الفضة تخلع عباءة الرفاهية وتعتلي عرش الطاقة، والخلايا الشمسية السبب
الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025 09:09 م
الفضة والطاقة الشمسية
لم يكن أحد ليتوقع أن المعدن الذي لطالما ارتبط بالزخارف والمجوهرات سيصبح اليوم في قلب معركة الطاقة العالمية، فالفضة، التي كانت رمزًا للثراء والترف، باتت الآن مادة استراتيجية تشكل نقطة التقاء بين الاستثمار والمستقبل الأخضر، بعد أن تجاوزت أسعارها هذا العام كل التوقعات لتسجل مستويات قياسية غير مسبوقة منذ عقود.

الارتفاع الصاروخي للفضة ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين تراجع الإمدادات وتزايد الطلب الصناعي، خاصة من قطاع الطاقة الشمسية الذي يعتمد عليها بشكل أساسي في إنتاج الألواح الكهروضوئية.
معدن صناعي بملامح نفيسة
على عكس الذهب الذي يخزن في البنوك ويقدم كهدايا، تستهلك الفضة فعليًا في خطوط الإنتاج والمصانع، ويوجه نحو 60% من الإنتاج العالمي إلى الاستخدامات الصناعية، بدءًا من الإلكترونيات الدقيقة، مرورًا بالسيارات الكهربائية، وصولاً إلى تقنيات الطاقة المتجددة.
ومع هذا التحول العالمي نحو الكهرباء والذكاء الاصطناعي، أصبحت الفضة مادة لا غنى عنها لتوصيل الطاقة بدقة وكفاءة.
ومع ذلك، فإن هذا الطلب المتزايد يصطدم بحقيقة مقلقة، العرض في تراجع منذ أكثر من خمس سنوات، وهو ما خلق فجوة مستمرة تدفع الأسعار إلى الصعود حتى بعد تراجع حمى المضاربة.

الطاقة الشمسية.. المتهم الرئيسي والبطل في آن واحد
الطاقة الشمسية هي المحرك الأكبر لهذا التحول، فكل خلية شمسية تحتاج إلى طبقة رقيقة من معجون الفضة لتوليد الكهرباء بكفاءة، ومع تزايد مشاريع الطاقة الشمسية حول العالم بنحو ستة أضعاف ما كان عليه الوضع عام 2019، تضاعف الطلب على الفضة بوتيرة مذهلة.
ورغم أن شركات التصنيع أصبحت أكثر كفاءة في استخدام المعدن، فإن هذا التحسن لم يعد كافيًا لتعويض الزيادة الهائلة في حجم الإنتاج.
والمفارقة أن انخفاض تكلفة الألواح الشمسية جعل الفضة، للمرة الأولى، أغلى مكون في اللوح الواحد، إذ تشكل حاليًا قرابة 17% من تكلفة التصنيع.
اقرأ أيضًا:
لدعم الاقتصاد والبيئة، تفاصيل إنشاء مصنع خلايا شمسية ذكية بكفاءة عالية
مناجم تتعب.. وكميات تتناقص
في المقابل، يعيش جانب العرض حالة إنهاك مزمنة، فالمناجم التاريخية في جبال الأنديز وسييرا مادري التي غذت الإمبراطوريات الأوروبية منذ القرن السادس عشر، بدأت اليوم تُستنزف.
أكبر منجم للفضة الخالصة في العالم "فريسنيلو" في المكسيك فقد ثلثي إنتاجه منذ عام 2010، ومن المتوقع أن يستمر بالكاد لعقد آخر.
ولم يكن الوضع أفضل في المناجم الثانوية، إذ أن ثلاثة أرباع الفضة المستخرجة تأتي اليوم كمنتج جانبي من تعدين الزنك أو الرصاص أو النحاس.
ومع تراجع هذه الصناعات بسبب التحولات البيئية والاقتصادية، تقلصت الإمدادات بشكل حاد، بينما شهدت شركات كبرى مثل جلينكور وساوث 32 وترافيجورا انخفاضات كبيرة في إنتاجها، وبعض منشآتها لا تزال قائمة بفضل تدخلات حكومية أو خطط إنقاذ.

بين الذهب والفضة.. وجهان لمشهد واحد
لا يمكن فصل قصة الفضة عن الذهب، فهما يسيران غالبًا في الاتجاه ذاته، ومع صعود الذهب مؤخرًا، دخل المضاربون إلى سوق الفضة بوصفها البديل الأرخص، مما زاد من وتيرة الارتفاع.
لكن بخلاف الذهب، الذي يمكن تخزينه لعقود دون أن يُستهلك، فإن الفضة تستهلك فعليًا، وهو ما يجعل أي نقص في العرض أكثر تأثيرًا وأطول أمدًا.
اقتصاد الكهرباء يعيد تعريف المعادن
بينما يسعى العالم إلى تقليل الانبعاثات وتحويل أنظمته نحو الطاقة المتجددة، تتوسع دائرة الاستخدام الصناعي للفضة بشكل متسارع.
فكل سيارة كهربائية تستهلك تقريبًا ضعف كمية الفضة الموجودة في سيارة تقليدية، ومراكز البيانات التي تشغل أنظمة الذكاء الاصطناعي تبتلع بدورها كميات إضافية من هذا المعدن الموصل الفائق.
إنها مفارقة لافتة، كلما أصبح العالم أكثر رقمية وخضرة، زادت حاجته إلى معادن قديمة كأنها من زمن الفاتحين الإسبان.
اقرأ أيضًا:
الصين تتعثر في قلب ثورتها الخضراء، فهل أزمة الطاقة الشمسية مجرد عثرة مؤقتة أم تحول جذري؟
المستقبل.. أسعار مرتفعة وسوق عطشى
يتفق المحللون على أن السوق الحالية للفضة ستبقى ضيقة على المدى المتوسط، وأن الطلب المتزايد، إلى جانب تراجع الإنتاج، يشكلان وصفة مثالية لاستمرار الأسعار فوق حاجز 30 دولارًا للأونصة، وهو مستوى يعتبره الخبراء الحد الأدنى الضروري لتحفيز شركات التعدين على الاستثمار من جديد.
ورغم أن التطورات التكنولوجية قد تسمح لاحقًا بتقليل استخدام الفضة في الألواح أو استبدالها بمواد بديلة، إلا أن هذا الاحتمال ما زال بعيدًا وحتى يتحقق، ستبقى الفضة في موقع القلب من مشهد التحول الطاقي العالمي.

معدن المستقبل
الفضة اليوم ليست مجرد سلعة مالية أو معدن ثمين، بل عنصر استراتيجي يربط بين الطاقة والتكنولوجيا والبيئة، صعودها لا يعكس حمى مضاربة فحسب، بل يعبر عن تحول اقتصادي عميق نحو عالم يعتمد على الكهرباء النظيفة.
وإذا كان التاريخ قد سجل أن الفضة أشعلت حروبًا وغزوات في الماضي، فإنها اليوم تخوض حربًا من نوع مختلف، حرب على الكربون، تسلح فيها الشمس معدنها المفضل.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
196 مليار دولار في عام، السعودية نحو نهضة عمرانية واقتصادية غير مسبوقة
28 أكتوبر 2025 10:30 ص
“اللعبة الكبرى”، أمريكا تبني شبكة اقتصادية مضادة للصين في آسيا
27 أكتوبر 2025 05:44 م
ممر جديد للتقارب، استئناف الطيران يفتح آفاقًا اقتصادية وسياسية كبرى بين الهند والصين
27 أكتوبر 2025 11:10 ص
أكثر الكلمات انتشاراً