استغلال الصحة النفسية للمستهلكين، كيف تحوّل الشركات المشاعر إلى أرباح؟
الأحد، 14 ديسمبر 2025 10:10 م
السلع الاستهلاكية
نفيسه محمود
بدأت الشركات الكبرى حول العالم في استغلال الحالة النفسية للمستهلكين لتحقيق إيرادات أكبر، من خلال تصنيع منتجات تستهدف الحواس مثل اللمس والشم والتذوق، لتوليد مشاعر إيجابية يحولها المستهلك فيما بعد لقرار شراء.
المنتجات الطبيعية طريق الشركات لتأثير نفسي إيجابي
اتجهت الشركات في الفترة الأخيرة إلى استخدام النباتات المهدئة للأعصاب مثل البابونج والليمون العشبي، في منتجات متنوعة من الشموع المعطرة إلى الشاي والكريمات، ما ساهم في نمو سوق الشموع وحده إلى 2.24 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.47 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.
واتجهت الشركات إلى تصنيع منتجات طبيعية أكثر، ففي خلال عام واحد، تحديدًا في الفترة التي تبدأ من سبتمبر 2024 إلى أغسطس 2025، تم إطلاق أكثر من 8000 منتج طبيعي جديد في الأسواق، وسجلت المبيعات العالمية للمنتجات الطبيعية إيرادات ضخمة، ما يعكس ارتفاع الطلب على المنتجات التي توفر راحة نفسية وتجربة حسية إيجابية، وذلك حسب تقرير صادر عن شركة يورومونيتور.
المبيعات العالمية للمنتجات الطبيعية

قطاع رعاية الحيوانات الأليفة يسجل مبيعات 80 مليار دولار خلال 2024
كانت أرقام المبيعات للمنتجات الطبيعية خلال العام السابق 2024، هي أكبر دليل على تفضيل المستهلكين للمنتجات الطبيعية، وفقًا لإحصائيات شركة يورومونيتور إنترناشيونال، المتخصصة في أبحاث السوق، تصدر قطاع رعاية الحيوانات الأليفة، قائمة القطاعات التي باعت منتجات طبيعية خلال العام السابق بحوالي 80 مليار دولار، تلاه قطاع الجمال والعناية الشخصية الذي حقق مبيعات تقريبية 60 مليار دولار، ثم قطاع منتجات الألبان والبدائل (الحليب - الأجبان - الزبادي - مشتقات الألبان - الحليب النباتي مثل حليب اللوز)، بمبيعات 52 مليار دولار.
أما قطاع المشروبات الغازية فحققت مبيعات حوالي 45 مليار دولار، وقطاع المواد الغذائية الأساسية حوالي 40 مليار دولار، وقطاع المكونات الأساسية للطبخ والوجبات شبه الجاهزة أو المعدة مسبقاً، بحوالي 32 مليار دولار، وقطاع الوجبات الخفيفة حوالي 22 مليار دولار.
حقق أيضًا قطاع المنتجات الصحية، مبيعات حوالي 18 مليار دولار، وقطاع المناديل والنظافة حوالي 11 مليار دولار، وقطاع المشروبات الساخنة حوالي 9 مليارات دولارات، وأخيرًا قطاع منتجات التنظيف والعناية بالمنزل حوالي 7 مليارات دولارات.
وتوسعت الشركات المتخصصة في صناعة المنتجات الاستهلاكية، في استخدام النباتات الطبيعة، كمواد أساسية في الصناعة، فإحصائيات 2025 تشير أنه تم استخدام حوالي 7.2 مليون طن من النباتات لصناعتها، أي ما يعادل وزن 72,000 حافلة نقل، وتدل هذه الإحصائيات على تفضيل المستهلكين للمنتجات الطبيعية، وهو ما دفع الشركات للاستثمار بشكل أكبر في النباتات الطبيعية، وتحول سلاسل التوريد لتكون أكثر صديقة للبيئة.
لماذا استخدام النباتات الطبيعية يساعد على التأثير على الحالة النفسية للمستهلكين؟
عندما تحاول الشركات التأثير على الحالة النفسية للمستهلكين، ففي الغالب تعتمد على استراتيجية التسويق الحسي، ولكي تستطيع أن تستخدمها فإنها تحتاج إلى مثيرات حسية مثل النباتات الطبيعية، وهو ما يعني أن نجاح التسويق الحسي بحاجة إلى التأثير مثلا على حاسة الشم، وتستطيع الزيوت العطرية والنباتات الطبية توفير روائح طبيعية تؤثر على حاسة الشم، من خلال توفير الشعور بالراحة والثقة، كراحة اللافندر والنعناع.
أصبح الاتجاه الغالب في تصنيع المنتجات هي استخدام النباتات الطبيعية، لأنها ترتبط في ذهن المستهلك بالصحة والأمان والبيئة، وبالتالي تكون تجربة حسية إيجابية مع المنتج، وحاليًا يتم ربط العلامة التجارية بمكونات نباتية لأنها تعتبر هوية حسية سهل تمييزها من خلال استخدام رائحة معينة أو ألوان أو ملمس محدد، وبالتالي يسهل ارتباط عاطفي لفترة طويلة بين المستهلك والعلامة.
وعندما يشعر المستهلك بالراحة والثقة، تبدأ هذه المشاعر تؤثر على قرار الشراء، وبالتالي تنجح استراتيجية التسويق الحسي، وبالمختصر، تصنيع المنتجات من نباتات طبيعية يساهم في خلق تجربة حسية متكاملة، وبالتالي تؤثر على مشاعر المستهلك وفي النهاية السلوك الشرائي.
ماهي استراتيجية التسويق الحسي؟
لم تعد تجربة العميل مع العلامة التجارية تعتمد على مجرد تقديم خدمة أو منتج جيد، أو حتى محاولة استقطاب وتخصيص التجربة بما تناسب العميل، إنما أصبحت أعمق وأكبر، فالتجربة الآن أصبحت حسية أكتر، من خلال توليد مشاعر معينة، تؤثر على سلوك العميل، وهو ما توفره استراتيجية التسويق الحسي.
تركز استراتيجية التسويق الحسي على بناء علاقة عميقة بين المستهلك والعلامة التجارية، وتحفيز الحواس لتوليد استجابات معينة تستهدفها الشركات، وتستهدف الاستراتيجية كل حاسة على حده.
تؤثر على حاسة البصر، من خلال اختبار ألوان معينة بتصميم محدد وشكل مميز، وتؤثر على حاسة السمع من خلال اختيار أصوات وموسيقى تؤثر على المشاعر، ومع حاسة الشم، تختار روائح مهدئة للأعصاب تثير الذكريات والعواطف، ومع اللمس، تحاول اختيار ملمس ووزن يدلان على الجودة العالية.
وتعتمد الآلية النفسية للتسويق الحسي، على التحفيز الحسي الذي يؤدي إلى توليد استجابة عاطفية، فيترتب عليها بناء ذاكرة مرتبطة بالعلامة التجارية، والتي تؤثر في النهاية على قرار الشراء.
أمثلة على نجاح التسويق الحسي
استغلت شركة كوكاكولا استراتيجية التسويق الحسي في حملتها التسويقية الخاصة بعيد الميلاد لعام 2018، فقدمت تجربة تفاعلية، أثرت على الحواس، من خلال تطبيق على التليفونات المحمولة، بحيث يقوم المستهلكون بمسح علبة الكوكاكولا باستخدام الكاميرا.
اعتمد نجاح هذه الفكرة في جذب المستهلكين من خلال مشاهد ورسومات متحركة (إثارة حاسة البصر)، مع توفير موسيقى وقصص مسموعة (إثارة حاسة السمع)، لينتج في النهاية تجربة تفاعلية من الواقع المعزز، وفي النهاية استطاعت شركة كوكاكولا أن تبيع إحساس العيد بدلًا من أن تبيع مجرد مشروب عادي.
كما استغلت دانكن دوناتس استراتيجية التسويق الحسي، من خلال التأثير على حاسة الشم، والتي تعتبر أكثر الحواس المرتبطة بالذاكرة، فوضعت أجهزة لنشر رائحة القهوة في الحافلات والأماكن العامة، بحيث يشم المستهلك المستهدف الراحة في نفس الوقت الذي يشتغل فيه الإعلان الإذاعي، أو عندما تقترب الحافلة من فروع دانكن، وبهذا تكون دانكن قد استهدفت 3 حواس، السمع (عندما يستمع المستهلك للإعلان الإذاعي)، والشم (عندما يشم المستهلك رائحة القهوة)، والبصر (عندما يرى المستهلك فرع دانكن).
كيف تستغل الشركات استراتيجية التسويق الحسي؟
حاليًا تعمل الشركات بشكل أذكى، فعندما تنتج منتج جديد، لا تركز فقط في الفائدة المادية، بل تفكر أيضًا في الفائدة العاطفية التي سيقدمها المنتج للمستهلك، فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك شركة تصنع شاي أعشاب، فمن المفترض أن تركز الشركة على فائدة تهدئة الأعصاب بدلًا من الفوائد المادية الأخرى، وإذا كانت هناك شركة تنتج كريم للعناية بالبشرة، فقبل التفكير في فائدته المادية وهي ترطيب البشرة، يجب التفكير في الاسترخاء الذي يجب أن يقدمه المنتج كفائدة عاطفية.
أصبحت الفائدة العاطفية، أو الصحة النفسية التي تقدمها المنتجات، هي عامل أساسي في تطوير المنتجات الجديدة، ومعيار لا يقل أهمية عن معيار السعر، ومعيار الجودة، وحتى معيار الفعالية، التي تعتبر مهمة جدًا في تطوير أي منتج، لينافس المنتجات الأخرى.
يفضل المستهلك اليوم، المنتج الذي يوفر له راحة نفسية ويحسن من مزاجه، وليس فقط ما يعطيه فائدة وظيفية، لذلك يجب على أي شركة أن تضع ضمن أهدافها الرئيسية، أن يوفر المنتج الاسترخاء اللازم للمستهلك ويقلل من التوتر ويشعره بالراحة التي يبحث عنها.
الصحة النفسية أصبحت ميزة بيع للشركات
يُلاحظ من خلال هذه المؤشرات أن الصحة النفسية، أصبحت صفة بيع أساسية، وليست مجرد إضافة، والدليل على هذا الإحصائيات التي نشرتها يورومونيتور، وهي أن حوالي 10% من المنتجات الجديدة التي تم طرحها على الإنترنت في الفترة من سبتمبر 2024 إلى أغسطس 2025، تضمنت معلومات تشير أنها تقدم رفاهية عاطفية وراحة نفسية.
ويدل هذا على أن الشركات، وخاصة المتخصصة في السلع الاستهلاكية، بدأت تستثمر بالفعل في منتجات تقدم في المقام الأول، الراحة و تقليل التوتر وتعديل المزاج، في جميع المنتجات سواء الأغذية أو المشروبات أو العناية الشخصية، أو أي نوع من السلع الاستهلاكية.
نسبة الرفاهية والراحة النفسية التي تقدمها المنتجات الجديدة في قطاعات السلع الاستهلاكية

يوضح الرسم السابق توزيع الرفاهيات النفسية التي تقدمها المنتجات الجديدة التي تم إطلاقها مؤخرًا في السوق، ويركز على 5 أنواع رئيسية من الرفاهيات، وهم تخفيف التوتر والاسترخاء و تحسين المزاج ومضادات الأكسدة والمساعدة على النوم.
ويشير الرسم أن قطاع التجميل والعناية الشخصية، هو المتصدر في تحقيق رفاهية تخفيف التوتر بأغلبية ساحقة من بين القطاعات الموجودة مسجلًا حوالي 90%، ويسيطر أيضًا على رفاهية الاسترخاء والراحة ولكن أقل من رفاهية تخفيف التوتر مسجلًا نسبة 65%.
أما قطاع المشروبات الساخنة فيسيطر على رفاهية تحسين المزاج بنسبة 40%، مع ظهور قوي لقطاع الأغذية المعلبة والمشروبات الغازية، وبالنسبة لرفاهية المساعدة على النوم، فتهمين عليها بشكل واضح المشروبات الساخنة بنسبة تجاوزت 60%، مع ظهور نسبة لابأس بها لقطاع التجميل والعناية الشخصية وقطاع المشروبات الغازية.
يستنتج من هذه المؤشرات، أن قطاع التجميل والعناية الشخصية هو المساهم الأكبر في توفير الرفاهيات النفسية التي يبحث عنها أي مستهلك مثل تخفيف التوتر والاسترخاء وتحسين المزاج، لذلك نجد أن الشركات المتخصصة في هذا المجال تحاول دائمًا استخدام روائح عطرية ومكونات بملمس مريح، حتى تستطيع توفير هذه المميزات.
يحاول المستهلكون تحسين مزاجهم ورفع معنوياتهم من مصادر مختلفة، لذلك نرى أن رفاهية تحسين المزاج موزعة بين الصناعات الموجودة في الصورة، سواء تجميل أو أغذية معلبة أو مشروبات.
اقرأ أيضًا:
189 مليون جهاز في 2026، تكييفات أذكى وأقل استهلاكًا للطاقة وتوقعات مبشرة للسوق
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الشقق الفندقية في المقدمة، سوق الإيجارات قصيرة الأجل يستهدف 400 مليار دولار بحلول 2032
14 ديسمبر 2025 05:00 م
2025 عام التحولات الكبرى، مفاجآت اقتصادية عالمية تعيد رسم خريطة النفوذ
14 ديسمبر 2025 01:10 م
189 مليون جهاز في 2026، تكييفات أذكى وأقل استهلاكًا للطاقة وتوقعات مبشرة للسوق
13 ديسمبر 2025 03:19 م
أكثر الكلمات انتشاراً