الأربعاء، 10 ديسمبر 2025

10:33 م

7.5 تريليون دولار سنويًا تكلفة مواجهة التغير المناخي عالميًا وفجوة تمويلية ضخمة تهدد التنمية المستدامة

الأربعاء، 10 ديسمبر 2025 09:16 م

الاستثمار العالمي

الاستثمار العالمي

في لحظة تتقاطع فيها الأزمات المناخية مع التباطؤ الاقتصادي العالمي، يبرز سؤال جوهري، هل يمكن للعالم أن تعبئة تريليونات الدولارات المطلوبة لإنقاذ التنمية وحماية الكوكب؟، ورغم تغير المزاج السياسي في العديد من القوى الكبرى، إلا أن الحقائق الاقتصادية لا تزال صارمة، نحن بحاجة إلى أكبر دفعة استثمار دولي منذ الحرب العالمية الثانية.

ومع أن 18% فقط من أهداف التنمية المستدامة على المسار الصحيح، ومع اقتراب العالم من تجاوز سقف 1.5 درجة مئوية، فإن عدم التحرك لن يؤدي فقط إلى خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، بل يعيد رسم خريطة قابلية الحياة نفسها في أجزاء واسعة من العالم.

المعضلة الكبرى ليست في تحديد حجم الاستثمار المطلوب، بل في مكان الحاجة إليه، دول نامية فقيرة رأس المال، تحتاج إلى تمويل خارجي ضخم يتجاوز بكثير ما هو متاح اليوم من مساعدات أو استثمارات خاصة أو تمويل متعدد الأطراف، ومع ذلك، فإن التاريخ يقدم أدلة قوية على أن مثل هذه الدفعة الاستثمارية ليست مجرد حلم بعيد، بل حدثت بالفعل، وبمقاييس مماثلة أو أكبر.

الاستثمار

تريليونات مطلوبة وفجوة تمويلية تتسع

يوجد مجموعة تقديرات دولية متقاربة تشير كلها إلى حجم غير مسبوق من الاحتياجات التمويلية، لجنة الخبراء الدولية لتمويل المناخ (IHLEG) تقدر أن الدول النامية باستثناء الصين، تحتاج إلى 2.3 إلى 2.5 تريليون دولار سنوياً بحلول 2030 لتحقيق أهداف اتفاق باريس، منها تريليون دولار من مصادر خارجية.

هذا الرقم وحده يعني زيادة قدرها 850 مليار دولار عن التدفقات الحالية، وهو تحدي يفوق قدرة المؤسسات المالية القائمة إذا لم تحول سياساتها وآليات عملها جذرياً.

وتقدر مبادرة سياسة المناخ (CPI) أن الاحتياجات الكلية، للدول المتقدمة والنامية معاً، تصل إلى 7.5 تريليون دولار سنوياً، مع احتياج الدول النامية إلى ما لا يقل عن 212 مليار دولار سنوياً للتكيف فقط. 

وحتى في التقديرات المنخفضة المستندة إلى خطط الدول المعلنة، تظهر الحاجة إلى 400 - 584 مليار دولار سنوياً في الدول النامية لتحقيق التزاماتها المناخية.

وعلى صعيد التنمية الشاملة خارج ملف المناخ، تتصاعد الفجوة التمويلية أيضاً، فمجموعة الخبراء التابعة لمجموعة العشرين تقدر الحاجة إلى 1.2 تريليون دولار سنوياً لتحقيق باقي أهداف التنمية المستدامة، فيما ترفع الأمم المتحدة الرقم إلى 4 تريليونات دولار سنوياً. 

أما صندوق النقد، فيقدر أن 3.5 تريليون دولار خلال 2025 – 2029 ستكون ضرورية لتحقيق تقدم حقيقي في خمسة أهداف أساسية فقط: التعليم، والصحة، والبنية التحتية الطرقية، والكهرباء، والمياه والصرف الصحي.

التوتر الحقيقي.. قدرة الدول الغنية والنامية على الاستيعاب

تشير الحقائق الاقتصادية إلى أن الدول النامية ستحتاج إلى استقبال تدفقات مالية خارجية تعادل عدة نقاط مئوية من ناتجها المحلي، وربما أكثر في حالات معينة، ويتطلب الأمر من الدول الغنية التي يبلغ مجموع ناتجها 71 تريليون دولار، تحويل 1–2% من ناتجها سنوياً نحو الدول النامية.

هذا الرقم يبدو متواضعاً مقارنة بحجم اقتصادات الدول المتقدمة، لكنه سياسياً صعب في ظل صعود الشعبوية وسياسات التقشف وتقليص المساعدات، وفي الوقت ذاته، تواجه الدول النامية تحديات absorptive capacity:

  • هل تمتلك جهازاً بيروقراطياً قادراً على إدارة مشاريع عملاقة؟
  • هل تمتلك الاستقرار الكافي لطمأنة المستثمرين؟
  • هل تستطيع تجنب مخاطر المديونية إذا لم يكن التمويل ميسراً؟

هذه الأسئلة تضغط على فرص بناء نموذج جديد للتمويل العالمي، لكن تجاهلها يعني ببساطة الاعتراف بالفشل المسبق في مواجهة تغير المناخ وتراجع التنمية.

اقتصادات الدول المتقدمة

يستند المقال إلى أربع تجارب تاريخية ضخمة تثبت أن العالم استطاع في السابق حشد موارد مالية هائلة رغم ظروف أصعب بكثير من تلك التي نعيشها اليوم:

1. خطة مارشال.. 1% من الناتج الأميركي لأوروبا المدمَّرة

بين 1948 و1951 خصصت الولايات المتحدة 13.3 مليار دولار (تعادل 1% من ناتجها المحلي في تلك الفترة) لإعادة إعمار أوروبا، وكانت تلك الخطة أكبر برنامج إعادة إعمار عرفه العالم، وحققت نجاحاً مذهلاً في إعادة تشغيل الاقتصاد الأوروبي وبناء النظام الاقتصادي الدولي الحديث.

المثير أن دولاً صغيرة مثل اليونان والنرويج تلقت تمويلاً يعادل 4 – 5% من ناتجها المحلي سنوياً، ما يدل على وجود سوابق تاريخية لدفعات تمويلية كبيرة جداً تتجاوز ما تحتاجه الدول النامية اليوم.

2. كوريا الجنوبية.. 21% من الناتج المحلي في صورة مساعدات

في ذروة الحرب الباردة، كان الاقتصاد الكوري الجنوبي شبه منهار، وفي عام 1957 وحده، قدمت الولايات المتحدة مساعدات تعادل 21% من الناتج الكوري الجنوبي.

هذه النسبة تفوق بكثير أي تقديرات لاحتياجات التمويل المناخي أو التنموي الحالية، هذه الدفعة الضخمة ساهمت في بناء نموذج التنمية الكوري الذي أصبح من أنجح التجارب في التاريخ الحديث.

3. مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC).. شطب 100 مليار دولار

رغم انتقادات عديدة، فإن هذه المبادرة أدت إلى زيادة واضحة في الإنفاق على الصحة والتعليم في عشرات الدول، في ليبيريا، مثلاً، وفر تخفيف الديون في عام 2012 – 2013 تخفيضاً في خدمة الدين بلغ 9.8% من الناتج المحلي.

وفي بوروندي وصل الرقم إلى 3% من الناتج، هذا يبرهن أن التدخلات الدولية الواسعة يمكن أن تكون حاسمة في تغيير المسار الاقتصادي.

4. الاتحاد الأوروبي.. تمويل هيكلي لعب دوراً حاسماً

بين 2007 و2013، وزع الاتحاد الأوروبي حوالي 49 مليار يورو سنوياً لدعم التنمية في الدول الأضعف، وبالنسبة لبعض الدول (المجر، لاتفيا، بولندا)، بلغت التدفقات 2 – 4% من الناتج المحلي، ما ساعد بشكل واضح على تسريع التقارب الاقتصادي.

هذه التجارب الأربع، رغم اختلاف سياقاتها السياسية والجغرافية، تشترك في حقيقة واحدة، حشد التمويل الدولي ليس أمراً مستحيلاً، لقد حدث بالفعل وبنجاح.

ما الذي يجعل الدفعة الجديدة أصعب؟

التحدي اليوم أكثر تعقيداً من الأمثلة السابقة لثلاثة أسباب رئيسية، فعدد الدول المحتاجة أكبر بكثير، إذ شملت خطة مارشال 16 دولة، بينما مبادرة HIPC شملت 39 دولة، أما اليوم فنتحدث عن أكثر من 100 دولة تحتاج لتمويل خارجي ضخم في وقت واحد، طبيعة التحدي عالمية وليس إقليمية، فالحرب العالمية الثانية وإعادة إعمار أوروبا كانت قضية مركزية للقوى الكبرى، أما تغير المناخ فهو قضية عالمية، لكن نتائجه غير متساوية، مما يجعل الدافع السياسي أضعف لدى الدول الغنية.

بينما القطاع الخاص متردد بشدة، فالمخاطر في الدول النامية عالية، وأسعار الفائدة العالمية مرتفعة، والمؤسسات المالية الدولية بطيئة ومترددة في تحمّل المخاطر.

ولهذا، فإن الاستثمار المطلوب اليوم يحتاج إلى تحالف دولي جديد بين الدول الغنية، والمؤسسات متعددة الأطراف، والقطاع الخاص، والبلدان النامية ذاتها.

التمويل الدولي

إن تحليل الحالات الأربع سيكشف عن أسئلة مفصلية تساعد على رسم خارطة الطريق: كيف ولدت تلك المبادرات؟ ومن صاغها سياسياً؟، وما هو التصميم المؤسسي الذي جعلها تعمل؟، وكيف يمكن للدروس المستخلصة أن تترجم إلى واقع اليوم؟، وفي عالم تقلص فيه المساعدات ويلحق فيه التغير المناخي بأعلى الفواتير الاقتصادية في التاريخ، يصبح التعلم من الماضي ضرورة استراتيجية لا خيارًا.

اقرأ أيضًا:

الدين العالمي عند أعلى مستوياته منذ 2020.. أزمة كامنة أم تحول مالي؟

20% فقط من أهداف التنمية المستدامة على المسار.. والعالم يقترب من نقطة اللاعودة

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search