الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

03:46 م

الصين تتعثر في قلب ثورتها الخضراء، فهل أزمة الطاقة الشمسية مجرد عثرة مؤقتة أم تحول جذري؟

الأربعاء، 15 أكتوبر 2025 09:22 ص

الطاقة الشمسية الصينية

الطاقة الشمسية الصينية

في الوقت الذي تشهد فيه الساحة العالمية تراجعًا في زخم التحول الأخضر، وتتجه فيه قوى كبرى إلى إعادة تقييم التزاماتها المناخية، برزت الصين كـقوة طليعية لا يمكن تجاهلها في معركة إزالة الكربون العالمية، إذ تراهن بكين بقوة على توسيع رقعة الطاقة الشمسية والرياح والمركبات الكهربائية، ساعية من خلال هذا الاندفاع إلى تغيير المعادلة العالمية للطاقة وخلق نموذج ريادي في مجال الاستدامةلطاقة الشمسية والرياح والمركبات الكهربائية لتغيير المعادلة العالمية للطاقة، لكن الانخفاض الحاد في تركيبات الطاقة الشمسية خلال أغسطس 2025، وهو الأدنى في ثلاث سنوات دق ناقوس الخطر حول مدى متانة هذا الزخم.

فهل هذا التراجع المؤقت مجرد اهتزاز عابر في مسار صعودي طويل؟ أم أنه بداية تصحيح مؤلم قد يعيد ترتيب الأولويات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟

أول إشارة خطر.. تباطؤ مفاجئ في التركيب ونمو متذبذب في السوق

خلال النصف الأول من 2025، كانت وتيرة تركيب محطات الطاقة الشمسية في الصين تسير بوتيرة محمومة، مدفوعة بالدعم الحكومي وتوقعات الطلب العالمي، لكن في أغسطس، تراجع عدد التركيبات إلى أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات، وهو ما فسره الخبراء بأنه نتيجة لتشبع السوق مؤقتًا، وظهور آثار سلبية لتغيرات تنظيمية مفاجئة.

ففي مقاطعة شاندونج، التي تعد من أكبر مناطق إنتاج الطاقة الشمسية في البلاد، شهد أول مزاد كهربائي بموجب قواعد السوق الجديدة أسعارًا منخفضة بشكل غير مسبوق. هذا الانخفاض، وإن بدا إيجابيًا للمستهلك، إلا أنه يهدد قدرة مطوري الطاقة الشمسية على تحقيق أرباح، ما يعني أن الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع باتت موضع شك.

الطاقة الشمسية الصينية

بين مزادات مربكة وأرباح مهددة

المشكلة تكمن في أن النظام الجديد لتسعير الكهرباء يعتمد على آليات السوق بدلًا من الدعم المباشر، ما وضع المطورين في مأزق مالي خطير، ويمكن تلخيص ذلك في؛ تسعير الكهرباء، الذي أصبح أعلى مخاطرة وأقل عائدًا، ونتوقع انخفاضًا حادًا في وتيرة المنشآت قبل تحسن الظروف، ويضاف إلى ذلك جولة المزادات المقبلة في مقاطعة جوانجدونج، التي ستكون بمثابة اختبار مصيري، فهل تنجح الحكومة في إصلاح السوق وجذب المستثمرين من جديد؟ أم أن الفشل سيكرس حالة الشك والجمود؟

اقرأ أيضًا:

شركات تصنيع الطاقة الشمسية بالهند تهدد بمغادرة السوق الأمريكية.. ما القصة؟

خلل هيكلي أعمق.. بين طموحات بيئية وواقع يعتمد على الفحم

رغم الترويج المستمر لأجندة الحياد الكربوني، لا تزال الصين تعتمد على الفحم بشكل واسع، فمنذ 2019، زادت قدرات محطات الفحم بنسبة 22%، وكان من المفترض أن تعمل هذه المحطات كمصدر احتياطي فقط، لكن الواقع يقول العكس، فالاستهلاك الفعلي للفحم خلال 2024 كان الأعلى منذ خمس سنوات، والأكثر خطورة هو أن الحكومة أجبرت كبار مستهلكي الكهرباء، مثل مصانع الفولاذ، على توقيع عقود طويلة الأجل مع محطات الفحم، ما يعني أنهم يخططون لاستهلاك الكهرباء من مصادر ملوثة ويضمنون الدفع المسبق، حتى لو كانت الطاقة النظيفة متاحة وأرخص.

هذه السياسة، رغم أنها تعزز أمن الطاقة، تخلق سوقًا مشوهًا ومليئًا بالتناقضات، فالشبكة الكهربائية الصينية غير مرنة، وتمنع تدفق الكهرباء بين المقاطعات، كما تفرض رسوم مرتفعة على استخدام الشبكة في أوقات النهار، ما يدفع بعض المصانع إلى العمل ليلًا فقط لتجنب التكاليف.

وفي مفارقة لافتة، يطلب من محطات الطاقة الشمسية خفض إنتاجها في ذروة النهار لتفادي إجهاد الشبكة، رغم أنها تنتج كهرباء نظيفة ورخيصة في هذا الوقت بالذات.

الطاقة الشمسية الصينية

الأزمة ليست مفاجئة.. بل تراكمية

هذه التحديات لم تنشأ فجأة، فهي نتيجة بطء الإصلاحات في سوق الطاقة، وإصرار السلطات على دعم قطاع الفحم، إما بدافع أمني أو لتفادي البطالة في مناطق تعتمد عليه اقتصاديًا. 

وفي الوقت الذي تحققت فيه طفرة غير مسبوقة في تصنيع الألواح الشمسية والبطاريات، ظل السوق الداخلي عاجزًا عن استيعاب هذا الفائض بطريقة مستدامة.

التناقض واضح: على الورق، تعد الصين أكبر منتج ومستخدم للطاقة المتجددة في العالم، بينما على الأرض، ما تزال شبكتها الكهربائية مركزية وغير تنافسية، تشبه النموذج السوفيتي أكثر من الأسواق الحديثة.

اقرأ أيضًا:

العدادات الذكية تحقق تنمية مستدامة والإسهامات بالطاقة الشمسية والرياح تزداد بـ15%

وعود كبيرة.. ومخاوف أكبر

رغم كل هذه المؤشرات السلبية، لا تزال الحكومة تصر على أهدافها الطموحة، ففي سبتمبر، تعهد الرئيس شي جين بينج بتركيب 3600 جيجاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2035، وإن تحقق ذلك، فسيكون إنجازًا بيئيًا عالميًا، لكن السؤال الحقيقي هو: من سيتحمل تكلفة هذا التحول؟

يرجح أن العبء سيقع على عاتق شركات المرافق العامة المملوكة للدولة، والتي ستجبر على تنفيذ المشاريع، حتى لو تراجعت الربحية. 

وفي حال زادت الخسائر، ستضغط هذه الشركات بدورها على الحكومة لإعادة النظر في القواعد التنظيمية، مما يعيدنا إلى دائرة غير منتجة من التجربة والخطأ.

الطاقة الشمسية الصينية

هل فقد المستثمرون الثقة؟

في ظل كل هذه التناقضات، بدأت ثقة المستثمرين تهتز، فالصين، رغم قدراتها التصنيعية الهائلة، لم تثبت بعد قدرتها على بناء نظام طاقة حديث ومرن. 

وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد نكون أمام تصحيح مؤلم يشبه ما حدث في سوق طاقة الرياح البحرية في أوروبا، حيث أدت المزادات الفاشلة والتكاليف المرتفعة إلى تراجع الاستثمارات بشكل واسع.

وبينما تراهن بعض المؤسسات المالية الكبرى على أن طفرة الطاقة المتجددة في الصين أكبر من أن تفشل، يرى آخرون أن نجاح هذا المشروع يعتمد على استعداد بكين للتخلي عن الفحم، أو على الأقل تقليص دعمه تدريجيًا.

مفترق طرق تاريخي

الصين ليست فقط مصنع العالم، بل هي أيضًا مصنع طموحات المناخ العالمية، ومن هنا، فإن فشلها أو نجاحها في تحقيق تحول مستدام نحو الطاقة النظيفة سيحدد مصير المعركة ضد التغير المناخي.

تشير البيانات الأخيرة إلى تباطؤ، وربما اختلال، في هذا المسار، ومع اقتراب عام 2026، تحتاج بكين إلى اتخاذ قرارات جريئة لإنقاذ ثقتها في الأسواق، وإعادة التوازن إلى شبكتها الطاقية.

ففي النهاية، لا يتعلق الأمر فقط بتركيب المزيد من الألواح، بل ببناء نظام ذكي ومرن قادر على دعم الاقتصاد، وتحقيق الازدهار الأخضر دون العودة إلى الفحم.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search