ترامب صناع السلام غير المقصود، كيف أسهمت الحرب التجارية في تحسين العلاقات بين الصين والهند؟
السبت، 06 سبتمبر 2025 12:32 ص

تحسن العلاقات بين الصين والهند - صورة تعبيرية
في تحول واضح على خريطة التحالفات الاقتصادية والسياسية في آسيا، شهدت العلاقات بين الهند والصين تحسنًا ملموسًا منذ عام 2024، بعد سنوات من الجمود والنزاعات الحدودية المتكررة، ويبدو أن جزءًا كبيرًا من هذا التحسن جاء نتيجة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي فرضت رسومًا جمركية كبيرة على الصادرات الهندية والصينية، وأدت إلى إعادة النظر في أولويات نيودلهي وبكين على حدٍ سواء.
وهذا التقارب الأخير بين أقوى اقتصادين في آسيا، لا يمثل مجرد خطوة دبلوماسية، بل يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي، في وقت تكافح فيه الصين تباطؤًا اقتصاديًا، كما تحتاج الهند إلى رأس المال والتكنولوجيا الصينية، لتعزيز صناعتها الناشئة.

حرب ترامب التجارية.. محفز للتقارب بين الصين والهند
وفي مارس، بينما كانت إدارة ترامب تصعد حربها التجارية مع الصين، اختارت بكين نهجًا هادئًا وثابتًا مع الهند، وتحاول بذلك التخفيف من أثر الرسوم الجمركية على علاقاتها الاقتصادية، ووفقًا لمؤسسة "أوبزرفر للأبحاث"، أدى هذا السياق إلى تحسين العلاقات بين الهند والصين تدريجيًا، مع إرسال إشارات إيجابية من الجانبين، مثل دعوة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إلى حل سريع للأزمة الحدودية في إبريل 2024، وإرسال الصين سفيرًا جديدًا بعد انقطاع دام 18 شهرًا.
وفي أكتوبر، توصلت الهند والصين إلى اتفاق بشأن ترتيبات الدوريات على طول خط السيطرة الفعلية في منطقتي ديبسانج وديمشوك، ما أدى إلى الانسحاب النهائي للقوات من جميع النقاط الساخنة منذ عام 2020.
وتلي هذا الاتفاق، اجتماع قمة في قازان بين مودي والرئيس الصيني شي جين بينج، ليعكس زخمًا متصاعدًا في التبادلات رفيعة المستوى بين البلدين.
خطوات تدريجية نحو تطبيع العلاقات
وعلى مدار العام، شهدت العلاقات الهندية الصينية سلسلة خطوات تدريجية لتحسين الأوضاع، بدءًا من لقاء وزير الخارجية الهندي إس. جايشانكار بنظيره الصيني وانج يي في بكين في يوليو، وهي الزيارة الأولى منذ خمس سنوات.
وفي الأسابيع التالية، تم تخفيف القيود على التجارة والاستثمار، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة، والسماح بتأشيرات سياحية للصينيين، وتخفيف القيود على شحنات اليوريا إلى الهند.
كما بدأت الشركات الهندية الكبرى مثل مجموعة أداني وشركات "ريلاينس إندستريز" و"جيه إس دبليو" في استكشاف شراكات مع شركات صينية، ويوضح ذلك استعداد الجانب الهندي، للاستفادة من رأس المال والتكنولوجيا الصينية، لتعزيز نمو القطاع الصناعي المحلي.
ووفقًا لبلومبرج، تتعاون مجموعة أداني مع شركة ”بي واي دي“ (BYD) الصينية العملاقة للسيارات الكهربائية، والتي من شأنها أن تسمح للتكتل الذي يسيطر عليه الملياردير غوتام أداني -الذي يُنظر إليه على أنه مقرب من مودي- بتصنيع البطاريات في الهند، وتوسيع نطاق دفعها نحو الطاقة النظيفة.
كما تسعى شركة "ريلاينس إندستريز" إلى إبرام اتفاقيات، وصفقات سرية مع مجموعة ”جيه إس دبليو“ (JSW) بمجرد تحسن العلاقات الثنائية بين البلدين.

الأبعاد الاقتصادية للتقارب بين الصين والهند
ويتضح من التحركات الأخيرة بين الصين والهند، أن هناك مصالح اقتصادية كبيرة تربط بينهم، حيث تحتاج الهند إلى استثمارات صينية وتقنيات متقدمة لدعم أهدافها الصناعية، بينما تحتاج الصين إلى السوق الهندية الكبيرة، خاصة في وقت تواجه فيه قيودًا تجارية في الولايات المتحدة وأوروبا.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة "بلومبرج"، إذا استمرت الرسوم الأمريكية، قد تختفي نحو 60% من صادرات الهند إلى الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% تقريبًا على المدى المتوسط.
وأكدت أنتارا جوسال سينج، من مؤسسة "أوبزرفر للأبحاث"، أن الإمكانيات الاقتصادية هائلة إذا تمكنت الدولتان من تسوية الخلافات وبناء الثقة، مشيرةً إلى أن سياسة ترامب كانت بمثابة حافز لكلا الجانبين لإعادة النظر في خياراتهما الاقتصادية والإستراتيجية.
تاريخ النزاعات الحدودية وعوامل الثقة
ورغم التحسن الملحوظ، لا تزال هناك ذكريات عالقة من النزاعات الحدودية بين الهند والصين، والتي تعود إلى الحرب الشاملة في 1962م، وأحدثها الاشتباكات في يونيو 2020 بوادي جالوان في لاداخ الشرقية، والتي أسفرت عن خسائر بشرية وعقوبات اقتصادية متبادلة.
وأشار الخبراء إلى أن أي تقدم في العلاقات بين البلدين، يعتمد على التوازن بين حل القضايا الحدودية والحفاظ على المصالح الاقتصادية المتبادلة، مع إدارة العلاقات على أسس الاحترام المتبادل والحساسية المتبادلة والمصالح المشتركة، وفق تصريحات وزير الخارجية الهندي جايشانكار، ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال.

انعكاسات على السياسة الإقليمية والدولية
ويحمل التحسن في العلاقات بين الهند والصين، آثارًا عميقة للولايات المتحدة، التي كانت تراهن على نيودلهي لموازنة النفوذ الصيني المتزايد في آسيا، ومع تحول الديناميكية نتيجة الرسوم الجمركية والإجراءات الاقتصادية الأمريكية، تجد واشنطن نفسها أمام تحدي جديد يتمثل في تقارب اثنين من أقوى اقتصادات القارة، وهو ما يعيد رسم أولويات القوى الكبرى في المنطقة.
نزاعات حدودية تاريخية
وتتنافس الهند والصين، وهما قوتان نوويتان، على النفوذ في آسيا منذ عقود، حيث خاض البلدان حربًا شاملة عام 1962م، تلتها اشتباكات متفرقة كان أبرزها في يونيو 2020 عند خط السيطرة الفعلي في وادي جالوان بولاية لاداخ الشرقية، وأسفرت عن سقوط قتلى من الجانبين، وأعقب ذلك فرض نيودلهي حظرًا على الاستثمارات الصينية في أراضيها، في خطوة تعكس توتر العلاقات بين البلدين.
الاستثمارات الصينية في الهند
ورغم التوترات السياسية والعسكرية، تمتلك الصين حضورًا اقتصاديًا مهمًا في الهند، حيث تستثمر في شركات ناشئة بارزة مثل Paytm وZomato وSwiggy، إضافة إلى قطاعات حيوية تشمل المكونات الإلكترونية، المواد الخام، الأسمدة، والآلات الثقيلة.
أرقام تكشف عمق الروابط بين الصين والهند
بلغت الاستثمارات المباشرة من الصين إلى الهند 1.8 مليار دولار بين عامي 2000 و2020، وخلال الفترة بين 2015 و2019 وحدها، استثمرت الشركات وصناديق رأس المال المخاطر الصينية نحو 3.2 مليارات دولار في شركات ناشئة هندية، وشاركت في جولات استثمارية مشتركة بقيمة 5.6 مليارات دولار.
كما يواصل البلدان، تبادل كميات كبيرة من المواد الخام والسلع الجاهزة، ما يعكس ترابطًا اقتصاديًا يتجاوز الخلافات الحدودية.

مستقبل العلاقات.. خطوات متأنية وفرص اقتصادية
ويبدو أن الصين والهند حريصتان على المضي قدمًا بالعلاقات من حيث توقفت، لكن التحسن لا يزال تدريجيًا، مع الحفاظ على مساحة للمناورة في القضايا الخلافية.
وبينما تتطلع الصين إلى مزيد من النفوذ الاقتصادي في الهند، تحرص الهند على تحقيق السلام والاستقرار على طول الحدود، لضمان استمرار الإمكانات الاقتصادية لهذه العلاقة.
في النهاية، يظل التقارب بين الهند والصين مثالًا على كيفية تفاعل السياسة والاقتصاد مع أحداث عالمية مفاجئة، وكيف يمكن للحروب التجارية أن تتحول إلى فرص لتعزيز التعاون الاقتصادي على الرغم من التوترات التاريخية.
اقرأ أيضًا:
تحالف الضرورة، هل ينجح المثلث (الروسي-الصيني-الهندي) في مواجهة واشنطن؟
الفائدة الآسيوية تغير المعادلة، هل بدأ الاقتصاد العربي يتأثر أكثر بالصين والهند؟
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
أزمة المصانع المتعثرة في مصر، الأسباب والحلول المقترحة
05 سبتمبر 2025 05:29 م
80 عامًا من إدارة الأزمات والبحث عن الاستدامة، رحلة مصر مع صندوق النقد
05 سبتمبر 2025 03:15 م
الذكاء الاصطناعي ومستقبل الاقتصاد العربي.. هل نحن على أعتاب نقلة نوعية؟
04 سبتمبر 2025 02:41 م
أكثر الكلمات انتشاراً