الصين والنفط الروسي، معركة البقاء وسط عاصفة العقوبات الدولية
الخميس، 23 أكتوبر 2025 06:40 م

الصين والنفط الروسي
ميرنا البكري
في ظل التوترات العالمية الحالية، تعتبر علاقة الطاقة بين الصين وروسيا، واحدة من أبرز ساحات الصراع الاقتصادي والسياسي، فالنفط الروسي الذي كان يمثل شريان حياة للاقتصاد الصيني، أصبح اليوم محور أزمة معقدة؛ وذلك بسبب العقوبات الأمريكية الغربية، التي تستهدف كبرى شركات النفط الروسية.
وحاليًا، تواجه الصين تحديًا حقيقيًا بين الحفاظ على إمدادات طاقة رخيصة، ومواجهة مخاطر العقوبات، أو الامتثال لها وتكبد عبء ارتفاع الأسعار.

النفط الروسي، شريان حياة للاقتصاد الصيني
النفط الروسي ليس رفاهية بالنسبة للصين، بل يمثل حوالي 20% من وارداتها من الخام أي حوالي مليوني برميل يوميًا خلال الـ9 أشهر الأولى من 2025، وهذه نسبة ضخمة للغاية لأن أغلب المصافي الصينية، سواءً الحكومية أو الخاصة، معتمدة على النفط الروسي في إنتاج الديزل والبنزين واللدائن الصناعية، التي تغذي قطاعات حيوية كالنقل والصناعة الثقيلة والبلاستيك.
لكن بعد إدراج "روسنفت" و"لوك أويل" على القائمة السوداء الأمريكية، أصبحت الصين بين استمرار التعامل وبالتالي التعرض لخطر عقوبات ثانوية قاسية، أو الامتثال للعقوبات مع فقدان مصدر طاقة رخيص ومضمون، ما يجعل الموقف الصيني، أكثر حساسيةً من أي وقت مضى.
الصين تواجه العقوبات المالية
وحددت الحكومة الأمريكية، مهلة تنتهي في الـ21 من نوفمبر لإنهاء كل المعاملات مع الشركتين الروسيتين، ما يخلق حالة توتر في الأسواق الصينية والهندية، وهما أكبر مستوردي نفط روسيا، فالخطر لا يكمن فقط في أن الشركات قد تتعرض لعقوبات مالية، لكن أيضًا قد تفقد الوصول للنظام المالي الغربي.
ويشمل ذلك الدولار أو شبكات التأمين والشحن، التي تشكل العمود الفقري لسوق الطاقة العالمي، وبمعنى آخر إذا استطاعت الصين تحدي العقوبات، فقد تنعزل شركاتها عن النظام المالي الدولي، وهذا سيناريو مرعب لأي اقتصاد يقوم على التصدير والاستيراد.
مأزق المصافي الأسيوية، بين البقاء والمخاطرة
والآن، تواجه المصافي الصينية والهندية خيارات مستحيلة، فإذا استمروا في استيراد الخام الروسي، قد يتعرضون لعقوبات تمنعهم من دخول أسواق أو مشروعات دولية، وإذا امتثلوا للعقوبات، فسيُحرمون من النفط الرخيص الذي كان يوازن تكاليف الطاقة، ويمنع الأسعار المحلية من الارتفاع.
وتكمن المشكلة الأكبر في أن المصافي الصينية، وخاصةً في إقليم شاندونج، تعتمد بشكل شبه كامل على خام "إسبو" الروسي، الذي يأتي من ميناء كوزمينو في الشرق، وأي اضطراب في الشحن أو العقود، قد يشل جزء من الصناعة الصينية.
خطوة بريطانية زودت التوتر
وزاد القلق أكثر بعد أن قررت المملكة المتحدة الأسبوع الماضي أن تدرج إدراج كلًا من "روسنفت" و"لوك أويل"، وأيضًا شركة "شاندونغ يولونغ بتروكيميكال" الصينية، ضمن قوائم العقوبات، بسبب وارداتها من النفط الروسي.
وهذا القرار جعل الشركات الغربية، تحذر في تعاملاتها مع المصافي الصينية، كما بدأت تقلل شحناتها لموانئ مثل ريتشاو ودونج جاكو، والتي تعتبر ممرات حيوية لتدفق النفط الروسي والإيراني، والنتيجة ازدحام في الموانئ، وتكدس لناقلات وخوف عام في السوق من اتساع نطاق العقوبات، ليشمل شركات نقل وتأمين أخرى.
شبكة الطاقة المعقدة بين موسكو وبكين
الارتباط بين الصين وروسيا في قطاع الطاقة، ليس وليد اللحظة، بل هناك عقود طويلة الأمد بين "روسنفت" و"تشاينا ناشونال بتروليوم كورب" (CNPC) لتوريد النفط عبر خطوط أنابيب مباشرة من روسيا إلى منطقة داتشينغ شمال الصين.
كما تنقل هذه الخطوط، حوالي 800 ألف برميل يوميًا، ولا يتضح حتى الآن ما إذا كانت ستتأثر بالعقوبات أم لا، خاصةً أن هذه المشاريع تدار بشكل حكومي مباشر، ما قد يعطيها حماية جزئية من العقوبات الأمريكية، لكن حتى إذا استمرت الإمدادات عبر الأنابيب، فستكون الشحنات البحرية من ميناء كوزمينو، معرضة للاضطراب في أي لحظة، وهذا كفيل لهز السوق الأسيوي بأكمله.
أبرز التوقعات، هل هناك أزمة طاقة صينية قادمة؟
يتضح من كل هذه المؤشرات، أن بكين مقبلة على مرحلة إعادة تموضع خطيرة في سوق الطاقة، ومن أبرز الاحتمالات المطروحة أمامها الآن:-
1. الالتفاف على العقوبات، عبر وسطاء في أسيا الوسطى أو إفريقيا، وهذا قد ينجح مؤقتًا لكنه محفوف بالمخاطر.
2. زيادة الاعتماد على الشرق الأوسط، خاصةً السعودية والإمارات، لتعويض الفاقد من النفط الروسي، لكن هذا سيكون بسعر أعلى.
3. التحول لتسوية المعاملات باليوان بشكل أوسع، لتقليل الاعتماد على الدولار، وهذه فرصة لبكين لتوسيع نفوذها المالي، لكن في جميع الأحوال، ستضطر الصين للسير على حبل مشدود بين الأمن الطاقي والضغوط الجيوسياسية.
اختبار جديد لطموح الصين المالي
تعتبر هذه العقوبات، اختبار مباشر لطموح الصين بأن تكون قوة مالية كبرى، تستطيع الصمود أمام العقوبات الغربية وبناء نظام مالي موازي، لكن الواقع يوضح أن بكين لا زالت معرضة لضغوط النظام الغربي، سواءً من جانب التمويل أو من جانب تأمين الإمدادات.
وهذه الأزمة قد تكون فرصة ذهبية للصين، إذا لعبتها بذكاء واستطاعت التعزيز من مكانة اليوان كعملة نفطية، وأن تزيد من استقلالها المالي، لكن قد تضغط العقوبات أيضًا عليها وتجعلها تتراجع، وتفقد جزءًا كبيرًا من نفوذها في سوق الطاقة العالمي.
وفي النهاية، كل برميل نفط روسي يدخل الصين، يعتبر رسالة سياسية واضحة للعالم، تعكس محاولات بكين للسير على خط رفيع بين قوتها في الطاقة وطموحها المالي، وسط صراعٍ كبير بين واشنطن وموسكو، أي أن اللعبة كبيرة، والقرار ليس سهلًا، وكل خطوة لها تأثير عالمي.
اقرأ أيضًا:-
هل تنذر الخطوة الصينية بتغيرات كبيرة في سوق النفط الروسي؟
"النفط الروسي السبب"، مجموعة السبع تبحث فرض عقوبات على الهند والصين

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
بين الحلم والحقيقة، لماذا لم تتحقق السيارات النووية حتى الآن؟
21 أكتوبر 2025 03:00 م
تداعيات الإغلاق الأمريكي على سوق الإسكان، قروض متوقفة ومخاطر تمتد إلى البنوك
20 أكتوبر 2025 03:53 م
لماذا أصبح الذكاء الاصطناعي شرطًا للبقاء في سوق صناعة المنتجات الاستهلاكية؟
20 أكتوبر 2025 03:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً