الجائزة الكبرى في سباق النفوذ الأمريكي، هل تصبح فنزويلا الولاية رقم 51؟
السبت، 08 نوفمبر 2025 09:45 ص
طبول الحرب تدق بين أمريكا وفنزويلا
على مدار قرنين من الزمن، لم تتخل الولايات المتحدة عن نزعتها التاريخية في بسط نفوذها على جوارها الجنوبي، من كوبا إلى بنما وصولًا إلى كاراكاس، اليوم، ومع تصاعد الحشد العسكري الأمريكي في البحر الكاريبي، وعودة الخطاب الصدامي بين واشنطن وحكومة "نيكولاس مادورو"، يعود سؤال جوهري إلى الواجهة، هل تقف الولايات المتحدة على أعتاب تدخل جديد في فنزويلا؟ أم أن الأمر لا يعدو استعراض قوة، ضمن حملة أوسع لإعادة رسم الخريطة السياسية في نصف الكرة الغربي؟.
الذهب الأسود في قلب الصراع
اقتصاديًا، لا يمكن فهم الأزمة الفنزويلية بمعزل عن ثرواتها الهائلة، حيث تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، يقدر بـ303 مليارات برميل، أي ما يفوق احتياطي المملكة العربية السعودية.
غير أن سوء الإدارة، والفساد، والعقوبات الأمريكية التي شلت قطاع الطاقة منذ عام 2017، أدت إلى انهيار الإنتاج من 3.4 مليون برميل يوميًا، إلى نحو مليون برميل فقط، وهذا التراجع حرم كاراكاس من نحو 100 مليار دولار سنويًا من العائدات المحتملة، وأغرق البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات التضخمية في التاريخ الحديث، حيث فقدت العملة المحلية، البوليفار، أكثر من 99% من قيمتها خلال عقد واحد، وتحول الدولار إلى وسيلة التداول الفعلية في السوق.
وبالنسبة لواشنطن، فإن السيطرة أو حتى التأثير المباشر على هذه الثروة النفطية يعني مكاسب هائلة:-
- أولًا، تحجيم نفوذ روسيا والصين، اللتين تملكان استثمارات ضخمة في قطاع النفط الفنزويلي.
- ثانيًا، ضمان مصدر منخفض التكلفة للطاقة، يمكن أن يعزز أمن الطاقة الأمريكي، ويقلل الاعتماد على النفط الشرق أوسطي.
- ثالثًا، توجيه ضربة إستراتيجية إلى منظمة "أوبك+"، عبر إغراق الأسواق بإنتاج نفطي جديد، يخضع للهيمنة الأمريكية.
اقرأ أيضًا:-
من الأرجنتين إلى فنزويلا، واشنطن تعيد رسم خريطة الاقتصاد اللاتيني عبر الجيوسياسة
ترامب والفرصة الذهبية
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية هذا العام، بدا دونالد ترامب، عازمًا على استعادة نهج أمريكا القوية في السياسة الخارجية، فبعد إعادة نشر حاملة الطائرات "جيرالد فورد" في البحر الكاريبي، والسماح لوكالة الاستخبارات المركزية بتنفيذ عمليات داخل فنزويلا، تتصاعد التكهنات حول إمكانية تنفيذ عملية محدودة، تستهدف النظام الفنزويلي تحت شعار "مكافحة المخدرات".
لكن خلف هذا الشعار، تبدو الأهداف الاقتصادية أكثر وضوحًا، فترامب يدرك أن السيطرة على الثروات الفنزويلية، ولو عبر حكومة موالية، ستمنحه ورقة ضغط هائلة في السياسة الدولية، وستدعم شعبيته داخليًا في ظل تباطؤ النمو الأمريكي وارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وفي المقابل، قد يعرض أي تحرك عسكري واشنطن، لمواجهة غير محسوبة مع موسكو وبكين، اللتين تعتبران كاراكاس حليفًا إستراتيجيًا.

الاقتصاد الفنزويلي بين المطرقة والسندان
اليوم، يعيش الاقتصاد الفنزويلي في حالة من الانهيار شبه الكامل، التضخم السنوي تجاوز 300%، والناتج المحلي الإجمالي تقلص بأكثر من 75% منذ عام 2013، فيما غادر البلاد أكثر من 7 ملايين فنزويلي خلال العقد الأخير، في موجة هجرة تعد الأكبر في تاريخ أمريكا اللاتينية الحديث.
وأي تدخل أمريكي، سواءً عبر العقوبات أو القوة العسكرية، ستكون له تبعات اقتصادية ضخمة قصيرة الأجل، مثل اضطراب في إنتاج النفط، وارتفاع في الأسعار العالمية، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وإذا نجحت واشنطن في فرض نفوذها، فقد تشهد فنزويلا تدفقًا استثماريًا هائلًا من شركات الطاقة الأمريكية مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون"، اللتين ما زالتا تحتفظان بحصص محدودة هناك، كما أن إعادة بناء قطاع النفط وحده، تتطلب استثمارات تقارب 58 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم لكنه جذاب بالنظر إلى العوائد المستقبلية المحتملة.
اقرأ أيضًا:-
بعد نفي خطة هجوم أمريكي على فنزويلا، اعرف سعر النفط
فنزويلا بين خيارين كلاهما مر
وبالنسبة لشعب فنزويلا، فأي سيناريو يحمل مفارقة مؤلمة، فمن جهة قد يعني التدخل الأمريكي فرصة للإنعاش الاقتصادي عبر عودة الاستثمارات ورفع العقوبات وضخ الدولار في الأسواق، ومن جهة أخرى، يحمل خطر تحول البلاد إلى محمية أمريكية جديدة، تدار مصالحها من واشنطن بدلًا من كاراكاس.
أما المعارضة الفنزويلية، فممثلة في "ماريا كورينا ماتشادو"، وتبدو مستعدة لفتح الباب لأي تدخل خارجي يطيح بمادورو، لكن هذا الخيار، مهما بدا جذابًا سياسيًا، فإنه قد يفتح جراحًا تاريخية جديدة في بلد طالما عانى من الوصاية الخارجية.

النتيجة.. صراع بين الهيمنة والمصالح
وفي ضوء المعطيات الحالية، فإن فنزويلا لن تصبح الولاية الأمريكية رقم 51 قريبًا، على الأقل بالمعنى القانوني أو السياسي، غير أن واشنطن، وفق مؤشرات الحشد العسكري والتصريحات الرسمية، تبدو ماضية في طريقها لاستعادة السيطرة الاقتصادية على هذا البلد الغني بالنفط، سواءً عبر تغيير النظام أو عبر تسويات اقتصادية قسرية.
وقد لا ترفع واشنطن علمها على قصر “ميرافلوريس” في كاراكاس، لكن إذا تمكنت شركاتها من التحكم في إنتاج النفط الفنزويلي، فستكون قد حققت الغاية ذاتها دون إطلاق رصاصة واحدة، كما أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى ضم فنزويلا لتصبح ولاية جديدة تحت رايتها، بل يكفي أن تتحكم في قراراتها الاقتصادية، وأن تضمن تدفق مواردها الطبيعية نحو مصالحها الإستراتيجية.
وفي عالم تحكمه الطاقة والموارد، لا يقاس النفوذ بالحدود الجغرافية بقدر ما يقاس بمن يملك القرار الاقتصادي، وفنزويلا، للأسف، تبدو اليوم على وشك فقدان هذا القرار، سواءً في يد مادورو أو في ظل نفوذ واشنطن.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
يوم استثماري تاريخي، 31 مليار دولار تُضَخ في القاهرة والساحل الشمالي
05 نوفمبر 2025 05:06 م
36 يومًا من الشلل الإداري، كيف وصلت أمريكا لأطول إغلاق في تاريخها؟
05 نوفمبر 2025 02:10 م
قفزة "مليارية" في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تفاصيل
05 نوفمبر 2025 09:21 ص
أكثر الكلمات انتشاراً