الثلاثاء، 09 سبتمبر 2025

02:53 م

إقالة حكومة بايرو.. زلزال سياسي يكشف عمق الأزمة المالية الفرنسية

الثلاثاء، 09 سبتمبر 2025 02:05 ص

ماكرون وبايرو 

ماكرون وبايرو 

لم تكن إقالة حكومة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو يوم الاثنين مجرد زلزال سياسي، بل انعكاسًا صارخًا لأزمة اقتصادية خانقة تعصف بثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. 

 فرانسوا بايرو

فتصويت الجمعية الوطنية بحجب الثقة عن الحكومة بأغلبية ساحقة 364 مقابل 194 لم يكن موجهًا لشخص بايرو وحده، بل ضد نهج مالي تقشفي يراه كثيرون مؤلمًا وغير فعال في إنعاش الاقتصاد أو استعادة ثقة الأسواق.

الميزانية التقشفية.. طوق نجاة أم رصاصة في القدم؟

أراد بايرو، السياسي المخضرم، كسر الجمود المزمن الذي أعاق تمرير الميزانية منذ أشهر، فاختار المجازفة السياسية القصوى، تصويت ثقة على خطة تقشفية تهدف إلى تقليص العجز بما يقارب 44 مليار يورو.

لكن البرلمان، بأطيافه المختلفة، قرأ الخطة على نحو مغاير، إذ رأى فيها تهديدًا مباشرًا للإنفاق الاجتماعي وسط ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو، واعتبرها استمرارًا في تحميل الطبقات الوسطى والفقيرة كلفة أزمات تراكمت منذ جائحة كورونا وأزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا.

ولم تقنع مرافعة بايرو الأخيرة النواب، حين قال: «الديون مهددة للحياة... وأنتم تملكون السلطة لإسقاط الحكومة، لا لإلغاء الواقع»، في خطاب يحمل نبرة تحذير، لكنه افتقر للبدائل المقنعة.

الديون الفرنسية.. كرة ثلج تتدحرج

تواجه فرنسا عجزًا في الميزانية يزيد عن 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تفوق الحد المسموح به أوروبيًا 3%، أما الدين العام، فقد تجاوز عتبة 3,200 مليار يورو، ما يعادل نحو 112% من الناتج المحلي، وفق آخر بيانات معهد الإحصاء الفرنسي INSEE.

ومع استمرار رفع البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة في محاولة لكبح التضخم، فإن خدمة الدين أصبحت عبئًا متصاعدًا على المالية العامة، ويقدر أن فرنسا ستدفع أكثر من 60 مليار يورو كفوائد فقط في 2025 ما يتجاوز ميزانيات وزارات كاملة.

في ظل هذه المعطيات، بات التقشف رغم عدم شعبيته خيارًا لا مهرب منه، ولكن تنفيذه دون توافق سياسي أو اجتماعي يجعل أي خطة اقتصادية مجردة من أدواتها التنفيذية.

عوائد السندات الفرنسية

الأسواق تترقب.. والمستثمرون يتحسسون المخاطر

رد الفعل في الأسواق المالية كان فوريًا، اليورو تراجع أمام الدولار، وعوائد السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات ارتفعت بنحو 15 نقطة أساس، في إشارة إلى ازدياد قلق المستثمرين من المخاطر السياسية والمالية في البلاد.

تصنيف فرنسا الائتماني، الذي خفض في مايو الماضي من قبل وكالة ستاندرد آند بورز من AA إلى AA-، قد يواجه جولة جديدة من المراجعة إذا استمرت حالة عدم اليقين السياسي وتعثرت الإصلاحات المالية.

اقرأ أيضًا:

"فرنسا"، من قاطرة الاتحاد الأوروبي إلى نقطة ضعف تهدد استقراره

ماكرون في مأزق مزدوج

سياسيًا، يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمام أحد أصعب قرارات رئاسته، هل يعين رئيس وزراء سابعًا وربما مؤقتًا فقط لشراء الوقت، أم يدعو لانتخابات تشريعية مبكرة قد تعيد تشكيل البرلمان بالكامل؟

الاحتمال الأول يبقيه في دوامة الجمود، والثاني قد ينتهي بسيطرة المعارضة على البرلمان، ما يعجل بمرحلة التعايش السياسي التي تعني تجميد صلاحياته فعليًا.

الأسوأ بالنسبة لماكرون أن ثلثي الفرنسيين وفق استطلاع أودوكسا يرغبون في استقالته، لا في تعيين رئيس وزراء جديد، وهو ما يظهر فجوة ثقة عميقة بين الرئاسة والشارع.

مارين لوبان

2027.. حلم اليمين المتطرف يعود للحياة

على بعد أقل من ثلاث سنوات من الانتخابات الرئاسية، تتجه الأنظار نحو مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، رغم الحكم القضائي الذي يحظر عليها الترشح حاليًا، محكمة باريس أعلنت أن استئنافها سينظر فيه في أوائل 2026، أي قبل الانتخابات بوقت كافي لإعادة طرح اسمها.

وفي ظل غياب منافسين أقوياء من الوسط أو اليسار، قد تجد لوبان نفسها إن أُعيد تأهيلها على مشارف قصر الإليزيه في سيناريو كان مستبعدًا قبل أشهر فقط.

 

اقرأ أيضًا:

البرلمان الفرنسي يُطيح بحكومة بايرو بعد 9 أشهر فقط بسبب أزمة الديون الخانقة

الشارع يغلي.. والنقابات تتحرك

الأزمة الاقتصادية تترجم اجتماعيًا بسرعة، احتجاجات مرتقبة بدعوة من حركة «احجبوا كل شيء»، وإضرابات نقابية في الأفق يوم 18 سبتمبر، تضع البلاد على مسار قد يعيد أجواء "السترات الصفراء" التي هزت فرنسا في 2018.

الرسالة واضحة، الفرنسيون يشعرون بأنهم من يدفعون ثمن السياسات الخاطئة، وأن النخبة السياسية لا تقدم حلولاً بل تغرق في لعبة الكراسي الموسيقية.

ماكرون وبايرو 

فرنسا أمام اختبار وجودي

تظهر إقالة بايرو هشاشة الوضع السياسي، وتسلط الضوء على الأزمة الاقتصادية التي تزداد عمقًا كل يوم، وبين تقشف لا يلقى قبولاً، ومعارضة متفرقة، ورئيس يفقد شعبيته بسرعة، تقترب فرنسا من مفترق طرق قد يحدد مستقبلها لعقد قادم.

هل يملك ماكرون القدرة على استعادة السيطرة؟ أم أن ساعة التغيير قد دقت؟ الأسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة، ليس فقط لفرنسا، بل لأوروبا كلها.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search