"Adidas" و"Puma"، صراع الأشقاء يعيد رسم خارطة صناعة الأحذية الرياضية
السبت، 13 سبتمبر 2025 10:30 م

علامات Adidas وPuma
كريم قنديل
في عالم الشركات والعلامات التجارية، لا تندر القصص التي تنطوي على منافسة شرسة، لكن قليلة هي تلك التي تمتد جذورها إلى خلاف شخصي وعائلي، ثم تتحوّل إلى قصة نجاح عالمي تعيد تشكيل قطاع كامل.
هذا ما حصل بالضبط في قصة الشقيقين "آدي" و"رودولف" داسلر، مؤسسي شركتي أديداس وبوما، اللتين نشأتا من رحم خلاف وانفصال عائلي مرير، ليصبح كل منهما لاحقًا لاعبًا رئيسيًا في صناعة الأحذية والملابس الرياضية العالمية.
من غرفة غسيل إلى منصة أولمبية
بدأت القصة من بلدة ألمانية صغيرة تدعى هيرتسوجن آوراخ، حيث بدأ أدولف داسلر بتصميم وصناعة الأحذية في غرفة غسيل عائلية. ومع انضمام شقيقه رودولف عام 1924، تأسست شركة "أحذية الأخوين داسلر". تميز آدي بالإبداع الفني والهندسي، بينما أجاد رودولف فنون التسويق والمبيعات.

نقطة التحول الحقيقية جاءت عام 1936، حين ارتدى العداء الأمريكي الشهير جيسي أوينز أحذية الأخوين في أولمبياد برلين، ليحصد أربع ميداليات ذهبية ويهزم دعاية التفوق الآري النازية، هذا الانتصار الرياضي والسياسي أعطى الشقيقين دفعة قوية نحو الشهرة العالمية، وزاد من الطلب على منتجاتهما.
صعود النازية وبذور الانقسام
لكن النجاح لم يحجب الخلافات العميقة التي بدأت تتسلل إلى العلاقة بين الشقيقين، خاصة مع تصاعد نفوذ الحزب النازي، الذي انضم إليه الأخوان بدرجات مختلفة من الحماس، بينما كان آدي يعتبر العلاقة بالحزب وسيلة لدعم الأعمال، كان رودولف أكثر التزامًا أيديولوجيًا.
زادت الحرب العالمية الثانية من عمق الخلافات، التوترات السياسية، قرارات العمل، والتنافس على النفوذ العائلي أدت إلى انقسام نفسي وعاطفي لا رجعة فيه، وكان الحادث المفصلي خلال إحدى الغارات الجوية، حين فسر رودولف تعليقًا من آدي على أنه إهانة شخصية، ما أنهى العلاقة الأخوية والتجارية.
1948.. الانفصال الكبير وبداية الصراع التجاري
في عام 1948، انفصل الأخوان بشكل نهائي، أسس رودولف شركته بوما، فيما أسس آدي شركته أديداس، وباتت بلدة هيرتسوجن آوراخ مقسومة بين الولاءين، حتى إن العمال، والمتاجر، والفرق الرياضية اختاروا الانتماء لإحدى العلامتين، وتجنبوا التعامل مع الأخرى. كان الانقسام عميقًا لدرجة أن السكان المحليين يلقبون هذه الفترة بـ"حرب الأحذية".

مقاربات مختلفة لنفس السوق.. من المنتخبات إلى النجوم
اختارت أديداس التركيز على المنتخبات الوطنية والرعاية المؤسسية، نجاحها الأبرز جاء في كأس العالم 1954، حين ارتدى المنتخب الألماني أحذية أديداس في طريقه لتحقيق الفوز التاريخي على المجر.
بالمقابل، سعت بوما إلى بناء تحالفات فردية مع نجوم عالميين، أبرزهم بيليه، الذي حقق معها واحدة من أنجح اللقطات التسويقية في تاريخ الرياضة، حين طلب من الحكم وقتًا مستقطعًا لربط حذائه خلال مباراة كأس العالم 1970، ليركز العالم أنظاره على شعار بوما.
الابتكار التكنولوجي.. ساحة معركة أخرى
لم يكن الصراع تجاريًا فقط، بل امتد ليشمل الابتكار التقني والملكية الفكرية، تبادلت الشركتان الاتهامات بانتهاك براءات الاختراع، ورفعتا دعاوى قضائية حول تصميمات الأحذية، وألياف التصنيع، وتكنولوجيا التثبيت والتبطين.
كل خطوة كانت تقابل بخطوة مضادة، وهكذا أصبحت المنافسة محفزًا مستمرًا للابتكار، وصناعة الأحذية الرياضية أصبحت أكثر تعقيدًا وتطورًا بفضل هذا التنافس المحتدم.
من شركة عائلية إلى مؤسسة عالمية
مع دخول الثمانينيات، انتقلت الشركتان من الإدارة العائلية إلى الطابع المؤسسي، حيث أصبحت كل من أديداس وبوما شركات مساهمة مدرجة في البورصة.
لم يؤدِ ذلك إلى إنهاء التنافس، لكنه نقله إلى مستوى أكثر نضجًا، تم تعزيز فرق البحث والتطوير، وزادت الاستثمارات في التسويق الرقمي، وبدأت كل شركة في توسيع قاعدة منتجاتها لتشمل الملابس والإكسسوارات، وحتى الشراكات مع مشاهير الفن والثقافة.

السوق العالمية تتغير.. والخصمين يواصلان الصعود
في ظل صعود منافسين جدد مثل نايكي وأندر آرمور، واجهت أديداس وبوما تحديًا إضافيًا يتمثل في الحفاظ على مكانتهما في سوق سريع التغير، ومع ذلك، أثبتت الشركتان مرونة عالية في التكيف.
فقد تحولت العلامتان التجاريتان إلى رموز في ثقافة البوب العالمية، بالتعاون مع مغنين مثل كايني ويست (Yeezy مع أديداس)، ورياضيين مؤثرين، ومصممين عالميين.
القيمة الاقتصادية لصراع نادر
من منظور اقتصادي، فإن صراع أديداس وبوما يشكل نموذجًا فريدًا لما يعرف بالمنافسة البناءة. فكل خطوة اتخذها أحد الطرفين، دفعت الآخر إلى تطوير ذاته، ما خلق دورة مستمرة من التجديد والإبداع.
ووفقًا لتقارير سوقية، تبلغ القيمة السوقية لأديداس نحو 50 مليار دولار، بينما تسجّل بوما أرقامًا قوية في فئة السوق المتوسطة والمتنامية، وكلاهما يواصلان التوسع في الأسواق الناشئة مثل آسيا وأفريقيا، مع خطط استثمارية ضخمة في الاستدامة والتكنولوجيا الخضراء.
عندما يولد النجاح من رحم الفشل العائلي
قصة أديداس وبوما ليست مجرد صراع على حصة سوقية، بل هي درس عميق في الاقتصاد السلوكي، والتنافس الاستراتيجي، والتسويق الرياضي.
من غرفة غسيل متواضعة إلى مراكز الابتكار العالمية، من خلاف عائلي مرير إلى نجاحات اقتصادية مدوية، تثبت هذه القصة أن الخصومة أحيانًا لا تكون نهاية، بل بداية لرحلة مدهشة من الإبداع والنمو.
وربما لو استمر التعاون بين الشقيقين، لما شهد العالم هذا الكم الهائل من الابتكار، فبعض النجاحات، كما تثبت قصة أديداس وبوما، لا تولد إلا من رحم الخلاف.
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
الأكثر جذبًا في إفريقيا، مصر تحصد صدارة الوجهات السياحية خلال النصف الأول من 2025
13 سبتمبر 2025 11:53 م
إسبانيا بين المطرقة والسندان، هل تنجح مدريد في موازنة علاقتها بين واشنطن وبكين؟
13 سبتمبر 2025 03:00 م
950 مليون جائع، الأمن الغذائي في مهب التحديات وندرة المياه تهدد عالم الغذاء
13 سبتمبر 2025 01:30 م
أكثر الكلمات انتشاراً