ناقوس خطر، انكماش سكاني يهدد التوازن التنموي في السعودية
الإثنين، 20 أكتوبر 2025 11:00 ص

معدل السكان السعودي
شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقدين الماضيين تحولًا ديموغرافيًا لافتًا، إذ انخفض معدل الخصوبة بشكل متسارع، من نحو خمسة مواليد لكل أسرة في التسعينات إلى أقل من نصف هذا العدد في الوقت الحالي.
هذا الانخفاض الحاد في معدلات الولادة لا يمكن قراءته بمعزل عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها المملكة في ظل رؤية 2030، التي تسعى لإعادة تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السعودي.
ورغم ما حققته الرؤية من نجاحات في تمكين المرأة وزيادة نسب المشاركة في سوق العمل وتنويع مصادر الدخل، إلا أن هذا التحول السريع أفرز تحديات ديموغرافية قد تهدد استدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
التحول السكاني، أرقام تنذر بالخطر
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن معدل المواليد في المملكة تراجع من 44 مولودًا لكل ألف نسمة عام 1980 إلى 17 مولودًا فقط عام 2020، بينما انخفض معدل الخصوبة الكلي إلى 2.3 مولود لكل امرأة على مستوى السكان، و2.7 مولود على مستوى المواطنين السعوديين.
هذه الأرقام تضع المملكة على أعتاب مستوى الإحلال السكاني (2.1)، وهو الحد الأدنى الذي يضمن استقرار عدد السكان، وتجاوز هذا الحد نزولًا يعني الدخول في مرحلة الانكماش السكاني، وهو ما ينعكس على سوق العمل والإنفاق العام والتركيبة العمرية في المجتمع.
اقرأ أيضًا:
حقبة رقمية غير مسبوقة، السعودية تبني مستقبلها حول الذكاء الاصطناعي
رؤية 2030 تحتاج سكانًا أكثر لا أقل
ومن أخطر تداعيات الانكماش السكاني أنه يتعارض مع متطلبات برامج رؤية السعودية 2030، فالرؤية ترتكز على توسيع قاعدة الإنتاج وزيادة مساهمة القطاعات الحيوية كالسياحة والصناعة والخدمات اللوجستية، وكلها تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة ومتنوعة.
وانخفاض عدد المواليد يعني أن المملكة قد تواجه في المستقبل نقصًا في الأيدي العاملة الوطنية، ما سيدفعها إلى زيادة الاعتماد على العمالة الأجنبية، وهو ما قد يفرغ الرؤية من مضمونها الوطني ويجعل السعوديين يتحملون أعباء الإصلاح دون التمتع الكامل بثماره.

تمكين المرأة، إصلاح بالصدمة
لا جدال في أهمية تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، فهو من ركائز التنمية المستدامة، لكن التسارع الكبير في رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 18% إلى 35% خلال ثماني سنوات فقط، مثل صدمة هيكلية غير مسبوقة في أي دولة أخرى.
هذا التوسع السريع لم يبني على مراجعة دقيقة للمخاطر والآثار الجانبية، ما أدى إلى تغيّرات اجتماعية عميقة، منها تأخر سن الزواج لدى النساء من 22 إلى 28 عامًا، ولدى الرجال من 25 إلى 33 عامًا، ومع تأخر الزواج، انخفض عدد المواليد، خاصة مع ازدياد الاستقلال المالي للنساء وتغير أولويات الأسرة.
ورغم أن هذه الظواهر ليست سلبية بذاتها، إلا أن وتيرتها السريعة أحدثت فجوة زمنية بين الإصلاح الاجتماعي ومتطلبات التوازن الديموغرافي.
اقرأ أيضًا:
المشاريع الزراعية في السعودية، استثمار في الأمن الغذائي والمستقبل الأخضر
تجارب عالمية، عن النمو الاقتصادي لا يعني النمو السكاني
ما يحدث في المملكة ليس استثناءً، بل هو جزء من نمط عالمي يربط بين ارتفاع مستوى التعليم والازدهار الاقتصادي وانخفاض الخصوبة.
ففي السويد، انخفض معدل الخصوبة إلى أقل من 2.1 منذ عام 1968، وحذرت دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية حذوها حتى استقر المعدل عند 1.4 – 1.6 طفل لكل امرأة.
وفي آسيا، شهدت الاقتصادات الأسرع نموًا، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان أدنى معدلات خصوبة في العالم، وتتراوح بين 0.8 و1.2 فقط.
في المقابل، بقيت الدول الفقيرة في إفريقيا جنوب الصحراء عند معدلات تتجاوز 4 مواليد لكل امرأة، ما يعكس العلاقة العكسية بين الثراء الاقتصادي والنمو السكاني.
لكن الخطر في الحالة السعودية أن هذا التحول حدث في فترة زمنية قصيرة جدًا مقارنة بتلك الدول التي احتاجت لعقود لتصل إلى مستويات مشابهة، مما يجعل التبعات الاقتصادية والاجتماعية أكثر حدة.

الوجه الاقتصادي للأزمة
الانكماش السكاني لا يقتصر على الجانب الاجتماعي فحسب، بل يمتد تأثيره إلى الاقتصاد الكلي:
- العمالة والإنتاجية: قلة الشباب تعني تراجع عدد الداخلين إلى سوق العمل، ما يرفع تكاليف العمالة ويقلل من كفاءة الإنتاج.
- الطلب المحلي: انخفاض عدد السكان يعني تراجع الاستهلاك، وهو ما يبطئ دوران رأس المال ويحد من النمو في قطاعات التجزئة والخدمات والإسكان.
- العبء المالي: ارتفاع نسبة كبار السن يزيد من الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والتقاعد، ما يثقل كاهل المالية العامة.
- جاذبية الاستثمار: المستثمرون الأجانب يفضلون الأسواق ذات الكثافة السكانية العالية لأنها تضمن الطلب المستقبلي، وانكماش السكان قد يضعف جاذبية السوق السعودية.
اقرأ أيضًا:
من الفكرة إلى التنفيذ، تعرف على خدمات هيئة الاستثمار في جدة
إعادة التفكير في سياسات التوازن السكاني
من الحكمة أن توسع الحكومة السعودية من دائرة الرصد لتشمل تحليلًا ديموغرافيًا عميقًا باستخدام البيانات والسيناريوهات المستقبلية، فالقرارات المتعلقة بسوق العمل والخصوبة والأسرة لا يمكن أن تدار بعشوائية أو بمعزل عن التقييم المتكامل، فالتنمية المستدامة تتطلب شراكة بين الجهات الحكومية ومراكز الفكر والجامعات والأسر السعودية والشباب أنفسهم، لأنهم في نهاية المطاف محور الرؤية وهدفها الأساسي.

التوازن قبل التسرع
إن التنمية ليست سباقًا مع الزمن بقدر ما هي توازن بين الطموح والقدرة، ورؤية السعودية 2030 مشروع وطني طموح يهدف إلى تنويع الاقتصاد وبناء مجتمع حيوي، لكن نجاحه مرهون بوجود قاعدة بشرية متماسكة ومتنامية.
التحول الاجتماعي والاقتصادي السريع يجب أن يدار بحذر ووعي، حتى لا تتحول المكاسب المؤقتة إلى خسائر ديموغرافية طويلة الأمد.
إن التجربة العالمية تؤكد أن من يتجاهل مؤشر السكان، يخسر معادلة المستقبل، والمملكة تمتلك القدرة والرؤية لتفادي هذا المسار عبر سياسات متوازنة تضع الإنسان لا الأرقام في قلب التنمية.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
حرب الرسوم تعود من جديد، ترامب يغازل المصانع ويصعد ضد الحلفاء
20 أكتوبر 2025 05:00 م
تداعيات الإغلاق الأمريكي على سوق الإسكان، قروض متوقفة ومخاطر تمتد إلى البنوك
20 أكتوبر 2025 03:53 م
لماذا أصبح الذكاء الاصطناعي شرطًا للبقاء في سوق صناعة المنتجات الاستهلاكية؟
20 أكتوبر 2025 03:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً