك، وهذه الصورة السينمائية تُبرز كيف كانت المعوقات الاجتماعية والتعليمية، تُحِد من قدرات المرأة الاقتصادية، وتقلل من فرصها في المجتمع والصراعات بين التقليد والحداثة.
وبحلول عام 2025، وطبقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل (15 سنة فأكثر) إلى نحو 16.9% من إجمالي القوى العاملة، مقارنةً بـ70.3% للذكور، مع استمرار فجوة كبيرة بين الجنسين، لكن معدل بطالة الإناث بلغ حوالي 17.1%، مقابل 4.2% للذكور، بينما وصل معدل التشغيل للإناث إلى 14% مقابل 67.4% للذكور، مع دخول المرأة قطاعات متنوعة، تشمل الصناعة والخدمات والتعليم والصحة وريادة الأعمال.
ويعكس هذا التطور، رحلة المجتمع نحو تمكين المرأة وصعود دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل فيلم “مراتي مدير عام” أكثر من مجرد كوميديا اجتماعية؛ فهو وثيقة تاريخية تسلط الضوء على بداية صراع المجتمع بين التقليد والحداثة، وتجسيد لتطور دور المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولنتذكر أن التغيير يحتاج إلى الوعي والمثابرة، وأن الفن يظل أداة قوية لفهم الواقع وإلهام النقاش البنّاء.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
محمد طلعت يكتب: أنا ونجيب ساويرس وإيلون ماسك
18 ديسمبر 2025 05:03 م
المهندس فتح الله فوزي يكتب: القطاع العقاري المصري بين الفرص والتحديات
18 ديسمبر 2025 01:38 م
دكتور محمد عسكر يكتب: كيف انحرفت السوشيال ميديا عن دورها الحقيقي؟
18 ديسمبر 2025 11:50 ص
أكثر الكلمات انتشاراً