من الرؤية إلى التنفيذ، مصر تعبر من أزمات المنطقة بسردية اقتصادية وطنية
الأحد، 07 سبتمبر 2025 08:51 م

السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل
في مشهد اقتصادي عالمي متسارع التغيير، تقف مصر عند نقطة تحول محورية، تسعى من خلالها إلى إعادة رسم معالم اقتصادها الوطني، عبر وثيقة استراتيجية جديدة حملت عنوان "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل".

تم إطلاق تلك الوثيقة رسميًا بمشاركة واسعة من قيادات الدولة، في مقدمتهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وعدد من الوزراء المعنيين بالملفات الاقتصادية والاستثمارية.
التحول إلى نموذج اقتصادي جديد
تستند الوثيقة إلى ضرورة التحول إلى نموذج اقتصادي متطور، خلال السنوات الخمس المقبلة، حتى 2030، حيث تهدف إلى ضمان الاستدامة الاقتصادية، وتحقيق معدلات نمو مستقرة لا تتأثر بالأزمات المؤقتة، في ظل عالم يعاد تشكيله من جديد، بفعل الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية المتلاحقة.
ما يميز السردية الوطنية، أنها لا تقدم فقط خطة عمل تقليدية، بل تُعيد تعريف دور الدولة في النشاط الاقتصادي، واضعة المواطن في قلب العملية التنموية، وتعمل على تمكين القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو، بدلاً من أن تكون الدولة اللاعب الأول في الاقتصاد، كما جرت العادة.
محاور استراتيجية متعددة.. وتناغم مؤسسي
وهو ما أكدته الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، خلال المؤتمر، عندما أوضحت أن الوثيقة تستند إلى أطر قانونية ومؤسسية متكاملة، تشمل قانون التخطيط الموحد وقانون المالية العامة الموحدة، كما تتبنى موازنة متوسطة الأجل قائمة على الأداء والبرامج لأول مرة بشكل منظم، مما يعزز من كفاءة الإنفاق العام وتوجيهه نحو الأولويات الوطنية، وعلى رأسها التنمية البشرية والصحة والتعليم.
التركيز على الاستقرار الكلي للاقتصاد يمثل البنية التحتية الفكرية للسردية، فكما أكدت المشاط، لا يمكن تحقيق النمو المستدام دون إصلاحات هيكلية دائمة تخلق حيزًا ماليًا يمكن الحكومة من تمويل خطط التنمية الشاملة.

الاستثمار والتجارة.. ركيزتان لتحفيز الاقتصاد
من جهته، عرض المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، رؤية الحكومة لجذب الاستثمارات وتعزيز التجارة الخارجية، موضحًا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما زالت دون الطموح، وأن الحكومة تستهدف مضاعفتها من خلال إصلاحات تنظيمية وإدارية ومالية، وإزالة العوائق غير الجمركية، وتحفيز الصناعات الوطنية، لا سيما في الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والصناعات المغذية.
كما لفت إلى أن البرنامج الجديد لرد الأعباء التصديرية قد تم تطويره ليكون أداة لدعم التصنيع المحلي وتوطين التكنولوجيا، وليس فقط لتعويض المصدرين ماليًا، وهو ما يؤشر إلى تغيير في عقلية الدعم الحكومي نحو تحقيق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد.
والأهم، أن الهدف الاستراتيجي المعلن هو خفض العجز في الميزان التجاري لأدنى مستوى خلال 15 عامًا، والوصول بحجم الصادرات إلى 145 مليار دولار، وهو هدف طموح لكنه يعكس تحولًا واضحًا في الأولويات الاقتصادية نحو قطاعات قابلة للتصدير.
اقرأ أيضًا:
وزيرة التخطيط: الدولة تزيد من كفاءة استخدام الموارد عبر المشروعات المختلفة
المالية العامة.. أربعة أهداف رئيسية
أما على صعيد السياسة المالية، فقد أكد وزير المالية أحمد كجوك أن المرحلة الحالية ترتكز على أربعة أهداف جوهرية:
- استعادة الثقة بين الدولة ومجتمع الأعمال.
- تحقيق سياسة مالية متوازنة تدعم النمو دون الإخلال بالانضباط المالي.
- خفض الدين العام من خلال استراتيجية متكاملة.
- خلق مساحة مالية لإعادة توجيه الإنفاق إلى أولويات مثل الصحة والتعليم.
وهو ما يمثل تحولًا من الاعتماد على التمويل العشوائي إلى تمويل موجه ذكي يضع المواطن في مركز الأولويات.

الأمن السيبراني.. عنصر حيوي في الاقتصاد الرقمي
في ظل التحول العالمي نحو الرقمنة، أشار الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى أهمية الأمن السيبراني كأحد دعائم الاستقرار الاقتصادي في العصر الرقمي، مؤكدًا أن الهجمات الإلكترونية باتت تهدد ليس فقط الأنظمة، بل سيادة الدول وثقة المواطنين.
وقد كشف الوزير عن استراتيجية وطنية للأمن السيبراني 2023-2027، ترتكز على خمسة محاور، أبرزها بناء إطار مؤسسي وتشريعي، وتعزيز القدرات الوطنية، وتوسيع التعاون الإقليمي والدولي.
ويعد فوز الفريق المصري بالمركز الأول في أكبر مناورات سيبرانية دولية خير دليل على التحسن الملحوظ في القدرات الفنية السيبرانية للدولة.
اقرأ أيضًا:
رئيس الوزراء: نستهدف زيادة الصادرات المصرية بنسبة 20 % سنويًا
القطاع الخاص.. الشريك الحقيقي في التنمية
ومن أبرز الرسائل التي تكررت على لسان رئيس الوزراء والوزراء المعنيين، هي التأكيد على أهمية القطاع الخاص في قيادة عملية التنمية، ليس فقط كمستثمر بل كشريك حقيقي في صنع السياسات وتقييم الأداء الاقتصادي.
وشهد اجتماع رئيس الوزراء مع رؤساء المجالس التصديرية إشادة بالبرنامج الجديد لرد الأعباء التصديرية، والذي جاء بتوافق بين الحكومة والقطاع الخاص، بما يعكس نقلة نوعية في أسلوب إدارة العلاقة مع المستثمرين.

الموازنة العامة تحقق فائض أولي بنسبة 3.6%
أشار مصطفى مدبولى، أن الأهم خلال المرحلة المقبلة، هو تبسيط الإجراءات المرتبطة بالاستثمار، بما يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص على قيادة عملية التنمية الاقتصادية في مصر بقوة.
انعكست الإصلاحات الهيكلية التي قامت بها الدولة بشكل إيجابي على المؤشرات الاقتصادية، حيث سجل معدل النمو 4.2% خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي، مقارنة بـ2.4% في الفترة ذاتها من العام الماضي، مدفوعًا بالقطاعات القابلة للتداول مثل الصناعة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة، وهي قطاعات مستدامة يعتمد عليها الاقتصاد الوطني.
وتمكنت الموازنة العامة من تحقيق فائض أولي بنسبة 3.6%، ومن المستهدف الوصول إلى 4% في العام المالي الجديد، وهي من أعلى المعدلات عالميًا، كما تعمل على خفض معدلات الدين إلى أقل مستوى تاريخي مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
وتراجع معدل التضخم ليسجل 13.9% مقابل 25.7% في العام الماضي، كما تجاوزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج 36.5 مليار دولار فيما وصلت معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها.
تستهدف السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية ضمان استدامة النمو ليظل عند معدلات لا تقل عن 5% و6% و7% مع وضع عدة سيناريوهات للتعامل مع التحديات المحتملة.

من سردية إلى وثيقة ملكية مشتركة
في المجمل، تعكس السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية تحولاً جوهريًا في فكر الدولة المصرية تجاه الاقتصاد، من عقلية مركزية موجهة إلى أخرى تشاركية قائمة على التكامل بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع.
التحول إلى نموذج اقتصادي حديث في ظل هذا الكم من التحديات ليس سهلاً، لكنه ممكن إذا استمرت الحكومة في فتح قنوات الحوار المجتمعي كما تفعل الآن، وإذا وضعت آليات متابعة وتقييم فعالة تضمن ترجمة الخطط إلى نتائج ملموسة.
ويبقى السؤال المحوري، هل ستتمكن مصر من تنفيذ هذا النموذج الطموح وسط ضغوط إقليمية وعالمية متصاعدة؟
الإجابة تكمن في القدرة على الاستمرار في الإصلاح، وتحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وتمكين الفاعلين الحقيقيين في السوق.. الطريق طويل، لكنه بدأ بخطوة في الاتجاه الصحيح.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
حدوث حرب عالمية ثالثة، مركز المعلومات يرصد أبرز نتائج استطلاعات الرأي العالمية
07 سبتمبر 2025 11:50 ص
أزمة المصانع المتعثرة في مصر، الأسباب والحلول المقترحة
05 سبتمبر 2025 05:29 م
80 عامًا من إدارة الأزمات والبحث عن الاستدامة، رحلة مصر مع صندوق النقد
05 سبتمبر 2025 03:15 م
أكثر الكلمات انتشاراً