هدير جلال تكتب.. الاقتصاد الرمضاني، كيف نواجه الهدر الغذائي في الشهر الكريم؟
السبت، 13 ديسمبر 2025 03:02 م
هدير جلال
كتبت/ هدير جلال
كلما يقترب شهر رمضان الكريم، تقترب الذكريات والحنين للماضي، خاصة الأجواء الريفية الجميلة التي يغلب عليها الدفء والحنين والأمان رغم أي تخبطات أو تقلبات سواء في أسعار السلع الغذائية كالطماطم والبطاطس والكنافة والقطايف والبسبوسة، انتقالًا إلي الفراخ والبيض، ويعود ذلك السرد إلى ارتباط الشهر بالطعام أكثر من أي شهر آخر.
أتذكر جيدًا عندما كنت في المرحلة الابتدائية كانت الحياة المعيشية متوسطة وأقل من المتوسطة مليئة بالدفء والأمان وهذا الوقت يُذكرني برجل بشوش الوجه، عفيف اللسان، قلبه مليء بالخير يُدعى العم رزق، كان يعمل في المسجد الذي يوجد أمام منزلي، ويوزع وجبات بسيطة جدًا عبارة عن سندوتشات فول بالطماطم والخيار، ليحصل على أجر إفطار صائم بأبسط الأشياء، وفي العشر الأواخر من الشهر يوزع عصير السوبيا الذي كان يحبه الكبار قبل الأطفال.
فشهر رمضان ليس مجرد شهر للعبادة، بل موسم تتجلى فيه العلاقة العميقة بين الاقتصاد والحياة اليومية للمواطنين، فالمائدة الرمضانية التي تضم العديد من الأصناف الغذائية وتعد محورًا أساسيًا في الاقتصاد المصري لما تحمله من لحوم، دواجن، مُقبلات، والكثير من الأطعمة التي تُكلف المواطن مبالغ باهظة.
ومع حلول الشهر الكريم، تزداد معدلات الطلب على السلع الغذائية، لتصبح مسألة توافر المنتجات واستقرار الأسعار عاملًا حاسمًا لشعور المواطنين بالراحة فحين يجد المستهلك احتياجاته الأساسية متوفرة دون اضطراب في الأسعار، يتراجع القلق، ويحل محله سلوك استهلاكي أكثر وعيًا واتزانًا.
واقتصاديًا، يمثّل هذا الاستقرار مؤشرًا على فاعلية السياسات الهادفة إلى ضبط الأسواق، وتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، ودعم المنافسة بين المنتجين والتجار، وهو ما ينعكس مباشرة على حركة الأسواق خلال الشهر الكريم، في صورة توازن بين العرض والطلب، دون ضغوط تضخمية مفاجئة.
وعلى الرغم من حجم الطعام الذي يُستهلك خلال الشهر الكريم، إلا أن هناك أرقام صادمة حول الهدر الغذائي خلال شهر رمضان الماضي، حيث تم التخلص من 30% من الطعام المطبوخ، أي ثلث الأكل المُجهز، في وقت ينام فيه أكثر من 800 مليون شخص حول العالم جائعين، وتصل كمية الطعام المهدور عالمياً إلى حوالي 1.3 مليار طن سنوياً، مما يؤدي إلى خسائر تقدر بأكثر من 900 مليار دولار، وهذا الطعام المهدور يكفي لإطعام حوالي ملياري شخص، وفقًا لـ خبراء تغذية.
ولا يقتصر الاقتصاد الرمضاني على الطعام والشراب فقط، بل يمتد ليشمل منظومة واسعة من الأنشطة والقطاعات، فالمائدة تبدأ من السلع الغذائية الأساسية، مرورًا بالعصائر، ومنتجات الألبان، والحلويات، وصولًا إلى المكملات الاستهلاكية التي تفرضها طبيعة الشهر، ويوازي ذلك إنفاق آخر لا يقل أهمية، يتمثل في زينة رمضان داخل المنازل وخارجها، والفوانيس، ووسائل الإضاءة، وتجهيز الشقق لاستقبال الشهر، بما يشمل الأدوات المنزلية والإنارة والزينة.
هذه التفاصيل، التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها، تُشكّل في مجموعها اقتصادًا موسميًا كبيرًا للغاية، تتحرّك من خلاله قطاعات الصناعة، والتجارة، والنقل، والتجزئة، والعمالة المؤقتة فكل منتج يُشترى يقف خلفه مصنع، وسلسلة إمداد، وتاجر، وعامل، وهو ما يجعل من شهر رمضان محرّكًا حقيقيًا للنشاط الاقتصادي، وليس مجرد موسم استهلاك عابر.
في المحصلة، يؤكد شهر رمضان أن الاقتصاد ليس أرقامًا مجردة، بل منظومة متكاملة تتقاطع مع تفاصيل الحياة اليومية فكلما استقر السوق، اتسعت دائرة الرضا، وازدادت القدرة على الاستمتاع بمعاني الشهر الكريم، حيث تلتقي البركة مع حسن الإدارة، وتتحول المائدة الرمضانية إلى مرآة لاقتصاد أكثر توازنًا وإنسانية.
Short Url
نجلاء أحمد تكتب: واحد من كل أربعة مصريين يواجهون تحديات نفسية يومية
13 ديسمبر 2025 11:13 ص
محمد الصو يكتب.. اقتصاد رمضان بين موسم الدراما وأرباح المنصات
12 ديسمبر 2025 12:08 م
الدكتور تامر سعيد يكتب: الاقتصاد الرقمي القائم على استخدام التكنولوجيا
11 ديسمبر 2025 02:43 م
أكثر الكلمات انتشاراً