هدنة مؤقتة أم صراع طويل الأمد، قراءة اقتصادية في الحرب الخفية بين أمريكا والصين
الأحد، 02 نوفمبر 2025 09:00 ص
قراءة اقتصادية في الحرب الخفية بين أمريكا والصين
ميرنا البكري
كانت العلاقة بين أمريكا والصين خلال الفترة الماضية عبارة عن حرب سياسية واقتصادية كاملة الأركان بها فصول متشابكة بين الفنتانيل والرقائق الإلكترونية والمعادن النادرة، فاسترجع ترامب بعد فوزه في الانتخابات المشهد مرة أخرى كأنه عام 2018، لكن هذه المرة اللعبة أخطر لأنه قرر يضرب بكارت المخدرات القاتلة "الفنتانيل" كذريعة لفرض رسوم جديدة على الصين، وبذلك خلط السياسة الصحية بالأمن القومي وبالتجارة الدولية في معادلة واحدة صعبة التفسير.

بداية التصعيد، "الفنتانيل" أصبح سلاح تجاري
كانت من أول قرارات ترامب بعد فوزه في الانتخابات، فرض رسوم 10% على الواردات الصينية، بحجة أن بكين لا تستطيع السيطرة على تصديرالمواد الأولية لمادة الفنتانيل المسببة لأزمة الإدمان في أمريكا، لكن بعد شهر زود الرسوم لـ 20%، وردت الصين فورًا برسوم مضادة على المنتجات الزراعية الأمريكية بنسبة 10 لـ 15%، ومن ثم اشتعلت الحرب الجمركية مرة أخرى، لكن المثير أن السبب المعلن "صحي"، بينما الهدف الحقيقي "اقتصادي وسياسي" في نفس الوقت.
استخدم ترامب ورقة الفنتانيل لكي يضغط على الصين ليس في ملف المخدرات فقط، بل في ملف المعادن النادرة والرقائق التي تعتمد عليها أمريكا في التكنولوجيا والجيش.
اللقاء في كوريا الجنوبية، هدنة ظاهرها سلام وباطنها ضغط
كان الاجتماع الذي جمع ترامب وشي في كوريا الجنوبية يوم 30 أكتوبر نقطة تحول شكلية، حيث وافقت أمريكا على تخفيف الرسوم الجمركية على المنتجات المرتبطة بالفنتانيل للنصف، مقابل أن الصين تتعهد بالحد من تصدير المواد الكيميائية الأولية، لكن في المقابل عادت بكين لفتح الباب لشراء فول الصويا الأمريكي وعلقت قيود تصدير المعادن النادرة، لكن الحقيقة أن هذا الاتفاق ليس صفقة جديدة، بل إعادة تدوير لاتفاق هدنة قديم، أي نفس السيناريو فأمريكا تلوح بالعقوبات، وترد الصين بقيود المعادن، ثم يلتقون عند نقطة توافق بينهما عند منتصف الطريق.
التنازلات التكنولوجية، أول كسر في جدار الأمن القومي الأمريكي
وفقًا لـ نيويورك تايمز، فالتنازل الأخطر ليس في الفنتانيل، لكن في ملف التكنولوجيا، فوافق ترامب تعليق قاعدة الـ 50% لمدة عام، والتي كانت توسع قائمة الكيانات المحظور عليها التعامل مع الشركات الأمريكية، مما يعني أن آلاف الشركات الصينية ستستطيع الوصول لإيصال للتكنولوجيا الأمريكية مرة أخرى.
وقال بعض المحللين محللين أن هذه الخطوة سابقة خطيرة، لأن لأول مرة أمريكا تخلط بين ملف الأمن القومي والملف التجاري، وبذلك استطاعت الصين أن تكسب أول نقطة حقيقية، وهي ربط ضوابط التصدير التكنولوجي بالمفاوضات التجارية، وهذ هدف بكين منذ سنوات.
حرب المعادن النادرة، سلاح الصين الذي يرعب الغرب
تسيطر الصين على أكثر من 80% من إنتاج ومعالجة المعادن الأرضية النادرة التي تدخل في صناعة البطاريات، الرقائق، الأسلحة والطائرات، فحينما بدأت أمريكا تشديد ضوابط التصدير على الرقائق، ردت بكين بقيود على تصدير المعادن النادرة، وبالتالي وقفت بعض مصانع سيارات وطائرات عالمية خطوط إنتاجها، وارتكبت الأسواق، فوجدت الولايات المتحدة نفسها أمام واقع بأن اقتصادها الصناعي مرتبط فعليا بالصين، مهما حاولت الانفصال تكنولوجيًا، وكان قد قال وزير الخزانة الأمريكي قالها بصراحة "استخدمت الصين المعادن كسلاح يهدد القاعدة الصناعية للعالم الحر".
ارتباك في الإدارة الأمريكية، وفجوات تنسيق واضحة
في ظل المعركة القائمة بين الصين وأمريكا، هناك ارتباك واضح داخل إدارة ترامب، فتصدر وزارة التجارة قرارات بدون تنسيق كافي مع مجلس الأمن القومي، وتتفاجئي وزارة الخزانة بالتنفيذ، مما جعل الصين تستغل هذه الفجوة لصالحها وترد بخطوات محسوبة، تضمن أن واشنطن تظهر كأنها الطرف الذي يتراجع دائمًا، كما أوضح بعض المسؤولين الأمريكيين أن بكين بكين تختبر الروايات المختلفة، وأن الولايات المتحدة قدمت تخفيضات في الرسوم مقابل وعود ليست واضحة.
لا تعني التطورات الحالية في العلاقة بينهما أن الحرب انتهت، بالعكس فهذه هدنة تكتيكية قبل جولة جديدة، فقد تتراجع الرسوم الجمركية قليلًا، لكن الصراع الحقيقي حول من يملك التكنولوجيا والمعادن والمخدرات لايزال في بدايته. أثبتت الصين أنها لن تسمح لأمريكا بالسيطرة على سلاسل الإمداد الحيوية، وأمريكا في المقابل لن تتراجع بسهولة عن احتكار الشرائح والذكاء الاصطناعي.
لعبة مصالح وليس حرب شعارات
ما حدث بين أمريكا والصين عبارة عن لعبة كبيرة على التكنولوجيا والمعادن والمخدرات، وكل طرف يحاول المحافظة على مصالحه بأقصى قوة، فوضحت الصين أنها لن تترك أمريكا تتحكم في سلاسل الإمداد الحيوية، وأيضًا الولايات المتحدة لن تتنازل بسهولة عن تفوقها التكنولوجي والسيطرة على الرقائق والذكاء الصناعي، ويتضح الآن أن أي هدنة مجرد فترة مؤقتة، والجولة المقبلة من الصراع ستكون أصعب وأكثر تعقيدًا، أي الحرب الحقيقة لازالت في بدايتها، وكل طرف يستغل كل فرصة لكي يقوي موقفه قبل اللعبة القادمة.
اقرأ أيضًا:-
«بين الفنتانيل والجمركة»، بكين تُدين وواشنطن تنزف.. من يصنع السم ومن يدفع الثمن؟
التنين يهدأ والعم سام يتربص، العالم يدخل مرحلة الحرب الباردة بعد إعلان الهدنة التجارية

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم
Short Url
صناعة اللياقة في السعودية، استثمارات بمليارات الريالات تستهدف 40% من السكان بحلول 2030
02 نوفمبر 2025 03:00 م
مصر تسعى للريادة الإقليمية في صناعة الهواتف بـ 200 مليون دولار استثمارات
02 نوفمبر 2025 01:10 م
من ورق المطاط إلى شرائح الذكاء الاصطناعي، نوكيا تكتب فصلًا جديدًا في تاريخها
02 نوفمبر 2025 11:00 ص
أكثر الكلمات انتشاراً